واشنطن ترفع العقوبات الإقتصادية جزئياً عن الخرطوم

Download

واشنطن ترفع العقوبات الإقتصادية جزئياً عن الخرطوم

موضوع الغلاف
العدد 435

فك الحظر الأميركي عن السودان

يُتيح دمج الإقتصاد السوداني بالإقتصادات العالمية

أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما (قبل إنتهاء ولايته) أمراً تنفيذياً يقضي برفع العقوبات الإقتصادية والتجارية المفروضة على السودان. وأفاد بيان للبيت الأبيض بأن «رفع العقوبات سيتم تأجيله لمدة 180 يوماً من تاريخ إصدار الأمر التنفيذي، وهو التحرك الذي يهدف إلى تشجيع حكومة السودان على الحفاظ على جهودها المبذولة في شأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب». كما شمل القرار السماح بكافة التحويلات المصرفية بين البلدين وإستئناف التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة الأميركية. يُذكر أن الأمر التنفيذي المشار إليه أبقى على العقوبات الأميركية المفروضة على السودان كدولة راعية للإرهاب وفق التصنيف الأميركي. كذلك أرجأت الولايات المتحدة قراراً برفع بعض العقوبات الاقتصادية عن السودان لمدة ستة أشهر من تاريخه.

خطة السودان ما بعد الحظر الأميركي

لا شك في أن رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان، ستكون له آثار إيجابية على الإقتصاد السوداني في ما يتعلق بتوافر النقد الأجنبي، وإنعاش قطاعي الصحة والتعليم في البلاد، إضافةً إلى عودة الروح للنقل الذي يتمثل في قطاع السكة الحديد والنقل البري والجوي والبحري. علماً أن السودان ستكون له فرصة الحصول على القروض والمنح المقبلة من الصناديق المانحة والبالغ عددها 16 صندوقاً ومنظمة، والتي حالت العقوبات دون وصولها إلى السودان رغم أنها حق من حقوقه. وسيكون هناك إتجاه لبنوك عربية إستثمارية لأن تعمل في هذا البلد.

في هذا السياق، يرى وزير المال والإقتصاد السوداني الدكتور بدر الدين محمود «أن فك الحظر سيفتح المجال واسعاً ليندمج الإقتصاد السوداني بالإقتصادات العالمية، إذ ينص الإتفاق الأميركي على فك الحسابات والأرصدة السودانية المجمدة في الولايات المتحدة الأميركية، وفتح الباب أمام المصارف الوطنية للتعامل مع مثيلاتها العالمية في التحويلات والعملات الحرة وخصوصاً الدولار واليورو، واللذين يستحوذان على 60% من تجارة العالم، والسماح لمراسلي البنوك العالمية بالتعامل مباشرة دون وسطاء».

يضيف الوزير السوداني: «كذلك ينص الإتفاق بفك الحظر على إستخدام المقاصة في البنوك الأميركية في مسألة التحويلات، والإستفادة من البنوك الأميركية التي كان لها تعاملات خاصة مع السودان»، مشيراً إلى «أن هذه الخطوة ستُقلل من تكلفة العمليات المصرفية، إلى جانب تسهيلات كبرى في إصدار البطاقات الإئتمانية، ودخول التكنولوجيا والتقنيات الأميركية في صناعات النقل والسكك الحديد والطيران والصناعة وغيرها في السودان».

من جهته يوضح وزير المعادن الدكتور أحمد محمد صادق الكاروري «أن القرار الأميركي سيُتيح للسُودان تصدير إنتاجه من الذهب دون قيود، وستتمكّن الشركات السودانية من إجراء معاملاتها المصرفية العالمية من دون قيود أيضاً».

أما نائب محافظ بنك السودان المركزي السابق الجيلي بشير فيقول: «لقد شمل الحظر الأميركي، الآليات والتقنيات الزراعية، والصناعية، والأدوية والتحويلات المالية المصرفية الفردية، كذلك شمل حسابات منظمات المجتمع المدني العاملة في جميع القطاعات، وخصوصاً الصحة والتعليم والثقافة»، مشيراً إلى «أن السودان قد عانى كثيراً جراء الحظر الذي طاول المعدات الطبيّة، ووسائل النقل، وقطع غيار الطائرات والسيارات، كما طاول تدفق الإستثمارات الأجنبية إلى السودان، التي كانت تتخوف من ضياع أموالها في بلد محظور مالياً».

