لبنان يفتح نافذة لحل أزمته
في توليد الطاقة عبر إستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية
منذ أن أعلنت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا في 19 آب/أغسطس 2021 أن بلادها ستسمح للبنان بإستيراد الغاز الطبيعي من مصر عبر الأردن وسوريا عبر «خط الغاز العربي»، من دون التعرّض لعقوبات قانون قيصر الذي يُحظّر التعامل التجاري والإقتصادي مع سوريا، حتى عاد النقاش الجدي عن الفوائد الإقتصادية لهذه الخطوة ليس على لبنان فقط الذي سيصله الغاز المصري إلى معمل (دير عمار) لتوليد الطاقة الكهربائية، بل أيضاً على باقي الدول المشتركة في هذا الخط، وخصوصاً أن هذا الإستثمار سيتبعه إستجرار لبنان للكهرباء من الاردن عبر سوريا مما يخفف جزءاً إضافياً من أعباء فاتورة توليد الطاقة التي يتكبدها منذ سنوات طوال.
بلغة الارقام يحتاج لبنان إلى 600 مليون متر مكعب من الغاز لتوليد 450 ميغاوات من الكهرباء، ومن المفترض أن يغطي لبنان نفقاتها بالتفاوض مع البنك الدولي لتوفير تكاليف إستيراد الغاز المصري التي تبلغ 400 مليون دولار سنويا دون إغفال تبدلات أسعار الغاز عالمياً. أما تاريخياً فيعود «خط الغاز العربي» إلى عام 2003، حيث نُفذ على مراحل وإستطاعت مصر تصدير الغاز الطبيعي إلى لبنان عبره بين عامي2009 و2011. علماً أن مفاعيل القرار الاميركي الاخير بالسماح للغاز المصري بالوصول إلى لبنان عبر سوريا دون عقوبات ، فقد تُرجم بإجتماع ضم وزراء الطاقة للدول المعنية بهذا الخط في الاردن بعد أربعة أيام على إطلاق القرار الاميركي، لتعلن بعدها وزارة الطاقة السورية أن خط الغاز العربي جاهز داخل سوريا لنقل الغاز المصري إلى لبنان.
ضرورات تقنية
من الناحية التقنية، يقسّم الخبراء المشروع إلى شقين: الأول، يحتاج خط الغاز، ورصد أضرار الأنابيب، وخصوصاً من جهة حمص وتحديد طبيعتها ونسبتها، وإن كانت تستوجب إعادة تأهيل أم إعمار على أن تتحمل كل دولة التكاليف على أراضيها، مع ضرورة تأهيل لبنان معمل دير عمار لإستقبال الغاز الطبيعي بعد سنوات طوال من إستخدام الفيول في توليد الطاقة، وإذا تمّت الإجراءات بلا عقبات، يحتاج إنجاز المشروع نحو 5 أشهر. أما الشق الثاني فيتعلق بإستجرار لبنان للكهرباء من الأردن عبر سوريا، وهذا يتطلب فحص شبكة النقل وأعمدة التوتر العالي من الجهة السورية لأنها تصل من الأردن إلى درعا في سوريا ثم عبورها إلى لبنان.
ياغي: إستجرار الكهرباء من الأردن خطوة مهمة
لأنها الطريقة الأوفر والأسرع لزيادة التغذية
في هذا الإطار، يوضح الخبير النفطي ربيع ياغي لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية» أن «إستجرار الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا إلى معمل دير عمار في لبنان هو جزء من خط الغاز العربي، والذي كان يربط صادرات الغاز المصري بالأردن والعقبة وسوريا ولبنان، وهدفه توليد الطاقة الكهربائية، وتبلغ الوصلة التي تربط لبنان بسوريا 35 كلم»، لافتاً إلى أن «الغاز المصري كان يصل إلى حمص فقط وليس إلى لبنان فكانت سوريا تعمد عبر هذه الوصلة إلى ضخ الغاز السوري إلى دير عمار بعد أن تحصل على حصة لبنان من الغاز المصري»، ويشير ياغي إلى أن «هذه الآلية سيتم إعتمادها من جديد، وقد إستمرت في العام 2010 نحو 6 أشهر، وبعدها حصلت تطورات سياسية في مصر، وباتت تعاني نقصاً في كميات الغاز لديها مما أدى إلى توقف الضخ عبر أنبوب الغاز العربي».
