في إطار المتغيِّرات الإقليمية، وبروز الحاجة إلى زيادة الحوار والشراكة بين قادة القطاع الإقتصادي والمالي بين الدول العربية والأوروبية، وبمشاركة العديد من الشخصيات الرسمية يتقدمها المسؤولون الكبار في القطاعات الحكومية، المصرفية والإقتصادية، كذلك في سياق التحديات وبروز مخاطر جديدة عدة قد تترك أثراً حيال الثقة المتبادلة بين المصارف العربية من جهة ومصارف الإتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ولا سيما على صعيد البنوك المراسلة التي باتت تفرض شروطاً محددة للتعامل مع المصارف التجارية مثل «إعرف عميلك.. وإعرف عميل عميلك»، درءاً لمخاطر عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يحرص إتحاد المصارف العربية على تنظيم القمم المصرفية العربية الدولية في سبيل تقريب وجهات النظر والخروج بخلاصات تساعد القطاعين المصرفيين العربي والأوروبي على تخطي المعوقات، وتأكيد إلتزام المعايير العالمية.
في هذا السياق، إستضافت العاصمة الإيطالية روما، القمة المصرفية العربية الدولية (IABS) لعام 2019 والتي نظمها إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع جمعية المصارف الإيطالية والمفوضية المصرفية الأوروبية، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي، بعنوان: «الحوارات المتوسطية العربية – الأوروبية من أجل منطقة إقتصادية أفضل» Euro – Arab Mediterranean Dialogues for a Better Economic Zone، على مدى يومين. علماً أنه سبق إنعقاد القمة المصرفية المشار إليها، تنظيم حفل إستقبال أقامه إتحاد المصارف العربية الجهة المنظمة للقمة، عشية إفتتاحها، وقد شارك فيه كبار الشخصيات الرسمية والمصرفية والإقتصادية ورؤساء الشركات من البلدان العربية والأوروبية. (حفل الإستقبال في مكان آخر).
وشارك في حفل إفتتاح القمة، وزراء ومحافظو بنوك مركزية، من البلدان العربية والأوروبية، وممثلو المسؤولين التنفيذيين الكبار في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، وقادة من المصرفيين وصنّاع القرار المالي، ونخبة من القطاعين العام والخاص من البلدان العربية والأوروبية، لمناقشة قضايا تهم المجتمع المصرفي والإقتصادي العربي والدولي.
ولفتت المشاركة اللبنانية الرفيعة في القمة المصرفية، على مستوى وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان د. مي شدياق، والتي ألقت كلمة رئيسية في حفل الإفتتاح، إلى جانب رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، والأمين العام لجامعة الدول العربية د. أحمد أبو الغيط، ورئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه، وكبير مسؤولي السياسات في جمعية المصارف الأوروبية سيباستيان دو برويه Sebastien De Brouwer، وعضو اللجنة التنفيذية، ورئيس لجنة الشؤون الدولية في جمعية المصارف الإيطالية غيدو روسا Guido Rosa.
كذلك ألقى الكلمات الرئيسية كل من النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشراكات د. محمد محي الدين، ورئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للشؤون السياسية والسياسة الأمنية في حلف شمال الأطلسي نيكولا دي سانتيس Nicola De Santis، ووكيل الشؤون الإقليمية في مجلس النواب ستيفانو بوفانيي Stefano Buffagni.
