محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فراس ملحم:
توجُّه غير مسبوق نحو التقنيات المالية غيّرت الخارطة التقليدية للعمل المصرفي
تعزيز القدرات الرقابية وأطر السياسات الإحترازية الكليّة
وزيادة التنافسية وخفض تكلفة الخدمات المصرفية
تتجسد رؤية ورسالة سلطة النقد الفلسطينية في سعيها للحفاظ على المقومات الإقتصادية، وصولاً إلى إقتصاد مزدهر لدولة فلسطين، من خلال الحفاظ بشكل دائم على الإستقرار المالي، بإعتباره الركيزة الأساسية للصمود والتنمية، وبإعتبار القطاع المالي، وبالأخص المصرفي منه، صاحب الدور الأبرز في عملية النمو الإقتصادي المستدام، وبما يُمكَن المستثمرين والقطاع الخاص من الإستثمار، وتوفير فرص العمل، وتمكين الشباب والنساء والرياديين.
في هذا السياق، تحدث محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فراس ملحم «أن السنوات الماضية شهدت توجهاً واضحاً نحو التقنيات المالية، غيَّرت إلى حد كبير من الخارطة التقليدية للعمل المصرفي، وحوَّلت الكثير من الأعمال المالية التقليدية نحو الوسائل والأساليب الحديثة. فلم يعد المصرف فقط هو ذلك المكان المخصَّص الذي يذهب إليه طالب الخدمة المالية بهدف الحصول عليها، بل أصبحت الخدمات تأتي حيثما كان طالبها من دون الحاجة للتعامل مع الإنسان، وأصبح بالإمكان القيام بمعظم العمليات والخدمات المالية عبر منصة إلكترونية»، مشيراً إلى «أن سلطة النقد تسعى إلى زيادة التنافسية في القطاع المصرفي الفلسطيني، وزيادة عدد اللاعبين من خلال السماح للبنوك الرقمية من العمل في السوق الفلسطينية، والإنفتاح على العالم الخارجي، لما لذلك من تأثير إيجابي على تكلفة الخدمات».
في ما يلي الحوار مع محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فراس ملحم:
* ما هي إستراتيجية سلطة النقد الفلسطينية، ولا سيما في ظل أحدث التطورات والتحديات التي تواجهها السلطة والقطاع المصرفي في فلسطين؟
– عملت سلطة النقد الفلسطينية، ومن خلال متابعاتها المستمرة للمستجدات المتعلقة بطبيعة عمل البنوك المركزية، على إجراء عملية تقييم شاملة لبرامج عملها الحالية، وإعادة النظر في بعض أولوياتها المستقبلية، في محاولة منها لمسايرة التطورات العالمية في عمل البنوك المركزية من جهة، والتغلّب على التحدّيات التي تواجهها من جهة أخرى. وفي هذا السياق، أظهرت سلطة النقد تركيزاً واضحاً على القضايا التي تعالج الجوانب التالية:
– تسريع وتيرة التحول الرقمي في فلسطين والإندماج في الإقتصاد الرقمي، وتشجيع وتعزيز المنتجات المالية الإلكترونية، والتأسيس لرقمنة الخدمات المالية، إذ تم تبنّي العديد من الإجراءات لتشجيع المصارف على تقديم الخدمات إلكترونياً، وتشجيع الأفراد وقطاع الأعمال على إستخدام هذه الأدوات، ودعم وتطوير الخدمات المالية المبتكرة والريادية، وتشجيع شركات خدمات الدفع الإلكتروني على العمل في المناطق الفلسطينية للإستفادة من قدرتها في زيادة فرص النفاذ إلى التمويل وتحسين مستويات الشمول المالي.
– التركيز على إستكمال البنية التحتية للمدفوعات الإلكترونية، وتحوّل سلطة النقد نحو الرقابة الإلكترونية، وتعزيز قدرات أمن المعلومات (الأمن السيبراني) وفق أفضل الممارسات، وبما يخدم إستراتيجية الحدّ من الإستخدام النقدي (الكاش) والتحوّل التدريجي نحو الخدمات الإلكترونية للمدفوعات.
– الإستفادة من الفرص التي تُوفرها التقنيات الحديثة، والإنضمام إلى مجموعة البنوك المركزية الإقليمية والدولية لإستكشاف فرص الإستفادة من منافع إصدار عملة رقمية، بإعتبارها أحد أفضل الحلول المتاحة للتغلّب على المشاكل الإقتصادية والسياسية التي تعانيها فلسطين، والتخفيف من إستخدام النقد الكاش. كما دفع غياب العملة الوطنية سلطة النقد إلى دراسة إمكانية إصدار عملة حسابية كخطوة أولى نحو العملات الرقمية.
– دعم التعافي الإقتصادي، والعودة بالإقتصاد الفلسطيني إلى مسار النمو والمساهمة في التنمية الإقتصادية المستدامة. ولهذه الغاية قامت سلطة النقد بإطلاق صندوق إستدامة، والإطار الوطني لإسناد وتطوير المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر (منشأتي)، بالإضافة إلى تعزيز فرص النفاذ إلى الخدمات المصرفية، من خلال مزيد من التركيز على الآليات المناسبة للتعامل مع المناطق النائية والفئات المهمشة والفئات غير المستفيدة من الخدمات المالية.
كما تضمّنت أولويات سلطة النقد أيضاً، التركيز على إستمرار الحفاظ على سلامة وفعالية النظام المالي بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص، وذلك من خلال تعزيز القدرات الرقابية وأطر السياسات الإحترازية الكلية، وزيادة التنافسية وخفض تكلفة الخدمات المصرفية، وزيادة عدد اللاعبين والانفتاح على العالم الخارجي.
