«منتدى غاز شرق المتوسط» خطوة واعدة
تطمح لحجز مكانها في سوق أوروبا
لا تقتصر أهمية «منتدى غاز شرق المتوسط» الذي تمّ إطلاقه في العاصمة المصرية القاهرة في بداية العام 2019 (يضم سبع دول متوسطية هي: مصر، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، وإيطاليا، وقبرص واليونان) على الصعيد الإقتصادي، وإمكانية فتح أسواق جديدة للدول المنتجة للغاز في هذا المنتدى في القارة الاوروبية فحسب، بل أيضاً في المكانة المعنوية والجيوبوليتيكية التي حصدتها هذه الدول، ولا سيما مصر، لجهة إمتلاكها البُنى التحتية اللازمة لإنتاج وتسييل وتخزين وبيع الغاز إلى القارة العجوز، بالتعاون مع شركائها في المنتدى، وخصوصاً أن القرب الجغرافي بين الدول المنتجة والمصدّرة والدول المستهلكة، يُساعد على إيجاد أسواق بشكل سريع لهذا الغاز.
بلغة الأرقام، تُظهر تقديرات دولية، أنّ إحتياطات منطقة شرقي المتوسط تصل إلى نحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويُعتبر حقل «ظهر» أكبر حقول الغاز فيها شمالي السواحل المصرية. وتُقدّر إحتياطات الغاز فيه بنحو 30 تريليون قدم مكعب وفقاً للبيانات المصرية، متقدماً كثيراً على بقية حقول الغاز في المنطقة،
ويقول خبراء: «إن دول المنتدى تأمل في إشراك القطاع الخاص، والمؤسسات المالية في محاولة تعزيز القدرات على تحقيق الدخل في المرحلة المقبلة».
كل ما سبق، يُظهر أن دول المنتدى، تملك إمكانات واعدة في صناعة الغاز، فضلاً عن المكانة التي تحتلّها مصر في هذا المنتدى، كونها العرّاب للدول المنضوية تحت لوائه، لذلك من المفيد إلقاء الضوء على أهميته، وتأثيره على إقتصادات الدول المنتجة، ومكانته في سوق الغاز العالمي في المرحلة المقبلة.
لقاء مصالح
ياغي: لا تأثير للمنتدى على سوق الغاز العالمي
بل خطوة معنوية ستُنعش إقتصادات الدول المنتجة
يصف الخبير النفطي ربيع ياغي «منتدى غاز شرق المتوسط» بأنه «لقاء مصالح إقتصادية، وتقاطع مع مصالح سياسية، وهو يضم الدول المطلّة على شرق المتوسط، والرعاية للعضو الدائم أي الولايات المتحدة الاميركية»، شارحاً لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، أن «هدف المنتدى هو إدارة الثروات الغازية التي تريد دولها تصديرها بإتجاه أوروبا، ولأنه لا خطوط إمداد من شرق المتوسط إلى أوروبا سوى مصر، لذلك فهي العراب لهذا المنتدى، ولديها طموح مشروع بأن تدير تجميع وتصنيع وتصدير الغاز في منطقة شرق المتوسط».
يضيف ياغي: «أهمية هذا المنتدى، أنه يضم دولاً منتجة للغاز ومصدّرة لهذه المادة، ودولاً غير منتجة ومستهلكة للغاز، لذلك نجد أن مصر وإسرائيل وقبرص هي: دول منتجة للغاز، بينما الدول الأخرى مستهلكة وهي: الأردن، وفلسطين واليونان. والهدف من هذا المنتدى، إدارة تجارة الغاز بين هذه الدول، بدءاً من الإنتاج والتصنيع، وصولاً إلى التصدير والتسعير، وهذا ما يُحوّل القاهرة الى مركز تخزين وتسعير وتصدير الغاز. وهذا ما دفع أيضاً كلاً من قبرص وإسرائيل إلى الدخول في هذا المنتدى، لأن مصر تملك البنية التحتية اللازمة لإستقبال الغاز لإنتاجه وتسييله وتخزينه وتصديره ومن ثم نقله عبر أنابيب تجاه الدول المستهلكة».
