مسيرة التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري في المصارف العربية
الدكتور وسام حسن فتوح، أمين عام إتحاد المصارف العربية
في ظل الكوارث المناخية التي نشهدها في العالم راهناً، بما في ذلك الزلازل والفيضانات، يتوجَّب على جميع المصارف العربية، تكثيف جهودها للتحول نحو صافي الإنبعاثات الصفري Net-Zero Emissions تلبية لإتفاقية باريس المناخية والتعهُّد بتحقيق صافي الإنبعاثات الصفري في حلول العام 2050.
لقد تجاوز عدد قتلى الزلازل المدمّرة التي ضربت تركيا وسوريا في السادس من فبراير (شباط) 2023، عشرات الآلاف، كما ونشهد يوماً بعد يوم تزايد الكوارث المناخية في جميع أرجاء العالم.
وعلى المصارف العربية المضيّ قدماً وإعطاء الأولوية القصوى للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري من الغاز والكربون. وعليه يتوجَّب على المصارف العربية وضع إستراتيجية مناخية جادة من شأنها أن تُساعد وتدعم مواجهة الكوارث الطبيعية وتغيّر المناخ. وللمصارف العربية دور مهم في مسيرة العالم للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، مع العلم أن هذا التحوّل يتطلّب تكاتف الجهود على الصعيد العالمي، وليس فقط على صعيد المؤسسة أو البلد.
إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى إنشاء سلطات ووكالات جديدة في الدول العربية، يُمكنها التشريع ومراقبة وجمع البيانات حول مسيرة العالم للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، ومراقبة المصارف في جهودها للوفاء بإلتزاماتها في التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
إن البنوك المركزية ليس من شأنها فرض السياسات المناخية، فهي تسعى إلى تحقيق الإستقرار المالي. وعليه يتوجَّب على جميع المصارف والسلطات العربية أن تجتمع لوضع أطر عالمية موحَّدة، لتقدير حجم وتكلفة الإنبعاثات مع وضع إجراءات سياسية جماعية وديناميكيات عمل موحّدة للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
تحتاج المصارف العربية إلى ممارسات محاسبية موحّدة لكي يتمكّنوا جميعاً من قياس تقدّمهم في التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري بنفس الطريقة. لا يوجد حتى اليوم وسائل دقيقة لتقدير حجم الإنبعاثات الصادرة عن المصارف، وذلك لأن البيانات ليست متاحة بسهولة وعلى نطاق واسع. وعليه تحتاج المصارف العربية إلى تطوير المعايير وإنشاء مراكز البيانات لجمع ومراقبة التقدم المُحرز في التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
ويجب على السلطات العربية، القائمة حالياً والتي يتوجب إنشاؤها، وضع معايير للمصارف للإفصاح عن الأنشطة التي ينجم عنها إنبعاثات غازية وكربونية.
كما وتحتاج المصارف في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في العالم العربي وحسب، إلى تعزيز القدرات لتتبع الإنبعاثات الكربونية والغازية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات عالمية للإنبعاثات. علماً أن التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري لن يتحقق من دون نهج عالمي أكثر تماسكاً في وضع السياسات المناخية ومراقبة تطبيقها.
لقد إنضمت العديد من المصارف الى تحالف «المصرفيون من أجل إنبعاثات كربونية صفرية» Net-Zero Banking Alliance (NZBA) الذي تقوده الأمم المتحدة، لوضع أهداف للوصول إلى صافي إنبعاثات الكربون الصفرية في حلول العام 2050. واليوم يُمارس العملاء والحكومات ضغوطاً متزايدة على المصارف والمؤسسات المالية لإتخاذ إجراءات مناخية وتكثيف الجهود للتحول نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
ويتوجب على جميع المصارف العربية الإلتزام بجدية بمتطلّبات الإبلاغ عن الحوكمة البيئية، والإفصاح عن المساعي التي تبذلُها في التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
كما على المصارف العربية السعي نحو الإستدامة في عملياتها، والإلتزام بتحقيق صافي الإنبعاثات الصفري في حلول العام 2050. وإدراكاً بأن مخاطر المناخ، مخاطر مالية، ينبغي على السلطات العربية مساعدة المستثمرين والمقرضين، ومتعهدي التأمين في التقييم المناسب للمخاطر المتعلقة بتغيّر المناخ، والسعي إلى إنقاذ العالم من الكوارث والزلازل ومخاطر تغيّر المناخ.
إن الإنتقال إلى صافي الإنبعاثات الصفري، يتطلّب جعل إجمالي إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري لمؤسسة أو مدينة أو دولة، مساوياً أو أقل من الإنبعاثات التي تزيلها من البيئة.
ويُعتبر تغيّر المناخ اليوم أكبر تهديد للعالم والبشرية. فالمعدّل الذي تصدره المؤسسات من الغازات الدفيئة غير مستدام، مما يستوجب إتخاذ إجراء عالمي على الفور لحل المشكلة. وإذا إستمرّت درجات الحرارة العالمية في الإرتفاع، فسيتعرّض العالم لظروف مناخية قاسية وفقدان التنوُّع البيولوجي. وعليه يتوجب تحقيق صافي الإنبعاثات الصفري على المستوى العالمي على نحو مستدام، مما يعني أن أي غازات دفيئة تمّت إزالتها من الغلاف الجوي لا يتم إعادة إطلاقها. ويتوجب على المصارف والسلطات في الدول العربية إتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة بلدانهم على الإنتقال إلى صافي الإنبعاثات الصفري.
