نظمها إتحاد المصارف العربية
القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2018 في باريس
«الحوارات المصرفية المتوسطية»
شهدت العاصمة الفرنسية باريس، إفتتاح القمة المصرفية العربية الدولية برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي نظمها إتحاد المصارف العربية، بالتعاون مع جمعية المصارف الفرنسية، وجمعية المصارف الفرنكوفونية، وجمعية المصارف الأوروبية بعنوان «الحوارات المصرفية المتوسطية»، على مدار يومين، إذ تُعتبر أضخم قمة مصرفية عربية دولية لعام 2018، وهي من أهم المؤتمرات الدولية، بإعتبارها منصة دولية سنوية، وقد أعادت تأكيد دور لبنان الريادي على الساحة المصرفية والإقتصادية.
وقد جمعت القمة عدداً من الوزراء ومحافظي البنوك المركزية والقادة المصرفيين، وصُنّاع القرار وممثلي القطاعين العام والخاص، والسلك الديبلوماسي العربي والأجنبي، من مختلف الدول للتشاور حول القضايا التي تهم المجتمع المصرفي والإقتصادي العربي والدولي. علماً أن أهمية القمة المصرفية برزت من خلال موضوعاتها المتعددة التي أثارتها خلال حفل الإفتتاح وفي جلساتها، أبرزها الأمن الإقليمي، التعليم، البيئة، التكنولوجيا المالية والتمويل الخاص بالمشروعات المتوسطة والكبيرة ومن بينها الغاز والبترول والمياه، في ظل المتغيرات الإقليمية وغيرها، في حضور مسؤولين من كبرى المنظمات الدولية بينها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، صحيفة لوفيغارو، إتحاد المصارف الاوروبية «بروكسل»، منظمة «باريس يوروبلايس»، الإتحاد المصرفي الفرنكوفوني، شبكة النزاهة المالية في أميركا، سلطة دبي للخدمات المالية، الشركة الدولية «ماستر كارد»، المؤسسة العالمية لدعم التوعية المالية للأطفال والشباب في أمستردام وغيرها.
شارك في القمة المصرفية، حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه، المدير العام للبنك المركزي الفرنسي مارك اوليفيه شتراوس كان، محافظ ورئيس مجلس إدارة بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل، الأمين العام لاتحاد المصارف العربيه وسام حسن فتوح، الرئيسة التنفيذية لجمعية المصارف الفرنسية ماري آن باربا – لاياني، المدير العام لجمعية المصارف الفرنسية بينوا دو لا شابيل بيزو، محافظ المصرف المركزي الأردني الدكتور زياد فريز، محافظ المصرف المركزي العراقي الدكتور علي محسن اسماعيل العلاق، الرئيس التنفيذي لمجموعة مصرف قطر الوطني أحمد الكواري، محافظ المصرف المركزي في موريتانيا عبد العزيز ولد الداهي، رئيس سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا، الرئيس التنفيذي للمصرف المركزي العماني طاهر بن سالم بن عبدالله العمري، محافظ المصرف المركزي التونسي مروان العباسي.
والجدير ذكره، أن القطاع المصرفي العراقي الحكومي والخاص، شارك بوفد رفيع في القمة المصرفية، وفي مقدمة المشاركين: المحافظ د. علي العلاق، كما سبقت الإشارة، ورئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية وديع الحنظل، فضلاً عن عدد من المسؤولين الحكوميين والمصرفيين التابعين للقطاعين العام والخاص. وتُترجم المشاركة العراقية الواسعة في القمة، الحرص على تعزيز التعاون بين المصارف العراقية مع المصارف المراسلة الأجنبية، وفتح قنوات إتصال مباشر معها بما يتيح للقطاع المصرفي العراقي الإنطلاق نحو الآفاق العالمية.
