ميساء يوسف: المنطقة العربية مجتمعة لن تحقق أهداف التنمية المستدامة – العدد 477

Download

ميساء يوسف: المنطقة العربية مجتمعة لن تحقق أهداف التنمية المستدامة – العدد 477

موضوع الغلاف
العدد 477 - آب/أغسطس 2020

مسؤولة في التنمية المستدامة في الإسكوا

الدكتورة ميساء يوسف في حديث  إلى مجلة  «إتحاد المصارف العربية»:

بحسب التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020 المنطقة العربية مجتمعة لن تحقق أهداف التنمية المستدامة في حلول عام 2030

تحدثت  مسؤولة في التنمية المستدامة في الإسكوا الدكتورة ميساء يوسف إلى مجلة  «إتحاد المصارف العربية» عن مسار التنمية المستدامة في المنطقة العربية، «وخصوصاً أنه لم يكن سليماً حتى قبل تفشي وباء الكورونا»، مشيرة إلى أنه «بحسب التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020، الذي يستعرض الأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة في الدول العربية، فإن المنطقة العربية مجتمعة لن تحقق أهداف التنمية المستدامة في حلول عام 2030، كما أن منطقتنا تشهد أعلى نسبة للبطالة عالمياً، بين النساء وبين الشباب أيضاً.  وقد شهدت المنطقة الإزدياد الوحيد عالمياً للفقر المدقع في السنوات الماضية نتيجة الحروب والنزاعات». 

ولفتت يوسف إلى «أن المنطقة بحاجة إلى تحوّل جذري في نهج التنمية، وهذا يشمل رسم السياسات كما التمويل والتنفيذ وإشراك أصحاب المصلحة»، داعية إلى «تعزيز عملية وضع السياسات المتكاملة التي تجمع بين أبعاد التنمية المستدامة المختلفة، وهذا خيار سياسي ومؤسساتي؛ وأن يتحوّل هيكل الإقتصادات العربية نحو الإستدامة والإنتاجية؛ وأن تفي المنطقة بالإلتزام الكامل بحقوق الإنسان العالمية في جميع مستويات الحكومة والمجتمع وغيرها».

وفي ما يلي الحوار مع الدكتورة ميساء يوسف:

  • * هل تأثر مسار التنمية المستدامة بسبب تفشي وباء كورونا؟

– يجب الإعتراف أولاً بأن مسار التنمية المستدامة في المنطقة العربية لم يكن سليماً حتى قبل تفشي وباء كورونا. ما يُظهره التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020 هو أن المنطقة العربية مجتمعة لن تحقق أهداف التنمية المستدامة في حلول عام 2030.

ويُظهر التقرير بشكل مفصّل وجود عوائق أساسية لا بد من تفكيكها لتصحيح المسار.  جاء فيروس كورونا ليكشف خطورة الوضع، وخصوصاً بعض الجوانب التي لم تكن تحظى بالإهتمام. وتُواجه المنطقة هذا الوباء بأنظمة صحية مجتزأة، أنظمة حماية إجتماعية ضعيفة وغير شاملة، إقتصادات عربية غير منتجة وتعتمد على النفط أو الخدمات بشكل أساسي، حروب ونزاعات وإحتلال، وغيرها من العوامل التي تحد من قدرات الشعوب والدول على التصدي لأزمة كهذه. ولأنها أزمة إنسانية بالمقام الأول كان من الضروري الإستجابة لها بشكل مباشر، وشهدنا معظم البلدان العربية وهي تُقدم رُزُماً من المساعدات المالية وغيرها لتفادي تبعات قد تكون كارثية.

 هناك نقطتان أساسيتان يجب التركيز عليهما الآن:

أولاً: كيف نضمن أن هذه التدخلات والمبادرات وخصوصاً تلك التي توسع نطاق الحماية الإجتماعية لتشمل شرائح أكبر من المجتمعات العربية، تصبُ في إرساء شبكات حماية أوسع وأكثر فعالية على المدى الطويل؟ وهنا أيضاً نُركز على أهمية تجييش القدرات والإمكانات التي إستُخدمت بشكل طارئ للتعرف على إحتياجات الناس والفئات وجعلها تخدم عملية أكثر منهجية وفعالية لرسم سياسات محاربة الفقر واللامساواة في العالم العربي.

