يساهم في تعزيز الأداء الاقتصادي للسلطنة
القطاع المصرفي العُماني: متانة وثبات في وجه التحديات
يؤكد القطاع المصرفي في سلطنة عُمان عاماً بعد عام تميّزه بفضل النجاحات التي يحرزها مدعوماً بسياسة البنك المركزي التي ساهمت إلى حدٍّ كبير في تعزيز الأداء الاقتصادي للسلطنة، ما جعل هذا القطاع من أكثر قطاعات الاقتصاد تطوراً وكفاءة واستقراراً. وفي ما يلي دراسة أعدتها إدارة الدراسات والبحوث في الأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية، حول بنية هذا القطاع وتطوره:
بنية القطاع المصرفي العُماني
يتألف القطاع المصرفي العُماني الذي يتولى البنك المركزي مسؤولية الإشراف عليه منذ 42 عاماً، من 16مصرفاً تقليدياً (منها 7 بنوك محلية و9 فروع لبنوك أجنبية)، ومصرفين حكوميين متخصصين، ومصرفين محليين إسلاميين. ومن بين البنوك السبعة المحلية، هناك ستة مدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية.وتجدر الإشارة إلى أن جميع البنوك التقليدية يملكها القطاع الخاص، مع وجود حصص ضئيلة للحكومة في عدد قليل منها.
وتمارس البنوك التجارية نشاطها في السلطنة من خلال شبكة فروع تبلغ 468 فرعاً، و1,088 جهاز صرف آلي، و259 جهازاً لإيداع النقود، و13 فرعاً مخصصاً لاستقبال وتسليم المعاملات (نهاية العام 2015). إضافة إلى ذلك، يوجد للبنوك المحلية التقليدية 5 فروع ومكتبان تمثيليان في الخارج. وتدير المصارف الحكومية المتخصصة شبكة فروع بلغت 23 فرعاً، والمصارف والنوافذ الإسلامية 60 فرعاً (نهاية العام 2015).
وتجدر الإشارة إلى أن المصارف المتخصصة تهدف إلى دعم ذوي الدخل المنخفض والمتوسط وجهود التنمية الوطنية في مجالات ذات أهمية إقتصادية وإجتماعية كالإسكان والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. يُظهر (الجدول رقم 1) تقسيم تلك المصارف بحسب نوعها بالإضافة إلى تاريخ تأسيسها.
وقد واصل القطاع المصرفي العُماني تحقيق معدلات نمو إيجابية نتيجة تحسّن الملاءة المالية للبنوك من حيث نوعية الأصول وكفاية رأس المال وتغطية المخصصات والربحية وزيادة التركيز على إدارة المخاطر. بالإضافة إلى السياسة النقدية المدعومة بسياسة مالية توسعيّة يتبعها البنك المركزي العُماني. كل هذه العوامل نقلت القطاع نقلة نوعية وقانونية وتنظيمية وهيكلية جعلت منه أحد أكثر قطاعات الإقتصاد العماني تطوراً وكفاءة. ويتميّز القطاع المصرفي العماني بالإستقرار والكفاءة العالية والقدرة على الإستجابة للمتغيرات التي تفرضها مختلف التطورات الإقتصادية الإقليمية والدولية، والتوجّه المتزايد نحو تحرير الخدمات المالية في إطار منظمة التجارة العالمية.
ويتميز القطاع المصرفي في عُمان بنسبة تركزّ عالية، حيث يدير أكبر مصرف، وهو بنك مسقط، حوالي 40% من مجموع موجودات البنوك التقليدية بنهاية العام 2016، كما تدير أكبر ثلاثة مصارف تقليدية حوالي 67% من إجمالي موجودات البنوك التقليدية. وتسيطر المصارف المحلية على موجودات القطاع المصرفي العماني، إذ بلغت الحصة السوقية المجمعة لأصول المصارف العمانية المحلية حوالي 98% من مجمل أصول القطاع المصرفي. يبيّن (الجدول رقم 2) بيانات أكبر 10 مصارف عاملة في سلطنة عُمان وترتيبها بحسب حجم الموجودات.