وشهد حفل الإفتتاح تكريم إتحاد المصارف العربية لمحافظ البنك المركزي العراقي الدكتور علي العلاق ومنحه جائزة «محافظ العام». كذلك شهد حفل الإفتتاح تكريماً لكل من: الوزير السابق رئيس مجلس إدارة مجموعة فرنسبنك عدنان القصار، ونائب رئيس المجموعة عادل القصار من لبنان بجائزة «وسام الاتحاد الذهبي للإنجاز»، ومن الأردن، رئيس مجلس إدارة البنك العربي صبيح المصري، ومن قطر، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك قطر الوطني (QNB) علي الكواري.
يُذكر أنه جرى تنظيم معرض مصاحب لفعاليات القمة، يضم المؤسسات والشركات الراعية بحيث شكل فرصة لإقامة وتطويرعلاقات تجارية بينها. كما عُقدت جلسات نقاش معمّقة أدارها كبارالمصرفيين ورجال الأعمال.
شايب عينو
بدءاً قدم السكرتير العام لإتحاد البنوك الفرانكوفونية الدكتور الهادي شايب عينو، تفاصيل محاور القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2018، والتي تضمنت مناقشة الحوار المتوسطي: إستراتيجيات التعاون العربي – الأوروبي لتعزيزالعلاقات المصرفية والعلاقات التجارية الثنائية والإستثمارية، وتمويل المشاريع المتوسطة والكبيرة من خلال آليات تمويل القطاعين العام والخاص وتعزيز الإستثمارات طويلة الأجل في الغاز والنفط و المياه، والثقافة ومكافحة الأمية: الإستثمار في الموارد البشرية، والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والإطار التنظيمي العالمي للعلاقات مع المصارف المراسلة، والتكنولوجيا المالية والتكنولوجيا التشريعية: التحديات والفرص، وتقديم أوراق من قبل كبار المسؤولين الحكوميين والمصرفيين وخبراء من القطاعين المالي والاقتصادي من المنطقة العربية والمجتمع الدولي.
الصباح
في الكلمات، تحدث رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح فرحَّب بـ «حكّام ومحافظي البنوك المركزية العربية لحرصهم على مشاركتنا هذا الحدث السنوي الهام، وبالقادة وصنّاع القرار وممثلي القطاعين العام والخاص والهيئات والمؤسسات المالية العربية والدولية لمناقشة مسألة محورية فرضتها المستجدات الدولية والإقليمية، هي «الحوارات المصرفية العربية المتوسطية»، مشيراً إلى أهمية «خيارنا في عقد هذه القمة المصرفية في باريس، هذه العاصمة الساحرة العريقة، لأنها شكّلت على مدار العقود الماضية نقطة الإرتكاز في دفع مسيرة الحوار العربي – الأوروبي، ومدّ جسور التعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والحضاري والعلمي بين كافة المدن المتوسطية، وها هي اليوم تستضيف هذا الحوار المصرفي العربي – المتوسطي إستكمالاً لهذا الدور، وإيماناً منها بمبادرة إتحاد المصارف العربية، في تعزيز وتطوير التعاون بين المصارف الأوروبية والمصارف العربية، وخصوصاً أنّ التطوّرات التي يشهدها العالم من حروب تجارية، وعقوبات، ومقاطعة، وغيرها… أصبحت تشكّل مصدر قلق كبير على مؤسساتنا المالية وإقتصاداتنا، وحتى على علاقاتنا مع دول الجوار».
وقال الصباح: «إنّ القمة المصرفية العربية الدولية التي يعقدها الإتحاد مداورة بين عواصم القرار الدولية في باريس ولندن وروما وبرلين وبودابست وغيرها من العواصم الدولية، ليست إلا رسالة نُحاول من خلالها تكريس التعاون المصرفي العربي – الأوروبي، وتعميق العلاقات مع صنّاع القرار والمشاركة فيه، والإستفادة من الخبرات والكفاءات وتبادل التجارب، وصولاً إلى حوار مستدام جوهره بناء قاعدة من العلاقات الإقتصادية والمصرفية والمالية، على أسس متينة عنوانها حوار سياسي وإقتصادي على مختلف المستويات، وإقامة منطقة سلام وإستقرار في منطقة البحر المتوسط».