ثانياً: كيف لعملية تنشيط النمو الإقتصادي بعد كورونا ودعم المؤسسات والخدمات والتجارة في المرحلة المقبلة ألاّ تضحّي بمبدأ الإستدامة لصالح المردود المالي السريع.  فأزمة كورونا، رغم تأثيرها المباشر على الأرواح والإقتصادات، لا تزيد خطورةً عن الأزمات البيئية التي تُواجه المنطقة والتي من شأنها أن تُدمّر إقتصادات كاملةً وتُهدد أمن وإستقرار وسلامة الأجيال المقبلة.

*  ما هو وضع التنمية في المنطقة العربية في الوقت الراهن في ضوء أجندة 2030؟

– التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020 هو الأول من نوعه في المنطقة.  يستعرض الأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة في الدول العربية ويقدم تحليلاً كمياً ونوعياً لإنجازات المنطقة وللعوائق الرئيسية التي تعرقل التقدم نحو تحقيق التنمية المستدامة في منطقتنا. كما يحدد المداخل الرئيسية لتفكيك هذه العوائق ولتصحيح مسار المنطقة باتجاه تنمية عادلة وشاملة ومستدامة.

واستناداً إلى المؤشرات والأرقام كما إلى التحليل النوعي، فإن المنطقة متأخرة في العديد من الأهداف والغايات.  مثلاً، في منطقتنا أعلى نسبة عالمياً للبطالة والأعلى كذلك بين النساء وبين الشباب أيضاً.  كما شهدت المنطقة العربية الازدياد الوحيد عالمياً للفقر المدقع في السنوات الماضية نتيجة للحروب والنزاعات.  وتشير الدراسات الأخيرة التي يستند إليها التقرير أن اللامساواة في الدخل في منطقتنا أيضاً قد تكون الأعلى عالمياً رغم صعوبة قياس اللامساواة في دولنا لأسباب تقنية وسياسية أحياناً. هناك خمسة بلدان عربية تُصَنَّف بين البلدان العشرة الأولى الأكثر تلوّثاً في العالم.  نسبة الإنفاق العسكري في منطقتنا إلى الناتج المحلي الإجمالي هي الأعلى عالمياً، بينما الإنفاق على البحث والتطوير هي الأدنى.  في منطقتنا أيضاً أدنى نسبة مشاركة للمرأة في السياسة.

والتقرير العربي للتنمية المستدامة غنيٌ بالأرقام والأمثلة والتحاليل المعبّرة والتي ترسم بوضوح وبأسلوب سلس وغير أكاديمي الوضع الراهن لمسار تحقيق التنمية المستدامة.

* ما هي تداعيات كورونا على النمو الاقتصادي؟

– تقوم الإسكوا بعملية تقييم حي لتداعيات كورونا على النمو الاقتصادي في المنطقة، ونشدد على أن أي أرقام تبقى مؤقتة وتقديرية فقط في هذه الأثناء. ومنها مثلاً:

– خسارة حوالي 80 مليار دولار نتيجة تقلص الدخل القومي الإجمالي،

– خسارة بنسبة 23 % من قيمة سوق الأسهم في العالم العربي،

– خسارة ما يقرب من 20 مليار دولار في الضرائب غير المباشرة بما فيها خسارة 5 مليارات دولار من تعريفات الإستيراد و15 مليار دولار من الضرائب غير المباشرة الأخرى.

وكلها خسارات تؤثر حتماً على قدرات الدول للإستجابة للأزمات المختلفة، وتُساهم في إرتفاع العجز المالي في دول المنطقة.

وإشارة إلى آخر أرقام أصدرتها منظمة العمل الدولية التي ساهمت أيضاً في إعداد التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020، فقد خسرت المنطقة ما يُعادل 12 مليون وظيفة في الربع الأول من 2020 وتتبع هذه الخسارة معدلات بطالة عالية في المنطقة أظهرها التقرير وتسبق تفشي وباء كورونا والأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي نتجت عنه.

