رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين عدنان أحمد يوسف:
ستحصل البلدان المتقدِّمة ذات الدخل المرتفع على حصَّة الأسد
جرَّاء خطة صندوق النقد الدولي لتوزيع الأموال على الدول
خصّ رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين والرئيس السابق لإتحاد المصارف العربية عدنان أحمد يوسف «مجلة إتحادالمصارف العربية»، بحديث حول موضوع خطة صندوق النقد الدولي لتوزيع الأموال على الدول. وهنا الحوار:
* كيف تقرأون خطة صندوق النقد الدولي لجهة توزيع هذه الأموال؟
– يُعتبر قرار الإصدار العامّ لحقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار، قراراً تاريخياً بحق، كونه الأكبر منذ إنشاء هذه الحقوق كأصل إحتياطي دولي في العام 1969، وتُعادل قيمته تقريباً مجموع جميع تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر (663 مليار دولار) التي حصلت عليها البلدان النامية في العام 2020. وبموجب هذا القرار، سيقوم صندوق النقد الدولي بتعزيز السيولة العالمية بثلاث مرات، من 290 مليار دولار إلى 940 ملياراً، بهدف دعم التعافي من جائحة «كوفيد- 19».
وبموجب خطة التوزيع، سوف تستفيد جميع البلدان من التخصيص الجديد لحقوق السحب الخاصة. وطبقاً للحصص النسبية في صندوق النقد الدولي، ستحصل البلدان المتقدمة على 60 % من حقوق السحب الجديدة، بينما ستحصل البلدان النامية على 40 %، بما في ذلك 2.4 % ستُخصص للبلدان الأقل نمواً، وعددها 46 بلداً.
وبالتالي، سوف تحصل البلدان المتقدمة ذات الدخل المرتفع على حصة الأسد، أي 434 مليار دولار من المخصصات الجديدة، وسيوزّع ثلثا هذا المبلغ تقريباً على بلدان مجموعة الدول الصناعية السبع. وستحصل دول الشريحة الدنيا من البلدان ذات الدخل المتوسط، والتي تتضمن 43 % من سكان العالم، على 65 مليار دولار (10 % من مجموع المخصصات الجديدة). وفقاً للتوزيع الجغرافي، تستأثر أوروبا وآسيا الوسطى بأكبر حصة في حقوق السحب الخاصة الجديدة، ولن تحصل دول أفريقيا جنوب الصحراء سوى على 23 مليار دولار (3.5 %) من مجموع المخصصات الجديدة.
وهكذا نلاحظ أن معظم الأموال سوف تذهب للدول المتقدمة، ولكن هذا محكوم بنظام الحصص في الصندوق الذي تهيمن عليه هذه الدول، وبالتالي، فإن نصيبها هو أكبر. ولكن يمكن للبلدان التي تتوافر لديها إحتياطات دولية كافية أن تُوجه حقوق السحب الخاصة بها غير المستخدمة، وذلك من دون أي كلفة، أي أن تتبرّع بها إذا جاز التعبير، للبلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
* كيف يجب أن تُستخدم هذه الأموال برأيكم، وخصوصاً أنها تأتي تحت عنوان معالجة تداعيات جائحة كورونا؟
– يُمكن إستخدام السيولة الناتجة عن هذه المقايضة لدعم تعافي البلدان من «كوفيد- 19»، وتحصين إقتصادها ومجتمعاتها في أعقاب الجائحة، وتمويل أهداف التنمية المستدامة، وتسديد فواتير الإستيراد القصيرة الأجل، وتسوية الإلتزامات المالية غير المسددّة، وخدمة الديون أو سدادها.
كما يُمكن أن تستفيد البلدان من مخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة للتخفيف من سياسات التقييد المالية والتوسع في الإنفاق على المشاريع وذلك بشكل مدروس، وبناء إحتياطات مالية تيسّر شروط الإقتراض التي تخضع لها.
كما يُمكن للدول التي تعاني أزمة سيولة أن تستخدم مخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة لتوسيع القدرات المالية لديها والحيلولة دون الإقتراض بأسعار فائدة مرتفعة. بينما يُمكن للبلدان ذات الدخل المتوسط التي تواجه عجزاً مستمراً في حساب المدفوعات الجارية إستخدام المخصصات الجديدة لمعالجة الإختلالات المالية والخارجية المتكررة التي تعوّق جهود التعافي والنمو.
* هل يجوز إستخدامها في مشاريع إستثمارية، وخصوصاً في البلدان العربية التي تضرّرت جراء جائحة كورونا في السنتين الماضيتين؟
– من أصل الـ 650 مليار دولار المقرّر توزيعها في إطار التخصيص الجديد لحقوق السحب الخاصة، ستحصل المنطقة العربية على إحتياطات دولية إضافية قدرها 37.3 مليار دولار. والملاحظ أن الدول الغنية مثل المملكة العربية السعودية سوف تحصل على أكبر حصة من مخصصات حقوق السحب الخاصة (13.7 مليار دولار). وستحصل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مجتمعتَين، على ما يوازي إجمالي المبلغ الذي ستحصل عليه باقي البلدان العربية الأخرى مجتمعة، حيث سيحصل 15 بلداً عربياً ذات الدخل المتوسط والمنخفض على حوالي 15 مليار دولار، أي أكثر من حصة المملكة العربية السعودية بـ 10 % فقط.