وعرض الصباح «بعض المؤشرات المهمة عن قطاعنا المصرفي العربي الذي يضمّ 650 مصرفاً، إذ بلغت موجوداته المجمّعة 3.45 تريليونات دولار في نهاية العام 2017، بزيادة فاقت 6 % عن العام 2016، وأصبحت بالتالي تشكل 140 % من حجم النتائج المحلي الإجمالي العربي، وهي نسبة مرتفعة جداً. وبلغت الودائع المجمّعة حوالي 2.2 تريليون دولار ما يعادل 90 % تقريباً من حجم الإقتصاد العربي، وبلغت حقوق الملكية حوالي 395 مليار دولار محقّقة نسبة نمو حوالي 9 % عن نهاية العام 2016. وتشير التقديرات إلى أن حجم الإئتمان الذي ضخه القطاع المصرفي العربي قد بلغ 1.9 تريليون دولار نهاية العام 2017، وهو ما يشكل نحو 77 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي».
أضاف الصباح: «تدلّ هذه الأرقام على المساهمة الكبيرة التي يقوم بها القطاع المصرفي العربي في تمويل الإقتصادات العربية رغم إستمرار الإضطرابات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في عدد من الدول العربية»، مشيراً إلى «أنّ إتحاد المصارف العربية يتطلّع دائماً إلى أن يكون قطاعه المصرفي العربي بمنأى عن أيّ صراعات أو تطوّرات قد تُعيق دوره الإقتصادي والإجتماعي، وأن يبقى جسر تواصل متيناً مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، ومنصّة للحوار حول كل ما يهم مسيرة العمل العربي المشترك»، مؤكداً «أن إتحاد المصارف العربية كان سبّاقاً في إطلاق مبادرة الحوار المصرفي العربي -الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2015 في مقرّ بروكسل، تهدف إلى توحيد الجهود لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي شكلت حتّى يومنا هذا، دعامة إضافية في الجدار الذي يواجه هذه الآفة الخطيرة».
سلامة
تحدث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فقال: «يبقى لبنان مستقراً رغم التحديات التي يواجهها ومنها إرتفاع معدلات الفوائد وأسعار النفط. ويعود هذا الإستقرار إلى ثقة الأسواق سواء كان المشاركون فيها مقيمين أو غير مقيمين. في شهر تشرين الثاني 2017 مرّ لبنان بإختبار ضغط حقيقي عندما بلغت المخاوف ذروتها جراء إستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، والحملة الاعلامية الشعواء التي رافقتها والتي كانت تُنذر بإنهيار الإقتصاد والنظام المالي في لبنان، حينها تراجعت موجودات مصرف لبنان الخارجية من 43 مليار دولار إلى 41 ملياراً، وسجلت الودائع حركة خروج واسعة».
أضاف سلامة: «أما اليوم فباتت الأوضاع أفضل مما كانت عليه قبل تلك الازمة، إذ بلغت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان 44 مليار دولار بعد تسديد إصدار سندات اليوروبوندز بقيمة 700 مليون دولار. وتُسجل الودائع نمواً سنوياً نسبته 5 %، ويسجل ميزان المدفوعات فائضاً تراكمياً وقيمته 400 مليون دولار لغاية آخر أيار 2018. وقد أبقت مختلف وكالات التصنيف نظرتها المستقبلية للبنان عند مستوى مستقر».
وخلص سلامة إلى القول: «إنما يتوجب على لبنان إدخال الإصلاحات لخفض نسبة العجز من إجمالي الناتج المحلي. وقد صرح الرئيس سعد الحريري أن الحكومة المقبلة ستعطي الأولوية لهذا الأمر، ومن الأمور التي تساعد ذلك، النتائج الايجابية التي أسفر عنها مؤتمر «سيدر» والتي ستكون أساسية لتطبيق هذه الإصلاحات».