وفي سياق أعمال القمة المصرفية، تحدث الأمين العام لإتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح، معلناً منح إتحاد المصارف العربية د. جوزف طربيه، جائزة «الشخصية المصرفية العربية لعام 2019» – The Arab Banker of the year. علماً أن د. طربيه يشغل منصب رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية، فضلاً عن أنه رئيس جمعية مصارف لبنان (قبل أن يُسلم رئاسة الجمعية إلى د. سليم صفير رئيس مجلس إدارة بنك بيروت الذي إنتخب لهذا المنصب بالتزكية في 29 حزيران/يونيو 2019). كذلك أعلن فتوح منحَ إتحاد المصارف العربية، رئيس مجلس إدارة مصرف التجارة والتنمية جمال الطيب عبد الملك، «وسام الإتحاد الذهبي للإنجاز». علماً أن مصرف التجارة والتنمية الذي تأسس منذ العام 1993 حتى اليوم، أطلق أكبر مصرف إسلامي في ليبيا، يبلغ رأس ماله نحو 500 مليون دينار (300 مليون دولار). وهو أول مصرف إسلامي في بنغازي – ليبيا.
الصباح
في الكلمات، تحدث رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح فقال: «إن خيارنا حيال عقد هذه القمة في روما، هذه العاصمة الساحرة العريقة، التي شكلت على مدار العقود الماضية نقطة الإرتكاز في دفع مسيرة الحوار العربي – الأوروبي، ومد جسور التعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والحضاري والعلمي بين كافة المدن المتوسطية، جاء إستكمالاً لهذا الدور من خلال إستضافتها هذا الحوار المصرفي العربي المتوسطي، وإيماناً منها بمبادرة إتحاد المصارف العربية، في تعزيز وتطوير التعاون بين المصارف الأوروبية والمصارف العربية، وخصوصاً أن التطورات التي يشهدها العالم من حروب تجارية، وعقوبات، ومقاطعة، وغيرها، أصبحت تشكل مصدر قلق كبيراً على مؤسساتنا المالية وإقتصاداتنا، وحتى على علاقاتنا مع دول الجوار».
أضاف الصباح: «إن القمة المصرفية العربية الدولية التي يعقدها الإتحاد مداورة بين عواصم القرار الدولية في باريس ولندن وروما وبرلين وبودابست وغيرها من العواصم الدولية، ليست إلا رسالة نُحاول من خلالها تكريس التعاون المصرفي العربي – الأوروبي، وتعميق العلاقات مع صنّاع القرار والمشاركة فيه، والإستفادة من الخبرات والكفاءات وتبادل التجارب، وصولاً إلى حوار مستدام جوهره بناء قاعدة من العلاقات الإقتصادية والمصرفية والمالية، على أسس متينة عنوانها حوار سياسي واقتصادي على مختلف المستويات، وإقامة منطقة سلام واستقرار في منطقة البحر المتوسط».
وتابع الصباح: «يهمني في هذه العجالة أن أعرض بعض المؤشرات الهامة عن قطاعنا المصرفي العربي الذي يضم 650 مصرفاً: فقد بلغت موجوداته المجمعة 3.5 تريليونات دولار في الربع الأول من العام 2019، وأصبحت بالتالي تشكل 140 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، وهي نسبة مرتفعة جداً. وبلغت الودائع المجمعة حوالي 2.2 تريليون دولار ما يعادل 80 % تقريباً من حجم الإقتصاد العربي، وبلغت حقوق الملكية حوالي 410 مليارات دولار محققة نسبة نمو حوالي 2 % عن نهاية العام 2017. كما تشير التقديرات إلى أن حجم الإئتمان الذي ضخه القطاع المصرفي العربي قد بلغ 1.9 تريليون دولار، وهو ما يشكل نحو 70 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي. وتدل هذه الأرقام على المساهمة الكبيرة التي يقوم بها القطاع المصرفي العربي في تمويل الإقتصادات العربية رغم إستمرار الإضطرابات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في عدد من الدول العربية».