* ما هي سبل دفع التنمية نحو التطور في ضوء خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والحلول المطلوبة من أجل إعادة عجلة التنمية ما بعد كورونا؟

– المنطقة بحاجة إلى تحوّل جذري في نهج التنمية وهذا يشمل رسم السياسات كما التمويل والتنفيذ وإشراك أصحاب المصلحة. وما يبرزه التقرير هو أن معظم العوائق هي هيكلية وغالباً ما تنطبق على الدول الأغنى ومتوسطة الدخل والأفقر في المنطقة. وإذا نظرنا إلى مسار التنمية بمجمله نرى أن المداخل الرئيسية لإحداث التحول المنشود تكمن في تفكيك عدد محدد من هذه العوائق:

  1. يجب تعزيز عملية وضع السياسات المتكاملة التي تجمع بين أبعاد التنمية المستدامة المختلفة، وهذا خيار سياسي ومؤسساتي؛
  2. يجب أن يتحوّل هيكل الإقتصادات العربية نحو الإستدامة والإنتاجية؛
  3. يجب أن تفي المنطقة بالإلتزام الكامل بحقوق الإنسان العالمية في جميع مستويات الحكومة والمجتمع؛
  4. يجب بذل الجهود لإنهاء الصراعات وتعزيز هياكل الحكم للمساعدة في بناء مجتمعات عادلة وسليمة؛
  5. يجب إعادة النظر في دور التعليم والتعلم وعكس إنكماش الفضاء المدني – ويُظهر التقرير ضعف الرؤية السائدة في منطقتنا للتعليم وعدم إيلاء الإبداع والفكر النقدي الأهمية الكافية.

وما نراه الآن من تأثير تفشّي وباء كورونا على شعوب وإقتصادات المنطقة يؤكد أهمية هذه المداخل.

فمحاولات مكافحة الفقر لا يُمكن أن تنجح من دون ربطها بتقليص اللامساواة بما فيها اللامساواة في الحصول على الخدمات الصحية مثلاً. ويُبيّن التقرير مدى التشتّت في الأنظمة الصحية العربية وتوزيعها بين عام وخاص والفوارق الكبيرة في نوعية الخدمات الصحية بين مناطق مختلفة ضمن البلد الواحد ولفئات مجتمعية مختلفة. كما أن متوسط الإنفاق الشخصي على الرعاية الصحية يُعد عالياً وكارثياً في العديد من دول المنطقة.  كذلك تحسين مؤشرات الصحة عموماً يستدعي سياسات متكاملة تراعي الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية والبيئية للصحة.  على سبيل المثال، غالباً ما تُركز الأنظمة الصحية في بلداننا على الخدمات الثانوية والمتقدمة والتي هي عادة أكثر كلفة بدلاً من إعطاء الأولوية للرعاية الوقائية الأولية. ونرى تفشياً متزايداً للأمراض المزمنة وغير المعدية، بما فيها إرتفاع مستوى السكر وإرتفاع ضغط الدم والسمنة والأمراض النفسية، إلخ.

وإقتصادياً تبين لنا مدى هشاشة الإقتصادات المبنية على النفط والخدمات في وجه أزمات عالمية.

وهنا أيضاً تظهر أهمية مدخلين رئيسين ينظر إليهما التقرير:

أولاً: التكامل الإقليمي وضرورته في منطقتنا لإحداث دفعة إقتصادية وللتعامل مع تحديات عابرة للحدود كالتغيير المناخي والهجرة والبطالة بين صفوف الشباب.

وثانياً: ضرورة حث المجتمع الدولي على الوفاء بإلتزاماته بدعم البلدان النامية ضمن إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وإتفاقية باريس حول المناخ وجدول أعمال أديس بابا. ولا يشمل هذا الدعم التمويل والمساهمة التقنية فحسب، ولكن أيضاً تعزيز مفهوم التضامن والتعاون العالمي في أمور مثل الوصول إلى العلاج واللقاح المتوقع لوباء كورونا وبناء القدرات للتصدي للكوارث بجميع أنواعها.

حاورها هيثم العجم