وأضاف سلامة قائلاً «نحن نعتقد أنه يمكن تأمين بيئة ماكرو إقتصادية أكثر إستقراراً من خلال زيادة حصة القطاع الخاص من إجمالي الناتج المحلي، فتوسع القطاع العام بشكل متواصل له تداعيات إقتصادية ومالية، إن كان في لبنان أو غير لبنان، والضرائب المفروضة للتعامل مع التنامي في القطاع العام، تحرم الإقتصاد في لبنان أو في غير بلدان من الموارد اللازمة للنمو ولخلق فرص العمل. وقد تم تأمين الأموال الضرورية للإيفاء بإلتزامات لبنان بالعملات الأجنبية وذلك حين باع مصرف لبنان سندات يوروبوند بقيمة 3 مليارات دولار بتاريخ 31 أيار/مايو 2018، وهذا دليل واضح على الثقة المستمر لملاءة لبنان».
وختم سلامة: «ما زال عالمنا يشهد تغيرات إقتصادية ومالية جمة، فالحرب التجارية تهدد العولمة ولا سيما أنها تطورت من مرحلة التلاعب بالعملات إلى مرحلة فرض التعريفات، وتفاقم العجز والتضخم في الولايات المتحدة يُهدد بإرتفاع معدلات الفوائد مما ينعكس سلباً على الأسواق الناشئة التي تراجعت عملاتها مؤخراً، فيما إرتفعت معدلات فوائدها. وقد لجأ بعضها إلى صندوق النقد الدولي طالباً المساعدة، إضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية والمالية لأسباب سياسية من شأنه أن يزيد من صعوبة الوصول إلى أنظمة الدفع الدولية، ولذلك عواقب سلبية على إقتصاد الدول التي لا تترقب لهذه الناحية، وهذا جهد مطلوب من إتحاد المصارف العربية كي يبقى العالم العربي منخرطاً بالنظام العالمي المالي. إلا أن لبنان إتخذ التدابير اللازمة من حيث الإمتثال للتقيد بالعقوبات التي تفرضها البلدان التي يتعامل لبنان بعملتها أو مع مصارفها، والقطاع المصرفي اللبناني ملتزم بهذا الأمر، مما يحمي تعاملاتنا مع شبكة المصارف المراسلة. لكن هذه التطورات تستوجب إطلاق المبادرات الإقتصادية والمالية التي تُبقي العالم العربي بمنأى عن تلك الإضطرابات والتوترات، منها على سبيل المثال لا الحصر الإتكال المتزايد في معاملاتنا التجارية على العملات العربية، تطوير نظام دفع خاص في البلدان العربية وإنشاء أسواق عربية مشتركة لإستثماراتنا».
د. طربيه
وتحدث رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه شاكراً في بداية كلمته «رعاية رئيس الجمهورية الفرنسية لفعاليات هذه القمّة، وجمعية المصارف الفرنسية على دعمها ومساندتها ومساهمتها في إنجاح فعالياتها»، مرحباً بـ«ممثلي القطاعين العام والخاص ومحافظي البنوك المركزية العربية، والمؤسسات المالية الدولية على حضورهم ومشاركتهم في هذا اللقاء لمناقشة قضايا ذات أهمية قصوى للإقتصادات العربية والأوروبية ولمؤسساتهم المالية».
وشرح د. طربيه «هناك محاور أساسية سوف تتم مناقشتها (خلال هذه القمة)، تنطلق من مسألة جوهرية تقوم على تقييم العلاقات المصرفية العربية – الأوروبية والمتوسطية، وما هو مطلوب من أجل صوغ مبادرات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز هذه العلاقات، وفتح قنوات التعاون والتجارة والإستثمارات الثنائية».