وأكد الصباح «أن إتحاد المصارف العربية يتطلع دائماً إلى أن يكون قطاعه المصرفي العربي بمنأى عن أي صراعات أو تطورات قد تعوّق دوره الإقتصادي والإجتماعي، وأن يبقى جسر تواصل متيناً مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، ومنصة للحوار حول كل ما يهم مسيرة العمل العربي المشترك. كما أن القطاع المصرفي العربي حريص أيضاً، على تعزيز تبادلاته المصرفية في أوروبا في إطار رؤية أشمل لتنمية العلاقات وتعزيز الإنفتاح والتعاون المصرفي والمالي وإستثمار الفرص التي يتيحها هذا التعاون في طمأنة المستثمرين وتنشيط الإقتصاد، وخصوصاً في ضوء قطاع مصرفي متطور ومنفتح على العالم، ويعمل ضمن ضوابط أكثر تشدداً، ويحقق بيانات إيجابية».
وأمل الصباح أخيراً، في «أن تخرج القمة بتوصيات تُساهم في دفع عملية الحوار المصرفي العربي المتوسطي إلى مزيد من العلاقات والتعاون المشترك في المسائل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، بهدف إقامة منطقة رخاء وسلام وتبادل تجاري حر».
د. أبو الغيط
وألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية د. أحمد أبو الغيط كلمة فقال: «عندما نتحدث عن منطقة المتوسط، فإننا نشير – في واقع الأمر- إلى بحيرة صغيرة لا تتعدى مساحتها 1 % من مساحة المعمورة. غير أن ضفاف هذا البحر شهدت، كما نعرف، ولادة وإزدهار الحضارة البشرية، فما من فكرة أو عقيدة كبرى إلا ولها أصل حول البحر المتوسط الذي كان، ولا يزال إلى اليوم، معبراً للسلع والأفكار والبشر، ومحوراً للتبادل التجاري والتلاقح الثقافي في كل الإتجاهات».
أضاف د. أبو الغيط: «ليس المتوسط تاريخاً فحسب، وإنما هو حاضر بقوة في تفاعلات العالم المعاصر، إذ تُمثل منطقة المتوسط تجمعاً بشرياً هائلاً يضم 500 مليون إنسان ينتجون نحو 10 % من الناتج العالمي، وتعبر خلال البحر المتوسط نحو 20 % من التجارة البحرية العالمية. إنها منطقة كبرى تحمل بين جنباتها طاقات هائلة وإمكانات نجاح وإزدهار، إلا أن هذه الإمكانات لم تُستغل بعد إلى طاقاتها القصوى، فحاصل التعاون بين دول ضفتي المتوسط يحمل وعداً وأفقاً أبعد بكثير مما هو قائم الآن».
وتابع د. أبو الغيط: «إن منطقة المتوسط تسير على حبل مشدود بين اليأس والرجاء، فبوسع الناظر إليها ألاّ يرى فيها سوى حزام أزمات ممتد لا يحمل إلا تهديدات الهجرة غير النظامية واللجوء والمشكلات السياسية والإجتماعية، وبوسع الناظر أيضاً أن يرى فيها الإمكانات الكامنة والطاقات غير المستغلة، والوعد بالإزدهار المشترك لجميع أبنائها عبر التعاون والتكامل بين ضفتيها. إن الأمر يعتمد على زاوية النظر، وقد علَّمنا التاريخ أن نهجاً يقوم على التحسب والخوف من الآخر لا ينتج إلا شكوكاً متبادلة وعجزاً عن العمل المشترك. أما النهج الصحيح – من وجهة نظري – فهو أن ننظر إلى المنطقة نظرة تكاملية واقعية تأخذ في الإعتبار الأزمات والمشكلات القائمة، ولكن لا تنكر – في الوقت ذاته – الإمكانات والطاقات الكبيرة والأفق الواعد في المستقبل».