ويوضح ياغي أنه «بعد الإكتشافات الجديدة التي حصلت في مصر لحقول الغاز وتوفر كميات للتصدير، ستتمكن مصر من تأمين كميات لتغذية معمل دير عمار فقط والقادر على إنتاج 450 ميغاواط»، مشيراً إلى أن «الكلفة ستكون أقل، والجميع يعلم أن معملي ديرعمار والزهراني قادران على إنتاج الكهرباء من الغاز والفيول معاً، وهذا يعني أننا أمام فرصة لإنتاج الكهرباء بكلفة أقل بعد إجراء الصيانة للخط الذي يربط لبنان بسوريا، شرط تأمين الحماية العسكرية لهذا الخط وحمايته من أي عمليات تفجير يُمكن أن تستهدفه، بمعنى آخر يجب تأمين الحماية التقنية والأمنية للخط الذي يربط بين لبنان وسوريا».
يشرح ياغي أن «لبنان بحاجة إلى إنتاج إلى 3500 ميغاواط من الكهرباء، وهذا يعني أن معمل دير عمار لن يتمكن من إنتاج ربع الكمية التي نحتاج إليها ( 450 ميغاواط فقط) ولا يمكننا زيادة كمية الغاز المطلوبة، لأننا لا نملك شبكة إمدادات لتوصيل الغاز إلاّ إلى دير عمار»، لافتاً إلى أن «كلفة بناء إمدادات شبكة جديدة كبيرة جداً والإنتهاء منها يتطلب 3 سنوات على الأقل (إستملاكات الأراضي وبناء الشبكة) والأفضل لنا أن نعمد إلى بناء محطات كهرباء بغض النظر عن المادة المستخدمة (الفيول أو ديزل أو غاز) علماً أنه يؤيد إستعمال الغاز لأنه الأوفر والأقل ضرراً على البيئة»، ويشير إلى أن «كلفة إنشاء محطة كهرباء تنتج ألف ميغاواط هي أقل من كلفة إنشاء شبكة الامدادات بين لبنان وسوريا، كما أن مصر لا تملك الفائض الكافي من الغاز كي تبيعنا المزيد عبر هذه الشبكة».
يُولّد لبنان الكهرباء من 7 معامل حرارية، شُيّدت تباعاً منذ السبعينيات من القرن الماضي، وآخرها معمل دير عمار
في العام 1998، وتشكو هذه المعامل من تقادمها، وتنتج الكهرباء (تنقطع حاليا بمعدل 20 ساعة يومياً
في كل المعامل على الأراضي اللبنانية)، بكلفة تتجاوز 3 أضعاف كلفة المعامل الجديدة،
لإعتمادها على المشتقات النفطية الثقيلة بدل الغاز الطبيعي.
يرى ياغي أن «الاهم بالنسبة إلى لبنان هو إستجرار الكهرباء من الأردن (400 ميغاواط) لأنها الطريقة الأوفر والاسرع لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي، ويُمكن أن تغطي حاجة منطقة البقاع وجزء من محافظة جبل لبنان، إذا تم تأمين الصيانة اللازمة لخطوط التوتر العالي بين لبنان وسوريا والأردن خلال شهرين على الأكثر».
ويختم ياغي قائلاً: «كل هذه الحلول لا يُمكن أن تتم من دون أن يكون هناك ترانزيت بين لبنان وسوريا، وبهذا نكون حققنا أهدافنا وأرحنا البلد قليلاً».
إستثناءات قانون قيصر
من الناحية القانونية، يجمع الخبراء أن قانون قيصر كسائر قوانين العقوبات الأميركية يتضمن إعفاءات أو إجازات، تُخوّل بعض الدول الإستفادة من الإستثناء للقانون، ويعود الإستثناء إلى تقدير وتساهل الإدارة الأميركية، وبحسب بنود قانون قيصر يُمكن أن يتنازل عن تطبيق أحد أحكامه بالإتفاق مع الكونغرس الأميركي، بإعتبار أنه يصب في مصلحة الأمن القومي لواشنطن، والإستثناء يمنح لفترة محدودة لا تتجاوز 180 يوماً، قابلة للتجديد إذا ارتأت الإدارة الأميركية ذلك.