أضاف: «لقد أدت الأحداث الأخيرة في جميع أنحاء العالم إلى إعاقة فرص التعاون والإستثمار الثنائي، وخلقت حالة من التوتر بين الجيران الإقليميين في المناطق العربية والأوروبية المتوسطية، حيث باتت الحاجة ضرورية لتعزيز الثقة في ما بينهم للقيام بالأعمال التجارية والعلاقات المصرفية. وفي محاولة لتعزيز هذه العلاقات، ظهرت الحاجة إلى الإستثمار في رأس المال البشري من خلال تثقيف الاجيال المقبلة حول ضرورة بناء علاقات إقتصادية متبادلة، في حين شكّل الإقتصاد والبيئة عناصر مشتركة أيضاً ينبغي أن تكون في طليعة المناقشات والقرارات الرئيسية التي يجب أن يتخذها صنّاع القرار في إجتماعاتهم».
وتابع د. طربيه: «اليوم، قد تكون الأنشطة الإقتصادية العالمية شاركت في تفاقم مشكلة تغيير المناخ، ومارست ضغوطاً غير عادية على صحة ورفاه كوكبنا، وبدا جلياً نضوب الموارد الطبيعية بشكل تدريجي، في حين أن التنوُّع البيولوجي المتبقي، والمياه العذبة، المناخ والشِّعاب المرجانية والمحيطات والغابات والصفائح الجليدية لا تزال تؤدي دوراً مباشراً في ضمان إستدامة الطبيعة وبالتالي الإقتصاد، ما يشير إلى الإعتقاد بأن حل المشاكل البيئية يمكن تحقيقها فقط عبر ثروة إقتصادية يجب دحضها، وذلك في حال وجود ملف جدي حول التنمية الاقتصادية لحضارة مزدهرة.
ولعل الأمن هو أكثر العوامل إلحاحاً لتطوير العلاقات الإقليمية والعابرة للحدود، فعلى مدى السنوات الماضية شهدت منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولا تزال تغيرات مفصلية من التوتر والعنف والأزمات، فمن خلال التصدّي لخطر الحروب والتطرّف والإرهاب، إضافة إلى أزمة اللاجئين الإنسانية، أصبحت المنطقة تُعتبر مركزاً للتحديات المأسوية التي تواجهها الدول العربية والمتوسطية والأوروبية، وهي تحديات ذات نتائج خطيرة إذا ما تركت دون مراقبة».
وقال د. طربيه: «إن هدف إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب من هذه القمة، هو تسهيل الحوارات والمناقشات بين قادة القطاع المصرفي والمالي، بالإضافة إلى مسؤولين من القطاعين العام والخاص، والتركيز على العلاقات المصرفية المتوسطية، والأمن الإقليمي، التعليم والبيئة، بالإضافة إلى فتح مجالات التعاون المثمر لتعزيز تمويل الشركات المتوسطة والكبيرة بما فيها تلك العاملة في قطاعات الغاز والنفط والمياه»، مشيراً إلى «أن العلاقات المصرفية – الأوروبية، علاقات تاريخية عريقة تعود لعقود من الزمن، حيث تنتشر المصارف العربية اليوم بين فروع خارجية ومصارف تابعة، وفروع لمصارف تابعة، بشكل كبير في القارة الأوروبية، بدءاً بالمملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وقبرص، وصولاً إلى هولندا وبيلاروسيا، ومالطا، وموناكو ورومانيا ولوكسمبورغ وروسيا».