ولفت د. أبو الغيط إلى «أن العلاقة بين ضفتي المتوسط متشابكة ومتعددة الأبعاد والجوانب، ومن الخطأ حصرها في قضية بعينها، كالهجرة غير النظامية أو غيرها أو النظر إليها من الزاوية الأمنية وحدها. وقد أخذت القمة العربية – الأوروبية الأولى التي عقدت في مصر في فبراير/شباط الماضي بهذه النظرة التكاملية، فتناولت العلاقات بين الطرفين في مختلف جوانبها وقضاياها، بصراحة وإنفتاح كاملين، وبإدراك من كل طرف لشواغل الطرف الآخر ومصالحه وإهتماماته. وقد كانت القمة حدثاً كبيراً بحق، إذ عكس إدراك القيادات، على الجانبين العربي والأوروبي، بأن العلاقات بينهما إستراتيجية، وجوهرية لإستقرار هذا الفضاء البشري والجغرافي الهائل، والذي يعج بالحيوية والطاقة».
أضاف د. أبو الغيط: «إن الأولوية الأولى اليوم لدى الحكومات العربية هي رفع معدلات التشغيل وبخاصة بين الشباب، ويتطلب ذلك إطلاق بيئة حافزة على الإبتكار، وحاضنة للإبداع، وحيث تُتاح الفرصة أمام الإستثمار، المحلي والأجنبي، وبخاصة في المشروعات الناشئة المولدة لفرص العمل، كذلك في المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. ولا يُمكن إطلاق هذه البيئة الإقتصادية الحاضنة للإبتكار من دون فلسفة جديدة للقطاع المصرفي والنظام المالي تسمح بتوفير التمويل اللازم لمثل هذه المشروعات، سواء الناشئة أو الصغيرة، عبر مختلف الأدوات المالية والمصرفية».
وتابع د. أبو الغيط: «لا شك في أن مؤتمر اليوم يُعد فرصة نادرة للحديث عن شراكة حقيقية بين الجانبين العربي والأوروبي على الصعيد المصرفي بالتحديد، وبغرض تمهيد السبيل أمام تبادل الخبرات وأفضل الممارسات، وبما يضع أساساً لتعاون وثيق وممتد في هذا القطاع المهم يحقق أهداف الجانبين، العربي والأوروبي، فالمنطقة العربية لا تحتاج فقط إلى إستثمارات أو تمويل، وإنما أيضاً إلى إكتساب خبرات جديدة في الأدوات المالية أو ما يعرف بالتكنولوجيا المالية والشمول المالي وغيرها. أما الجانب الأوروبي فيحتاج من دون شك، الى ضخ حيوية جديدة في إقتصاداته في مرحلة ما بعد التقشف وما بعد الأزمة المالية. وأظن أن السوق العربية الواعدة بإمكاناتها تُعد وجهة مثالية للدول الأوروبية، والمتوسطية منها تحديداً، ليس فقط كسوق استهلاكية ضخمة وإنما بالأساس، كوجهة للإستثمار والشراكة والتوظيف في العديد من المشروعات الناشئة والقطاعات الواعدة كالطاقة وتكنولوجيا المعلومات والصناعات التقليدية».
وتمنى د. أبو الغيط «أن يخرج هذا المؤتمر بأفكار جديدة وآليات عمل مبتكرة، وتوصيات توضع موضع التنفيذ، فما يُمكن تحقيقه على صعيد خلق فضاء متوسطي مزدهر، كثير بالفعل. ويقيني أن صورة هذه المنطقة ستتغير بصورة جوهرية خلال السنوات المقبلة».
الوزيرة د. شدياق
تحدثت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان د. مي شدياق، فشكرت «الجمهورية الإيطالية رئيساً وحكومة وشعباً لإستضافة هذه القمة المهمة، والهادفة إلى تعزيز الحوارات المتوسطية العربية والأوروبية من أجل إنشاء منطقة اقتصادية أفضل». وقالت: «إنني كوزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان، أنتهز هذه المناسبة لأدعو إلى تعزيز التنمية الإقتصادية والإجتماعية بين أوروبا والبلاد العربية، وأن يُخصص لها مكان خاص وواسع من النقاش، وخصوصاً في ما يتعلق ببلدي الحبيب لبنان».