البيانات المجمّعة للقطاع المصرفي العُماني
بلغت الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي العماني والذي يضم البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية 78.2 مليار دولار في نهاية العام 2016 محققةً انخفاضاً بسيطاً بنسبة 1% عن نهاية عام 2015. أما بالنسبة للعام 2017، فبلغت 79.2 مليار دولار بنهاية شهر شباط/فبراير محققة نسبة نمو 1.2% عن نهاية العام 2016.
كما شهد إجمالي الودائع لدى المصارف العاملة في سلطنة عُمان زيادة من 50.4 مليار دولار بنهاية العام 2015 إلى 54.1 مليار دولار في نهاية شهر شباط/فبراير2017 مسجلاً زيادة بنسبة 7.2%.
أما بالنسبة للقروض، فقد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً من 52.2 مليار دولار بنهاية العام 2015 إلى 57.6 مليار دولار في نهاية شهر شباط/فبراير 2017، أي بزيادة 10%. كما خصصت المصارف العاملة في عُمان (التقليدية والإسلامية) نسبة 91.7% من القروض للقطاع الخاص (المقيم وغير المقيم)، مقابل 8.3% فقط للقطاع العام (الوزارات والهيئات الحكومية والمؤسسات العامة) بنهاية شهر شباط/فبراير 2017، مقارنة بـ90.2% و9.8%، على التوالي بنهاية العام 2015.
ونُلاحظ إتجاه المصارف التقليدية إلى تعزيز سيولتها والسعي إلى تخفيض مخاطر الإئتمان، ويظهر ذلك من خلال إنخفاض نسبة القروض إلى الودائع من 107.9% بنهاية العام 2016 إلى 106.3% بنهاية شهر شباط/فبراير2017.
وأخيراً، فقد زاد مجموع رأسمال واحتياطات القطاع المصرفي العُماني من حوالي 10.7 مليارات دولار عام 2015 إلى حوالي 11.6 مليار دولار في نهاية شهر شباط/فبراير 2017 (أي بزيادة 8%).
توزيع التسهيلات الإئتمانية المقدمة من المصارف التجارية على قطاعات الإقتصاد
يبذل البنك المركزي العُماني جهوداً كبيرة بالتنسيق مع الحكومة، لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، نظراً للدور الهام الذي تلعبه هذه المؤسسات في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن قطاع النفط، بالإضافة إلى توفير فرص العمل وتنشيط العجلة الإقتصادية. ويراقب البنك المركزي العُماني وعن كثب التطورات في حجم محفظة القروض الشخصية لدى المصارف نظراً لآثارها على مديونية الأفراد بالإضافة إلى إعاقتها تدفق الإئتمان لأغراض الإستثمار.
تركّزت القروض التي منحتها المصارف التقليدية في العام 2015 في القروض الشخصية والتي بلغت حوالي 19.1 مليار دولار (ما نسبته 39.8% من مجموع الائتمان). ويلي القروض الشخصية في الأهمية القروض الممنوحة لقطاع الإنشاءات والتي بلغت حوالي 5.4 مليارات دولار (ما نسبته 11.4% من مجموع الإئتمان)، ثم القروض الممنوحة لقطاع الخدمات والتي بلغت حوالي 3.9 مليارات دولار (ما نسبته 8.2% من مجموع الإئتمان)، تليها القروض الممنوحة لقطاع الصناعات التحويلية والتي بلغت 3.8 مليارات دولار أي حوالي 7.9% من مجموع الإئتمان المصرفي.
الصيرفة الإسلامية في سلطنة عُمان
على صعيد قطاع الصيرفة الإسلامية في سلطنة عُمان، يوجد مصرفان إسلاميان محليان هما بنك نزوى وبنك العز الإسلامي، بالإضافة إلى قيام ستة من المصارف التقليدية المحلية بتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية المتوافقة مع الشريعة من خلال نوافذ مستقلة. وبنهاية العام 2015، كانت البنوك والنوافذ الإسلامية تمارس نشاطها من خلال 60 فرعاً مقارنة مع 45 فرعاً بنهاية العام 2014. كما يوجد لدى هذه الوحدات 50 جهازاً للصرف الآلي.