يشرح ياغي أن «لا إنعكاس للمنتدى على سوق الغاز العالمية، بل هو خطوة سياسية ومعنوية أكثر، لأن إنتاج الغاز من قبل دول المنتدى (مصر وقبرص وإسرائيل) لا يزيد عن 180 تريليون قدم مكعب من الغاز سنوياً، وهذا الحجم من الإنتاج لا يُقارن مع ما تنتجه روسيا سنوياً، إذ يبلغ إحتياطها من الغاز 1300 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهي المصدّر الرئيس لأوروبا، وكل إنتاج دول المنتدى لا يكفي إستهلاك دول أوروبا من الغاز لعام واحد، ولكن هذا المنتدى، ولا شك في أنه يُنعش إقتصادات الدول المنتجة للغاز».
خفض كلفة الانتاج والتخزين
الأُنسي: إنعكاسات المنتدى الإقتصادية إيجابية
على الإستهلاك المحلي وخفض كلفة الإنتاج والنقل
في المقابل يُقدم الخبير النفطي فؤاد الأنسي لمجلة «إتحاد المصارف العربية»، شرحاً على المستوى التقني لأهمية المنتدى، فيقول: «إن عقود شراء الغاز، يجب ألاّ تقلّ عن 25 عاماً و30 عاماً، كما أن تخزينه صعب جداً، لأنه يجب تحويله إلى سائل، ثم إلى غاز عبر محطات التغويز، وهذا الأمر والتقنيات غير موجودة في كل منطقة الشرق الاوسط، إلا في مصر التي طوّرت مركزاً ضخماً جداً للتغويز».
يُضيف الأنسي: «إن نقل الغاز صعب جداً، ولا يتم إلاّ عبر أنابيب ضخمة، وأهم سوق لمنطقة الشرق المتوسط للغاز، هي إما بلدانها (علماً أن إستهلاكها للغاز ضئيل جداً مقارنة بالإنتاج، لأنها لم تطور صناعاتها، ولا مراكز إنتاجها على الغاز)، والسوق الثانية هي أوروبا، وتُعدّ بلداناً متطورة صناعياً، وإستهلاكية بكمية هائلة، وهي تعتمد في الوقت الحاضر على الغاز الروسي، أو الغاز القطري، الذي يتم إستيراده بواسطة الأنابيب».
ويرى الأنسي أنه «بالنسبة إلى أوروبا، فإن مصلحتها تقتضي أن تستورد الغاز من شرق المتوسط، وهذا ما دفع مصر، والأردن، وإسرائيل، واليونان وقبرص إلى توحيد جهودهما لإنشاء أنبوب غاز واحد، يُوصل إنتاجها من الغاز إلى أوروبا، لأن تكلفة البنى التحتية والتخزين هائلة، لذلك أقدمت مصر على إنشاء المنتدى، وباتت حالياً مركز النقل لدول شرق المتوسط»، مشدِّداً على أن «الإنعكاسات الإقتصادية للمنتدى إيجابية لسببين، الأول أنه سيؤمّن لهذه الدول الكميّات المطلوبة لإستهلاكها المحلي من جهة، وهذا ما لم يكن متوفراً سابقاً، وثانياً، أن وجود هذه الدول في هذا التجمع الضخم للغاز، سيُقلل كلفة وسائل الإنتاج والنقل، من جهة أخرى».
ويختم الأنسي معتبراً «أن أوروبا ستُرحب بهذا الموضوع الضخم، لأنها تهتم في تنويع مصادر إستيرادها للغاز، والتحرّر من السيطرة الروسية عليها»، ويقول: «الجميع يتذكر الأزمة التي عاشتها أوروبا مع الغاز، بعد الأزمة الأوكرانية – الروسية، كما أن الغاز مادة حيوية للإنتاج والعيش في أوروبا بإعتبارها مادة صديقة للبيئة».
باسمة عطوي