لتحقيق صافي الإنبعاثات الصفري، يتوجَّب على جميع القطاعات الإقتصادية إتباع مسارات التحوُّل القائمة على التقنيات الحديثة، مما يتطلّب إستثمارات كبيرة. ويُمكن للمصارف العربية أن يكون لها دور محوري في دعم التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، مما يتطلّب أيضاً سياسات داعمة لقيام المصارف بدورها بشكل فعّال.
ولكي تتمكن المصارف العربية من تطوير إستراتيجية، ووضع خطة عمل للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، عليها إكتساب الخبرات الإقتصادية والتكنولوجية الرائدة.
ويتوجَّب على المصارف العربية، وضع إستراتيجيات لتحقيق صافي الإنبعاثات الصفري، وترجمتها إلى إجراءات عملية وتمويلها. كما ويتوجب على المصارف العربية التعاون النشط مع العملاء وصانعي السياسات، لتحويل الإقتصاد المحلي والعالمي نحو صافي الإنبعاثات الصفري. كما ويتوجب على المصارف العربية الإفصاح عن التقدُّم المحرز لجميع أصحاب المصلحة.
على المصارف العربية إعتماد نهج الإستدامة في جميع عملياتها، والإلتزام بتحقيق صافي الإنبعاثات الصفري في حلول العام 2050.
لقد قام العديد من المصارف في جميع أنحاء العالم، بتحديد أهدافها لتمكينها من الوفاء بإلتزاماتها نحو التحوُّل الى صافي الإنبعاثات الصفري. إلاَّ أن بعض المصارف العربية لم يضع خارطة طريق مناسبة، مع معالم قابلة للتحقيق، ولم يقم بتوجيه عملائه لكي يصبحوا محايدين للكربون. كما وأن الخطوات التي يتخذها بعض المصارف العربية هي فقط عند الحاجة، وليست كجزء من إستراتيجية طويلة الأمد. من دون إعتماد خطوات مدروسة بجدية، لن تتمكن المصارف العربية من الوفاء بإلتزاماتها في التحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، وستفشل في دعم التوجه العالمي نحو الإستدامة.
وللوصول إلى الأهداف المنشودة، على المصارف العربية تعزيز القدرات لقياس إنبعاثات الكربون الناتجة عن عملياتها، وتلك التي تنتجها الشركات التي تقوم بتمويلها. إن ذلك يستوجب جمع البيانات وتطوير وسائل تقنية لتتبع إنبعاثات الكربون التي تُصدرها المصارف وعملاؤها.
ويُمكن وضع خطوات عدة للتحوُّل نحو صافي الانبعاثات الصفري، بما في ذلك فهم كيفية قياس الإنبعاثات، وتطوير إستراتيجيات الإنتقال، وتتبع تحقيق الأهداف في جميع الأقسام في المصارف.
إن عملية تقييم وتحديد أهداف التحول نحو صافي الإنبعاثات الصفري ليست سهلة. فهي تنطوي على تعقيدات متعددة ناشئة عن الإختلافات بين القطاعات، والتباين الجغرافي، والخطط المتغيّرة، وتغيّر المعايير، والحاجة إلى البيانات المتطورة بسرعة فائقة. كما وأن الإجراءات التي تتخذها المصارف لتحقيق الأهداف للتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري، غالباً ما تخلق ضغوطاً على الأهداف الأخرى، مثل تنمية الإيرادات، مما يتطلّب تغيّرات في العمليات والسياسات الرئيسية، ويستوجب تسوية دقيقة.
إن إنتقال العالم نحو صافي الإنبعاثات الصفري يستوجب ثورة تجارية وصناعية جديدة. ويجب إجراء تغييرات جذرية في كل قطاع من قطاعات الإقتصاد، بما في ذلك قطاعات الطاقة والتصنيع والنقل والإسكان والزراعة. كما ويتطلب هذا الإنتقال إستثمارات كبيرة.
إن المصارف العربية لها دور مهم في توفير وتوجيه التمويل اللازم للإستثمار في نماذج الأعمال المستدامة. وستكون رحلات الإنتقال الى صافي الإنبعاثات الصفري بسرعات ودرجات متفاوتة في مختلف الدول العربية، نظراً إلى القيود التكنولوجية والسياسية المحيطة.
وعليه نتوجه بالتوصيات التالية للمصارف العربية في رحلتها نحو التحوُّل إلى صافي الإنبعاثات الصفري:
- التوصية الأُولى، وضع رؤية واضحة لبناء إستراتيجيات للتحول نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
- التوصية الثانية، إتباع نهج الإستدامة في جميع العمليات والأقسام.
- التوصية الثالثة، دعم الإستثمارات الخضراء. ويحتاج الجزء الأساسي من إستراتيجية الإستدامة، الإستثمار في تطوير تقنيات وسلاسل إمداد مبتكرة وفعالة، لتقييم إنبعاثات الكربون.
- التوصية الرابعة، دعم تطوير المنتجات البيئية.
- التوصية الخامسة، تمكين العملاء من قياس إنبعاثات الكربون وتقليلها وتعويضها عن طريق دمج منتجات إدارة الكربون في التطبيقات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
- التوصية السادسة، وضعُ المعايير واللوائح الخاصة بالتحوُّل نحو صافي الإنبعاثات الصفري.
- التوصية السابعة، خلقُ قاعدة بيانات ضخمة لقياس وتتبع الإنبعاثات الكربونية.