وقد شهدت المصارف والنوافذ الإسلامية في سلطنة عُمان نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت الموجودات المجمّعة للمصارف والنوافذ الإسلامية من 5.85 مليارات دولار بنهاية العام 2015 إلى 8.50 مليارات دولار بنهاية شهر شباط/فبراير 2017، أي بنسبة 45.2%، مقابل إنخفاض في أصول المصارف التقليدية بنسبة 3.4% خلال الفترة نفسها. أما بالنسبة للقروض الممنوحة من قبل المصارف والنوافذ الإسلامية، فبلغت 6.63 مليارات دولار بنهاية شهر شباط/فبراير 2017، مقابل 4.63 مليارات دولار عام 2015، محققة نسبة نمو 43.3%. وارتفعت الودائع من 4.0 مليارات دولار إلى 6.03 مليارات أي بنسبة 50.8%، خلال الفترة نفسها. أخيراً، ارتفع مجموع رأس المال والإحتياطات في المصارف والنوافذ الإسلامية من 1.02 مليار دولار إلى 1.12 مليار دولار أي بنسبة 10%.
البنك المركزي العماني: 42 عاماً من التطور والثبات وسياسات ساهمت في تعزيز الأداء الإقتصادي والمالي
تأسس البنك المركزي العماني في الأول من ديسمبر عام 1974 بمقتضى القانون المصرفي رقم 7/74 (المعدل بالمرسوم السلطاني رقم 114/2000) كنتيجة طبيعية لتطور النظام النقدي والمالي في السلطنة. ولم تكن هنالك سلطة وطنية مسؤولة عن الإشراف والرقابة على الجهاز المصرفي، حيث كان عدد البنوك لا يتجاوز ثلاثة بنوك، وكان النشاط المصرفي محدوداً. وسبق إنشـاء البنـك المركزي العمانـي هيئتان رسميتان همـا «سلطة نقد مسقط» التي أُنشئت عام 1970، و«مجلس النقد العماني» الذي أنشئ عام 1972، وهاتان الهيئتان مهَّدتا لتأسيس البنك المركزي العماني.
ويمثل مرور 42 عاماً على تأسيس البنك المركزي العُماني، تجربة فريدة ومتميزة في الحفاظ على قوة ومتانة القطاع المصرفي والإقتصاد العُماني رغم التقلّبات التي تعرضت لها أسعار النفط في السنوات الأخيرة، من حيث الإلتزام بأحدث المعايير الدولية المنظمة للقطاع، أو عبر دوره في الحفاظ على ثبات العملة المحلية وتحقيق نسب السيولة المطلوبة لتعزيز النمو الإقتصادي. ويؤكد القطاع المصرفي العُماني عاماً بعد الآخر تميّزه بفضل السياسات والنجاحات المتتالية التي يحرزها، فضلاً عن قوة الأداء ومتانة هذه المنظومة. وساهمت السياسات المتبعة من قبل البنك منذ إنشائه بنجاح في تعزيز الأداء الإقتصادي للسلطنة، كما ساعدت على تجاوز التحديات المختلفة ومواجهة تباطؤ الأنشطة الاقتصادية وعجز الميزانية العامة للدولة والحساب الجاري في ميزان المدفوعات.وإنّ الإجراءات الإحترازية للبنك خلال سنوات عمله نجحت في تجنيب انكشافات المصارف والمؤسسات المالية بالسلطنة على الأصول الخطرة، وعلى هذا الأساس دعا البنك المركزي المصارف العاملة في البلاد إلى وضع نهج محافظ وإعادة صياغة إدارة المخاطر. وواجه البنك المركزي العُماني أثناء مسيرته التي ناهزت 42 عاماً تداعيات العديد من الأزمات والتحديات العالمية والإقليمية التي تأثر بها اقتصاد السلطنة الناشئ، والتي استدعت تطبيق سياسات وتدابير تتسم بالحزم وبالتناغم مع المؤسسات الأخرى المعنية بالشؤون الاقتصادية.