عقود وإتفاقات إستراتيجية

أبرم السودان أخيراً عقوداً وإتفاقات إستراتيجية مع دولة بيلاروسيا في كثير من القطاعات الإقتصادية، وذلك بعد رفع الحظر الاقتصادي الأميركي عليه، وفي سياق انتهاز الفرص الإستثمارية الذي سيوفرها السودان بعد رفع الحظر الاقتصادي، تقدم وفد الغرفة التجارية الماليزية خلال مباحثاته في الخرطوم أخيراً، بطلبات للإستثمار وإستيراد سلع الصمغ العربي وزيوت الطعام السودانية، كما أعلن البنك الأفريقي للتنمية عن زيادة مخصصاته للسودان إلى أكثر من 200 مليون دولار.

 

 

خريطة طريق للتجارة الدولية

على المستوى المحلي، الذي تشهد فيه أروقة الأجهزة الحكومية السودانية والقطاع الخاص، حالة إستنفار قصوى، لمرحلة ما بعد الحظر، أحيت وزارة التجارة خريطة طريق السودان للتجارة الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة قبل أعوام وعطّلها الحظر الأميركي، وتشمل 31 نشاطاً تؤكد إلتزام السودان بمعايير تسهيل التجارة العالمية، بما يُسهم في تسريع إنضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية، الذي بالفعل بدأ بتكملة متطلباتها منذ عام 2004، إلا أن الحظر أيضاً كان سبباً في عدم دخول السودان المنظمة حتى تاريخه.

وشكلت وزارة التجارة السودانية لجاناً مشتركة مع أصحاب العمل السوداني لإعداد الجوانب الفنية لتسهيل التجارة والأعمال الإلكترونية ومراجعة الأسعار التأشيرية للسلع الإستراتيجية ومستندات التخليص، وصولاً إلى تبسيط الإجراءات وتطبيق النافذة الواحدة.

وعلى صعيد متصل، أوضح وزير الدولة لشؤون التجارة السودانية ورئيس اللجنة الفنية لتسهيل التجارة والأعمال الإلكترونية، الصادق محمد علي، عقب ورشة عمل مشتركة أُقيمت أخيراً في الخرطوم مع إتحاد أصحاب العمل، «أن الخريطة التجارية للسودان تم تقسيمها على خطوات تُنفذ خلال 5 سنوات، وتستهدف تقليل نسبة زمن التخليص للواردات والصادرات بنسبة 40 %، وإزالة التكاليف غير الضرورية لتأكيد إلتزام السودان بمعايير تسهيل التجارة العالمية».

وأضاف الوزير علي: «تستهدف الخريطة التجارية 10 سلع للصادرات في مرحلتها الأولى هي سلع القطن، والصمغ العربي، والسمسم، والفول السوداني، والكركدي، والماشية، واللحوم، والخضروات، والفاكهة، والجلود».

وعلى صعيد دخول الشركات السودانية في أسواق الأسهم العالمية وإستقطاب شركات عالمية لطرح أسهمها في سوق الأوراق المالية السودانية، أجاز إجتماع مجلس إدارة سلطة تنظيم أسواق المال، المهمات وخطة العمل والميزانية، وذلك في إجتماع خُصّص لما بعد مرحلة الحظر ترأسه وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور بدر الدين محمود، الذي صرح على الأثر «إن سوق الأسهم السودانية بوضعها الجديد ستعمل على تشجيع رؤوس الأموال في الإستثمار في أسواق المال وإصدار الأسهم والصكوك والشهادات، إضافةً إلى دورها في إصدار التراخيص لشركات الوساطة والمحاسبة والإشراف، والتنظيم على الأسواق وإستقرارها وإنشاء بورصات السلع وإتاحة فرص الادخار في أسواق المال».

وأَضاف الوزير محمود «إن مجلس إدارة سلطة تنظيم أسواق المال سيعمل جاهداً لإستحداث الآليات الجديدة في أسواق المال، وإعتماد عقود التمويل المستقبلية، وبناء المحافظ وتقديم الإستشارات في هذا المجال وإدارة الأُصول، إلى جانب إستقطاب نماذج الأسواق في الدول النامية والناشئة والإستفادة منها في المجلس.