أضاف د. طربيه: «يتركز في المملكة المتحدة 23 كياناً أو وحدة مصرفية بينها 15 وحدة خليجية، وفي فرنسا 20 وحدة مصرفية، وفي قبرص 15 معظمها لبنانية، نتيجة القرب الجغرافي الذي جعل من قبرص ملاذاً آمناً قريباً خلال الحروب والأزمات، بالإضافة إلى التسهيلات الإدارية والفرص الإستثمارية خصوصاً في القطاع العقاري، ويعمل في سويسرا 10 مصارف تابعة لمصارف عربية، معظمها مصارف خاصة، تقدم خدمات استشارية وتقوم بإدارة ثروات وإستثمارات العرب عموماً والخليجيين خصوصاً. في المقابل، تتواجد فروع تابعة لمصارف أوروبية كبرى مثل: «BNP Paribas» و«Crédit Agricole» و«Société Générale» الفرنسيين، و«HSBC» و«Standard Chartered» البريطانيين في 14 دولة عربية، حيث يعمل في المغرب 6 كيانات مصرفية أوروبية، وفي كل من الجزائر والإمارات 5 وفي مصر 4 وفي كل من البحرين وقطر 3. أما بالنسبة للعلاقات التجارية، فقد حلّت أوروبا كثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بحصة 25.2 % من مجمل التجارة العربية، حيث استحوذت الدول الأوروبية على 18 % من صادرات الدول العربية وعلى 32% من وارداتها في نهاية العام 2016، حيث بلغ حجم الصادرات السلعية العربية إلى أوروبا نحو 143 مليار دولار بينها 50% خليجية، وبلغ حجم الواردات السلعية من أوروبا إلى الدول العربية حوالي 234 مليار دولار، وكانت الإمارات أكبر دولة عربية مستوردة للسلع الأوروبية تليها السعودية والمغرب ومصر».
ورأى د. طربيه في المقابل «لا تحتل الدول العربية مكانة مماثلة في التجارة الخارجية الأوروبية، فالصادرات الأوروبية إلى الأقطار العربية تُعادل 4% من الصادرات الأوروبية الكلية، كما لا تعادل الواردات الأوروبية من الدول العربية سوى 2.3 % من الواردات الأوروبية الكلية. لذلك، فإننا ندعو من خلال هذه القمة إلى بذل الجهود لتحسين المبادلات عن طريق اتفاقات التجارة الحرة التي يمكنها تسهيل نفاذ السلع العربية إلى الأسواق الأوروبية».
وتابع د. طربيه قائلاً: «كما لا بد من الإشارة إلى أن الدول الخليجية العربية لديها إستثمارات ضخمة في أوروبا في مختلف المجالات، مثل المصارف والفنادق والعقارات وشركات الطاقة وشركات الطيران وغيرها. فيما تبدو الإستثمارات الأوروبية محدودة جداً، حيث لم تتجاوز 1 % من الإستثمارات الأوروبية الخارجية والتي تقوم على ثلاثة عناصر مبتكرة، هي نهج متكامل مكوّن من ثلاثة أعمدة لتحسين مناخ الأعمال من أجل الإستثمارات والحوكمة الرشيدة، والبوابة الإلكترونية لتقديم طلبات تمويل الإستثمارات، وبالتالي ضمان الشفافية والكفاءة وزيادة التمويل العام والخاص، وآلية ضمان جديدة للتخفيف من أخطار الإستثمار في البيئات الصعبة، بما في ذلك البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات».
وقال د. طربيه «إن إتحاد المصارف العربية، يتطلع إلى أن تخرج هذه القمة بقناعة، بأن دول الإتحاد الأوروبي لا يمكنها المحافظة على رفاهيتها إلا عندما يتمتع جيرانها المباشرون بالإستقرار، لذلك فإننا ندعو إلى فتح الأبواب أمام دخول سلع الدول المتوسطية إلى أسواق أوروبا، والإفادة من الإستثمارات المتبادلة، ونقل المعرفة والمهارات، وتفاهم أوسع في الميادين الثقافية والحضارية والإنسانية، من خلال التعاون في المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى إقامة منطقة رخاء وسلام وتبادل تجاري حر»، مشيراً إلى «أن المنطقتين العربية والأوروبية، بحاجة ماسة إلى التكامل والتعاون من أجل تقريب المفاهيم والأنظمة والقوانين، وتقليص الفروقات وتحويلها إلى فرص تكامل وقيم مضافة، فلأوروبا والعالم العربي مصالح راسخة في إيجاد حلول لتحديات كل منهما كجيران وشركاء إقتصاديين وأصدقاء، آملين التوجّه إلى إقتصادات أكثر إنفتاحاً وإستدامة وإنصافاً، والإتحاد الأوروبي مدعو اليوم إلى مشاركة فاعلة في مسار تكوين الهوية الإنتاجية للمنطقة».