مالك: لو إستجرّ لبنان الغاز المصري من دون الإتفاق
مع الحكومة الأميركية لتعرّض لعقوبات هو في غنى عنها
إذاً، إنطلاقاً من هذه الحيثيات القانونية، أعطت واشنطن إستثناء لإستفادة لبنان، وتم تبليغه بكافة الطرق لأصحاب العلاقة، وفي هذا الإطار يوضح الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية» أن «قانون قيصر يضع عقوبات على كل من يتعاطى مع الإقتصاد السوري سواء أكان إستيراداً أو توريداً، وتالياً أي علاقة إقتصادية مع النظام السوري يرتب عقوبات قد نص عليها القانون»، موضحاً أن «قانون قيصر ليس القانون الوحيد الذي يفرض عقوبات، وهناك أيضاً قانون ميغنيسكي وقوانين أخرى، لكن إستناداً إلى قانون قيصر يحق للإدارة الأميركية أن تعطي إستثناء لدولة من أجل أن تتجاوز هذا القانون، من دون أن يترتب عليها أي عقوبات، وهذا الأمر حاصل بالنسبة إلى اليابان وكوريا وغيرها من الدول التي تستفيد من هكذا إعفاءات».
يضيف مالك: «إن لبنان إستفاد من هذا الإعفاء والإستثناء على قانون قيصر، وتالياً بإمكانه إستجرار الغاز المصري بمباركة أميركية عبر الأردن وسوريا، وهذه الجزئية تحديداً تمنع من فرض أي عقوبة على الحكومة اللبنانية وتجيز لها الإستفادة من الغاز الطبيعي الذي تصدره مصر».
ويختم مالك: «لو كنا ذهبنا خلاف هذا المسار، ومن دون الإتفاق مع الحكومة الأميركية لكانت الحكومة اللبنانية قد عرّضت نفسها لعقوبات هي بغنى عنها».
تأثيرات الأوضاع الامنية
والسؤال الذي يُطرح هنا، ماذا عن الجانب الأمني وتأثيراته على هذا الخط، وخصوصاً أنه يقع في مناطق نفوذ مختلفة في سوريا، وليس فقط في الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري؟
عبد القادر: أنبوب الغاز المصري يقع في مناطق نفوذ عدة
في سوريا فمّن يضمن أمنه وحسن إدارته؟
في هذا الإطار يسأل الخبير العسكري العميد نزار عبد القادر لـ «مجلة إتحاد المصارف العربية» عن «مدى جهوزية نقل هذا الخط لنقل الغاز من مصر إلى الأردن وسوريا تقنياً وأمنياً»، فالشق الأمني، برأيه، يتعلق بمدى قدرة النظام السوري على إدارة الأمن في المناطق الخارجة عن سيطرته العسكرية والإدارية، ويمر فيها الأنبوب، لأنه يمر بمناطق نفوذ عسكري عدة في سوريا».
يضيف عبد القادر: «السؤال الآخر، هل سيقبل النظام بنقل الغاز إلى لبنان من دون أي شروط تعجيزية لتسهيل وتوفير 130 مليون دولار عليه، هذا السؤال يحتاج إلى مزيد من البحث مع المعنيين من المسؤولين اللبنانيين، الذين يتولون المفاوضات مع الجانب السوري، وهذا الأمر أيضاً ينطبق على خط التوتر العالي الذي سيوصل الكهرباء من الأردن ولبنان».
يرى عبد القادر أن «حاجة اللبنانيين للغاز المصري والكهرباء الأردنية كبيرة جداً، وعلينا أن ننتظر الخطوات التي ستتخذها الحكومة الجديدة في هذا الإطار لإعادة تصويب العلاقة مع الجانب السوري، ولا سيما أن الخلاف بين اللبنانيين لا يزال موجوداً حول طبيعة العلاقة مع النظام».
ويختم عبد القادر قائلاً: «حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عليها تنظيم هذه العلاقة ضمن الأطر الدولية».
باسمة عطوي