قطاع النفط

وفي إطار الشركات الأوروبية والأميركية التي أجرت اتصالات أخيراً بوزارة النفط في السودان، أوضح وزير النفط والغاز محمد زياد عوض، «أن بلاده تلقت إتصالات من شركات أوروبية وأميركية للإستثمار في قطاع النفط، عقب الإعلان عن قرار فك الحظر»، مشيرًاً إلى «أن قطاع النفط هو أكبر المستفيدين من رفع الحظر لإستفادته من التكنولوجيا الأميركية المتطورة، ومن شأنه أن يفتح المجال أمام الشركات الغربية للتنافس على الحصول على تراخيص للمربعات الخالية البالغ عددها 15 مربعاً».

وأضاف وزير النفط عوض، الذي ترأس الجانب السوداني في اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة مع جمهورية روسيا البيضاء (بيلاروسيا)، «أن رفع الحظر من شأنه فتح فرص تدريب متقدمة وتحديث البرمجيات الأميركية التي لم تُحدَّث منذ 10 أعوام».

شركات وبنوك عالمية للإستثمار في السودان

يُتوقع أن تشهد هذه الفترة حراكاً إقتصادياً مصرفياً بغية فتح عدد من فروع المصارف الأجنبية في البلاد، وخصوصاً التي أغلقت فروعها بسبب الحظر الاقتصادي.

في هذا السياق، تلقى رئيس إتحاد أصحاب العمل السوداني، الدكتور سعود البرير، إتصالات، من بنوك عالمية وشركات ورجال مال وأعمال. وقال البرير»لقد تم إبرام إتفاقات عدة خلال الأعوام الماضية في عدد من الدول الغربية على رأسها شركات أميركية، إلا أنها كانت تنتظر قرار فك الحظر عن السودان كي تُنفذ هذه الإتفاقات، وخصوصاً أن بعض البنوك، لديها تجارب بتجاوز الحظر، فتعرّضت لعقوبات وصلت في بعضها لمليارات الدولارات، كما طاولت العقوبات الإدارات التنفيذية في تلك البنوك.

وشكّل إتحاد أصحاب العمل، غرفة عمليات ولجنة عليا مشتركة مع إتحاد المصارف السودانية، بغية وضع خطة عمل ورؤية متكاملة للتحرك خلال المرحلة المقبلة، وذلك لضمان تسريع إنفاذ قرار فك الحظر والإستفادة القصوى من القرار.

ودعا الاتحاد كل الجهات المسؤولة في السودان إلى «العمل الجاد والعاجل لتحقيق هذه الإستفادة من القرار، وذلك عبر تحسين بيئة ومناخ الإستثمار، وتشجيع القطاع الخاص كي يؤسس مصالح مشتركة مع الجانب الأميركي»، كما حثّ أجهزة الدولة على «إعادة العلاقات والمعاملات الخارجية السابقة مع المصارف والشركات الأميركية والمصارف العالمية الأخرى، إلى طبيعتها».

ما هي العقوبات الأميركية حيال السودان عام 1997؟

لقد فرضت الولايات المتحدة الأميركية في بادئ الأمر، عقوبات على السودان عام 1997 منها حظر تجاري وتجميد أصول الحكومة بسبب إنتهاكات لحقوق الإنسان ومخاوف تتعلق بالإرهاب. وفرضت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات في عام 2006 بسبب ما قالت إنه تواطؤ في العنف في دارفور.

وظهرت دلالات العام 2016 على تحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة والخرطوم. وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2016 رحبت وزارة الخارجية الأميركية بجهود السودان لزيادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، مدّدت واشنطن لمدة عام عقوباتها المفروضة على الخرطوم، غير أنها أشارت إلى إمكان رفعها في حال حقق هذا البلد الافريقي تقدماً. علماً أنه في الأعوام الاخيرة، بررت الولايات المتحدة إستمرارها في فرض العقوبات بسياسة الاضطهاد التي تمارسها حكومة السودان ضد المتمردين في دارفور.