أضافت الوزيرة شدياق: «يستند رفاه الشعوب وتطور مستوى عيشها الى النمو والتنمية الإقتصاديين في بلدانها. والنمو والتنمية يستندان الى تطور الأعمال والنشاطات الإستثمارية والتجارية والمصرفية، والتي بدورها تحتاج الى توافر متطلبات أساسية منها: وجود قطاع خاص ديناميكي ومبادر، وقطاع عام كفؤ وفعَّال، وتوافر بيئة أعمال جيدة ومتطورة، وحوكمة رشيدة، وحكم قانون، وبالطبع إستقرار سياسي وأمني. إلا أن معظم الدول العربية تمر اليوم في ظروف صعبة، يُخيّم عليها كابوس الحروب والنزوح. وهي تحتاج إلى الكثير لكي تستعيد الحياة الطبيعية. وهكذا، يعاني عدد كبير من الدول العربية، وبشكل أساسي لبنان، من عدم توافر المتطلبات التي ذكرتها. فنتيجة للإختناقات السياسية، والصدمات الأمنية الداخلية التي شهدها لبنان خلال العقد ونصف العقد الماضيين، والحروب المتنقلة من حوله، أدت الى تراجع مرتبة لبنان في معظم تلك المؤشرات. فقد إحتل لبنان المرتبة 142 عالمياً في سهولة القيام بالأعمال، والمرتبة 138 في مؤشر السيطرة على الفساد، والمرتبة130 في جودة البنية التحتية، والمرتبة 135 بالنسبة إلى الإهدار في الإنفاق الحكومي. كل ذلك أدى إلى صعوبة القيام بالنشاطات الإقتصادية والمالية، وإلى تراجع الإستثمارات بشكل كبير، وهي التي تُساهم في زيادة النمو ومكافحة البطالة والفقر».
وتابعت الوزيرة شدياق: «في مواجهة كل تلك الأجواء الصعبة، فإننا اليوم في الحكومة اللبنانية نعمل ليل نهار، ونبذل جهوداً ضخمة، وبفعالية وكفاءة وشفافية لتخفيض العجز في الموازنة العامة، والحد من الدين العام، وتطوير الحوكمة في القطاع العام، وتعزيز الشفافية في صنع القرار. وكل ذلك يستند إلى إيماننا بأن التنمية الإدارية هي من أهم المفاهيم الحديثة السائدة اليوم، والتي أصبحت واحدة من الأهداف التي تسعى الحكومات والمجتمعات والمنظمات إلى تحقيقها وبلوغها، وتتمثل في عملية التطوير المستمر التي تشمل جميع النواحي الحياتية وتهدف بصورة رئيسية إلى الإرتقاء بالحياة الإنسانية والوصول بها إلى درجة الرفاهية».
وفي ختام كلمتها، أكدت الوزيرة شدياق «أن الإدارة الناجحة في أي بلد في العالم هي فعلاً عصب الإقتصاد وبوابة النجاح في إستقطاب الإستثمارات، وتخفيف العجز وزيادة النمو والتنمية. وعليه، فإن الحكومة اللبنانية ماضية بشكل حثيث، في إجراءات الإصلاحات اللازمة لمعالجة الأزمة الإقتصادية وخصوصاً لجهة إصلاح الإدارة بما يتوافق مع إرشادات المؤسسات الدولية وخصوصاً البنك الدولي».
د. طربيه
قال رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه: «يأتي مؤتمرنا هذا العام في ظل إستمرار الإضطرابات المتنقلة التي تهز العالم العربي حيث تطغى المستجدات الإقليمية والدولية بتداعياتها وحالات عدم اليقين التي تولدها، على جدول أي أعمال أخرى. فمنطقتنا تتموضع اليوم في أعالي سلم نقاط الاستقطاب العالمي بفعل حجم ثرواتها وصراع المصالح عليها. هناك محاور أساسية تقتضي مناقشتها، تنطلق من مسألة جوهرية تقوم على تقييم العلاقات المصرفية العربية – الأوروبية والمتوسطية، وما هو مطلوب من أجل صوغ مبادرات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز هذه العلاقات، وفتح قنوات التعاون والتجارة والإستثمارات الثنائية».