وفرض التراجع في أسعار النفط منذ النصف الثاني من عام 2014 على البنك المركزي العُماني اتباع سياسة متوازنة من حيث الإنفاق وتعزيز الإيرادات وتنويع مصادر التمويل داخلياً وخارجياً من أجل التعامل مع العجز الثنائي في الميزانية العامة والحساب الجاري ودعم احتياطيات البنك المركزي من العملة الأجنبية.
ويواصل البنك المركزي العُماني رقابته المحكمة ومبادرته
الإصلاحية التي أثمرت في تعزيز متانة ومرونة النظام المصرفي وأدى انتهاج السياسة النقدية الملائمة والإشراف المبني على المخاطر للبنوك وتطبيق معايير بازل وتطوير أنظمة متطورة للمدفوعات والتسوية إلى دعم النمو الاقتصادي بالتزامن مع احتواء التضخم، الأمر الذي ساهم في تحقيق الإستقرار المالي في السلطنة.كما حرص البنك المركزي العماني على تشجيع نمو الائتمان الممنوح للقطاعات الإنتاجية ومن ضمنها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ويؤكد خبراء في مجال البنوك أن البنك المركزي العماني ساهم وبشكل كبير في الحفاظ على قيمة الريال العماني في ظل سياسة تثبيت سعر صرفه أمام الدولار الأميركي، والتي أثبتت نجاحاً في حماية العملة الوطنية من التقلبات في أسعار الصرف وتأثره بالعوامل الخارجية.
كما ساهمت سياسات البنك الاحترازية في تجنيب البنوك مخاطر الأزمات الخارجية، لا سيما أزمة الرهن العقاري الأمريكية التي ضربت أسواق العالم عام 2008، وما رافقها من آثار سلبية على النمو العالمي، حيث نجحت سياسات البنك المركزي العماني في تفادي تداعياتها السلبية على الإقتصاد الوطني والمؤسسات المصرفية العاملة في السلطنة.
وعلى صعيد تنظيم القطاع المصرفي، بادر البنك المركزي العماني إلى إصدار التعليمات التشغيلية لمتطلبات احتياطي رأس المال للبنوك وفقاً لبازل 3. وسعياً للحد من المخاطر المرتبطة بالتباطؤ الإقتصادي، قام البنك المركزي العماني بتوجيه البنوك وشركات التمويل والتأجير لإحتساب مخصصات احترازية على القروض التي تمت إعادة هيكلتها. ومن أجل تعزيز وضع السيولة وتشجيع الإستثمار لدى البنوك التجارية، تم السماح لهذه البنوك باحتساب استثماراتها في سندات التنمية الحكومية وأذون الخزينة والصكوك السيادية ضمن الإحتياطي النقدي الإلزامي وبحد أقصى يبلغ 2% من إجمالي الودائع اعتباراً من نيسان/أبريل 2016.
وبالنسبة للميزانية العمومية للبنك المركزي العماني، فقد ارتفع إجمالي الموجودات من 4.7 مليارات دولار عام 2005 إلى نحو 14.8 مليار دولار عام 2011، و21.3 مليار دولار حتى نهاية شهر شباط/فبراير 2017، أي بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال الفترة، وجاء ذلك نتيجة الإرتفاع الكبير في حجم الموجودات الأجنبية والمستحقات من الحكومة والموجودات الثابتة مقابل إنخفاض في المستحقات من البنوك المحلية. وتجدر الإشارة إلى أن الموجودات الأجنبية تشكل حوالي 88% من إجمالي موجودات البنك المركزي العُماني. كما يعمل سوق النقد الأجنبي في السلطنة بشكل سلس ولا يزال سعر الصرف للعملة المحلية مستقراً وثابتاً، خاصة مع تبني السلطنة إصلاحات مالية لدعم الوضع المالي وزيادة العائدات غير النفطية. ويواصل البنك المركزي العماني إجراءاته لتعزيز الثقة في الإقتصاد ودعم الريال، حيث اتخذ مؤخراً قراراً برفع رأسمال البنك المركزي مليار ريال اعتباراً من بداية نيسان/أبريل 2016.
إتحاد المصارف العربية
الأمانة العامة – إدارة الدراسات والبحوث