تحدث المدير العام لجمعية المصارف الفرنسية بينوا دو لا شابيل بيزو عن «أهمية العلاقات المصرفية العربية – الأوروبية وضرورة تعزيزها على مستوى منطقة حوض المتوسط»، مشيراً إلى «ضرورة بحث العلاقات المصرفية على نحو معمق، وطرح العلاقات العربية الفرنكوفونية على مدار البحث والتطوير»، مشيراً إلى «الأرقام التي طرحها الدكتور جوزف طربيه حيال مكانة الدول العربية في التجارة الخارجية الأوروبية، إذ إن الصادرات الأوروبية إلى الأقطار العربية تعادل 4% من الصادرات الأوروبية الكلية، كما لا تعادل الواردات الأوروبية من الدول العربية سوى 2.3 % من الواردات الأوروبية الكلية».
وقال بيزو: «علينا أن نعمل على زيادة صادراتنا وتفعيل التبادل التجاري والإقتصادي الأوروبي – العربي، وزيادة رؤوس الأموال في التنمية وفي المشاريع التنموية في بلداننا»، معتبراً «أن هناك طاولة مستديرة ستعقد ضمن القمة المصرفية لمناقشة المخاطر التي تعترض تطور التبادل الإقتصادي في البلدان الفرنكوفونية – العربية كما التبادل التجاري والإقتصادي مع فرنسا»، مشدداً على «أهمية الخروج بتوصيات تؤدي إلى تفعيل التعاون المصرفي، المالي والإقتصادي ولا سيما بين المصارف والمؤسسات العربية من جهة ونظيرتها الأوروبية من جهة أخرى».
تحدث المدير العام للبنك المركزي الفرنسي مارك أوليفيه شتراوس كان فقال: «لم يتمكن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دو غالو من الإنضمام إلينا في حفل إفتتاح القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2018، وطلب مني الإعتذار نيابة عنه»، مشدداً على «أهمية المناقشات التي ستدور في القمة، وهي المفتاح لتطوير العلاقات المالية القوية والمهمة بين الدول العربية والإتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا». وقال شتراوس كان: «يتمثل التحدي لدينا جميعاً في تمويل الإنتقال إلى إقتصاد أخضر ومنخفض الكربون، بهدف تحقيق إستدامة أفضل. لذا تحتاج المؤسسات المالية إلى أن تكون قادرة على قياس وتخفيف المخاطر المالية ذات الصلة بالمناخ التي قد تتعرض لها. علماً أن إستقرار المناخ هو على المدى الطويل، أحد المحركات لتحقيق الإستقرار المالي. لذلك، فإن البنوك المركزية والمعنيين في المؤسسات المصرفية والمالية تولي المزيد من الإهتمام لهذه القضية». وأشار إلى «أن هذه القمة توفر فرصة فريدة لتبادل الخبرات في ما بين دول البحر الأبيض المتوسط، لأنها تُعطي فهماً أفضل للتنوع الواسع للأوضاع الوطنية في منطقة المتوسط، وهي واحدة من أهم الرسائل التي تقدمها هذه القمة، ومن أهم القضايا في العالم. كذلك إلى جانب هذا الحوار الإقليمي، نلفت إلى أنه تم تطوير التعاون بين بنك فرنسا المركزي والدول العربية أيضاً من خلال بناء القدرات والمشاركة في الممارسة. وقد عملنا في منطقة البحر الأبيض المتوسط بدعم من الإتحاد الأوروبي، في سبيل نسج أفضل العلاقات الأوروبية – العربية، وهذا يبين مدى حرص بنك فرنسا المركزي على تعزيز الحوار والتعاون المصرفي والمالي مع الدول العربية».