أضاف د. طربيه: «هناك مصلحة لأوروبا في الإزدهار الإقتصادي لبلداننا العربية، لأن هناك فائدة متبادلة في ذلك، بالنظر إلى الإنعكاس الإيجابي للتنمية الإقتصادية على الإستقرار الإجتماعي والسياسي والأمني في المنطقة التي بفعل ثرواتها تقف في أعلى المراتب الإقتصادية. فإضافة إلى دول الخليج، نشهد في عالمنا العربي نشوء مراكز إقليمية جديدة للنفط والغاز، بعضها بدأ يتحقق كما هي حال مصر، والبعض الآخر في طريق التحقق كما هي الحال بالنسبة إلى لبنان قريباً، وربما غيره أيضاً من الدول العربية. لكن في المقابل، تعاني منطقتنا منذ سنوات عدة تراجعاً في معدلات النمو بفعل وقوعها في عين الأحداث الجيوسياسية الخطيرة، حيث تتسابق الرسائل النارية لوضع المنطقة على حافة الهاوية. ولا ننسى كذلك العقوبات التي تفرض على سلوكيات بعض الدول، وقد أنهكت تلك العقوبات الناتج المحلي للدول المعنية وأوقعت إقتصاداتها في الإنكماش وتدهور العملات، وأصابت شظاياها دول الجوار. وقد تأثر تدفق الإستثمار الأجنبي المباشر بهذه الأجواء السلبية في ظل تنافس دولي ممحور على جذب الإستثمارات».
وتابع د. طربيه: «لقد أدت الأحداث الأخيرة في جميع أنحاء العالم إلى إعاقة فرص التعاون والإستثمار الثنائي، وخلقت حالة من التوتر بين الجيران الإقليميين في المناطق العربية والأوروبية المتوسطية، حيث باتت الحاجة ضرورية لتعزيز الثقة في ما بينهم للقيام بالأعمال التجارية والعلاقات المصرفية. ولعل الأمن هو أكثر العوامل إلحاحاً لتطوير العلاقات الإقليمية والعابرة للحدود، فعلى مدى السنوات الماضية شهدت منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولا تزال تغيُّرات مفصلية من التوتر والعنف والأزمات، فمن خلال التصدي لخطر الحروب والتطرف والإرهاب، إضافة إلى أزمة اللاجئين الإنسانية، أصبحت المنطقة تُعتبر مركزاً للتحديات المأسوية التي تواجهها الدول العربية والمتوسطية والأوروبية، وهي تحديات ذات نتائج خطيرة إذا ما تركت دون مراقبة».
ولفت د. طربيه إلى «أن هناك فائدة كبرى في تسهيل الحوارات والمناقشات بين قادة القطاع المصرفي والمالي، بالإضافة إلى مسؤولين من القطاعين العام والخاص، والتركيز على العلاقات المصرفية المتوسطية، والأمن الإقليمي، التعليم والبيئة، بالإضافة إلى فتح مجالات التعاون المثمر لتعزيز تمويل الشركات المتوسطة والكبيرة بما فيها تلك العاملة في قطاعات الغاز والنفط والمياه».
وقال د. طربيه: «إن العلاقات المصرفية – الأوروبية، علاقات تاريخية عريقة تعود لعقود من الزمن، حيث تنتشر المصارف العربية اليوم بين فروع خارجية ومصارف تابعة، وفروع لمصارف تابعة، بشكل كبير في القارة الأوروبية، بدءاً بالمملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وقبرص، وصولاً إلى هولندا وبيلاروسيا، ومالطا، وموناكو ورومانيا ولوكسمبورغ وروسيا. وفي المقابل، تتواجد فروع تابعة لمصارف أوروبية كبرى في دول عربية عدة. أما بالنسبة إلى العلاقات التجارية، فقد حلت أوروبا كثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بحصة تتجاوز 25 % من مجمل التجارة العربية. كما أن الدول الخليجية العربية لديها إستثمارات ضخمة في أوروبا في مختلف المجالات، مثل المصارف والفنادق والعقارات وشركات الطاقة وشركات الطيران وغيرها. فيما تبدو الإستثمارات الأوروبية محدودة جداً، حيث لم تتجاوز 1 % من الإستثمارات الأوروبية الخارجية».