لذلك، بالنسبة إلى معظم البلدان سيتم إستخدام المخصصات التي سوف تحصل عليها مثل لبنان الذي سيحصل على 865 مليون دولار، وسوريا على 390 مليوناً، واليمن على 660 مليوناً، وسوف تُستخدم في برامج التعافي من جائحة كورونا بشكل أساسي. ومن الصعب بالنسبة إلى هذه الدول، الحديث عن إستخدامها في مشاريع إستثمارية.
*بعد هذه الخطوة المهمة من جانب صندوق النقد الدولي، برأيكم، هل المجتمع الدولي متجه إلى إعتماد سياسة جديدة لدعم الإقتصاد العالمي؟
– نرى في هذه الخطوة، كبرنامج دعم إضافي لدعم التعافي الإقتصادي العالمي، يُضاف إلى برامج التعافي الموجودة حالياً التي يُنفذها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب برامج التعافي التي تبذلها الدول نفسها، ولا سيما سياسات التيسير المالي، وتقديم القروض الميسرة وخفض أسعار الفائدة. أي إن هذه الخطوة ليست بديلاً عمّا هو موجود، وإنما داعم ومتمم له، وذلك بغرض تحفيز التعافي الإقتصادي. وبرأيي، إن هذه الخطوة تم إتخاذها بعدما إتضح أن جائحة كورونا سوف يطول أمدها، ولا سيما بعد ظهور السلالات المتحورة، مما يُهدّد جهود التعافي العالمي، وبالتالي بات لزاماً إتخاذ خطوات إضافية لدعم هذا التعافي. ولكن كما نلاحظ فإن غالبية المخصصات ذهبت إلى الدول الغنية والمتقدمة على حساب الدول الفقيرة. ولم يتضح بعد في ما إذا سوف تقوم هذه الدول بالتنازل عن حصصها لصالح الدول الفقيرة.
لذلك، ورغم أن التخصيص الجديد لحقوق السحب الخاصة هي خطوة في الإتجاه الصحيح، فإنه يتعيّن أن تتبع هذه الخطوة إجراءات أخرى لضمان توجيه مستويات كافية من السيولة إلى البلدان النامية، وذلك عبر حزمة من الإجراءات، منها على سبيل المثال، التوصّل إلى إلتزام قوي لإعادة توجيه مخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة لهذه البلدان، ووضع آليات متعددة الأطراف وقابلة للتطبيق لإعادة التوجيه هذه.
* هل سيكون للدول العربية المتعثرة إقتصادياً حصة بهذا الدعم، ووفقاً لأي شروط وقواعد؟
– أعتقد أننا وضّحنا حصص بعض الدول العربية المتعثرة من هذا الدعم. وبشكل عام، فإن المخصصات الجديدة التي ستحصل عليها المنطقة العربية من حقوق السحب الخاصة أقل بكثير من إحتياجاتها التمويلية البالغة نحو 462 مليار دولار.
أما بالنسبة إلى الشروط والقواعد، فإن البلدان تحصل عليها مجاناً، ولا سيما وأنها تقوم بمقايضة هذا الأصل الإحتياطي بأي من العملات الخمس الصعبة (الدولار، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني، واليورو) لتوفير السيولة، من دون أن يحملها ذلك ديناً إضافياً .لذلك، فإن حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، لا تُشكل قروضاً يتعين سدادها، ولا تفرض شروطاً تجارية على إستخدامها، ولا يُحدّد موعداً أو آمالاً لسدادها. كما أنها لا تُعتبر معونة، لذلك لا يُرتب توزيعها أعباء مالية على ميزانيات البلدان المانحة. غير أن إستخدام حقوق السحب الخاصة ليس مجانياً، فعندما يُصبح إحتياط بلد ما من حقوق السحب الخاصة منخفضاً بسبب مقايضته أو تسييله، مقارنة بمخصّصاته التراكمية المحدّدة من هذه الحقوق، يتعيّن عليه أن يدفع لصندوق النقد فائدة بسعر يبلغ حالياً 0.05 % بالنسبة إلى البلدان ذات الدخل المنخفض المقترضة من الصندوق الإستئماني للنمو، والحدّ من الفقر التابع لصندوق النقد. في المقابل، عندما يحوز بلد ما حقوق سحب خاصة تتجاوز قيمتها مخصصاته التراكمية، فإنه يكسب فائدة بالسعر عينه، وعندما يحصل بلد ما على مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة، يُمكنه بيعها نقداً من أجل تعزيز إحتياطياته من دون أي كلفة، أو من أجل خلق السيولة لإستخدامها في أماكن أخرى.