أضاف د. طربيه: «إن ما نشكو منه حتى تاريخه قصور الشراكة الاوروبية المتوسطية والعربية عن تحقيق الأهداف المرجوة منها، ويتمثل هذا الفشل حالياً بشكل ذريع في موضوع الأمن، ومحاربة الفقر والحد من الهجرة، وإحداث تقدم في عملية السلام في المنطقة، بل تفاقم موضوع الحروب والنزاعات المسلحة. وتبدو أوروبا عاجزة عن فعل الشيء الكثير، إذ يبدو واضحاً أن ليس لديها سياسة خارجية موحدة وفاعلة، كذلك ليس للعرب إستراتيجية مشتركة تجاه أوروبا، كذلك تجاه الولايات المتحدة الاميركية التي تبدو خياراتها الإستراتيجية أكثر حيرة مع تفاقم الأحداث في المنطقة، والإهتزاز الخطير للأمن الإقليمي».
وتابع د. طربيه: «إننا ندعو من خلال منتديات الحوار بيننا وبين أوروبا إلى تغيير الأولويات الاوروبية السائدة سابقاً، والتي كانت تهدف الى الحد من الهجرة مقابل سد حاجات الدول العربية المعنية من خلال برامج التمويل والمساعدات. إن ما نتطلع إليه هو علاقات أكثر عمقاً تقوم على أساس الشراكة الإستراتيجية من خلال العمل على إنهاء النزاعات العسكرية في المنطقة والعمل على إحلال السلام العادل، كذلك الشراكة الإقتصادية وفي ميادين تنمية الموارد البشرية، والحفاظ على البيئة والمناخ ومكافحة تبييض الاموال والجريمة المنظمة من أجل تحويل منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تجمع بيننا إلى منطقة مستقرة ننعم فيها جميعاً بالسلام والإزدهار».
وخلص د. طربيه إلى «أننا نتطلع أن تخرج هذه القمة بقناعة، بأن دول الإتحاد الأوروبي لا يُمكنها المحافظة على رفاهيتها إلا عندما يتمتع جيرانها المباشرون بالإستقرار، لذلك فإننا ندعو إلى فتح الأبواب أمام دخول سلع الدول المتوسطية إلى أسواق أوروبا، والإفادة من الإستثمارات المتبادلة، ونقل المعرفة والمهارات، وتفاهم أوسع في الميادين الثقافية والحضارية والإنسانية، من خلال التعاون في المسائل السياسية والإقتصادية والإجتماعية وصولاً إلى إقامة منطقة رخاء وسلام وتبادل تجاري حر».
وختم د. طربيه: «إن المنطقتين العربية والأوروبية، بحاجة ماسة إلى التكامل والتعاون من أجل تقريب المفاهيم والأنظمة والقوانين، وتقليص الفروقات وتحويلها إلى فرص تكامل وقيم مضافة، فلأوروبا والعالم العربي مصالح راسخة في إيجاد حلول لتحديات كل منهما كجيران وشركاء إقتصاديين وأصدقاء، آملين التوجه إلى اقتصادات أكثر إنفتاحاً وإستدامة وإنصافاً، والإتحاد الأوروبي مدعو اليوم إلى مشاركة فاعلة في مسار تكوين الهوية الإنتاجية للمنطقة، من أجل إيجاد فضاء ينعم بالرفاه والإستقرار والأمان لجميع الأطراف».