* ماذا تركت جائحة كورونا من تداعيات سلبية على عمل سلطة النقد، فضلاً عن الأحداث التي واجهتها فلسطين ما بين العام 2020 ومنتصف العام 2022، ولا سيما حيال صعوبات المالية العامة للدولة بسبب توقف التمويل الخارجي؟
– كان 2020 عاماً صعباً على الإقتصاد الفلسطيني في كافة قطاعاته، بما في ذلك القطاع المصرفي، فقد أعقب إنتشار الجائحة الصحية في فلسطين، عودة أزمة المقاصة مع الجانب الإسرائيلي إلى المشهد من جديد، والتي إمتدت لأكثر من سبعة شهور متواصلة، مما دفع سلطة النقد إلى إتخاذ مجموعة من الإجراءات الإستثنائية والإستباقية، وذلك بهدف المواءمة بين ضمان سلامة وإستمرارية عمل المؤسسات الخاضعة لرقابتها وإشرافها، والإستمرار في تقديم مختلف الخدمات المصرفية لجمهور المواطنين من جهة، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بالمواطنين وقطاع الأعمال بشكل عام، ودعم مختلف الأنشطة والقطاعات الإقتصادية والمحافظة على إستمراريتها من جهة ثانية.
ورغم محدودية الأدوات المتاحة أمام سلطة النقد للتدخل في ظل عدم وجود عملة وطنية، وعدم توافر كامل أدوات السياسة النقدية، إلاّ أن سلسلة الإجراءات التي قامت بها قد ساهمت في التخفيف من آثار هاتين الأزمتين، سواء على مستوى الحكومة من خلال إتاحة تمويل إضافي لها لتمكينها من معالجة الإختلالات المالية الناتجة عن أزمة المقاصة، أو على مستوى مؤسسات القطاع المالي الخاضعة لرقابة وإشراف سلطة النقد من خلال مدها بالسيولة المطلوبة، أو على مستوى أنشطة وقطاعات الاقتصاد المختلفة، والجمهور المحلي من خلال توفير تمويل بشروط ميسرة وتكاليف منخفضة (برنامج إستدامة).
وكما في جميع الأزمات المالية التي مرت فيها الحكومة الفلسطينية على مدار السنوات السابقة، شكّلت سلطة النقد والقطاع المصرفي صمام الأمان للحكومة، وداعماً ورافداً أساسياً في مواجهة هذه الأزمات. فمع الإنقطاع شبه التام في المساعدات الخارجية، لجأت الحكومة إلى الإقتراض من القطاع المصرفي لتغطية الإلتزامات المترتبة عليها.
ومما تجدر الإشارة إليه، أنه رغم تزايد إعتماد الحكومة على القطاع المصرفي، إلاّ أنّه إستمر في القيام بدوره في تمويل القطاعات الأخرى، وفي مزيد من التفعيل لدوره في الإقتصاد المحلي، في ظل مستويات السيولة التي يتمتع بها.
* تحدثتم عن الملاءة الممتازة للمصارف في فلسطين، مما ينعكس إيجاباً على التنمية، ماذا عن دعم سلطة النقد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في سياق تعزيز الشمول المالي والحدّ من البطالة ودعم جهود المرأة في المجتمع؟
– منذ البدايات الأولى لإنتشار الجائحة الصحية في فلسطين، قامت سلطة النقد بمجموعة من الإجراءات لها علاقة مباشرة بالمشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، بإعتبارها ركيزة أساسية في الإقتصاد الفلسطيني وأهم مصادر تنويع الدخل والحدّ من مشكلة البطالة، كونها مشاريع كثيفة العمالة، وتشكل أكثر من 95 % من المشاريع العاملة في الإقتصاد.
ولهذه الغاية، قامت سلطة النقد بإطلاق صندوق إستدامة بمرحلتيه الأولى والثانية، وإتاحة تمويل بقيمة 435 مليون دولار بشروط وتكاليف ميسرة. وقد صُمّمت مرحلته الثانية لتخدم مجموعة من الأهداف التي تتجاوز معالجة آثار الأزمة الصحية، إلى العودة بالإقتصاد إلى مسار التعافي، وخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع النمو الاقتصادي المستدام بشكل يتوافق مع التوجهات الإقتصادية للحكومة، وذلك من خلال خمسة برامج تمويلية أُعدت خصيصاً لتخدم مجموعة من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها قطاع المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، والقطاع الصحي، وقطاع التعليم الإلكتروني، والتحوّل الرقمي، إضافة إلى برنامج آخر صُمّم خصيصاً لمؤسسات الإقراض المتخصص، لتمكينها من تمويل المشاريع الصغيرة والمشاريع متناهية الصغر.
كما أطلقت سلطة النقد بالتعاون مع إتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الإطار الوطني لإسناد وتطوير المنشآت متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة «منشأتي» لتعزيز قدرة هذه المنشآت على التكيُّف وعلى الصمود والإنتعاش، وبما يدعم خطط الحكومة في إستجابتها للإحتياجات الناشئة، وتعزيز قدرة المشاريع على التعافي. ويُوفر هذا الإطار خدمات دعم متكاملة لهذه المشاريع، بهدف الوصول إلى المعلومات التي تساعد في إتخاذ قرارات الإستثمار، أو طلب التوجيه في شأن تطوير الخدمات وعمليات الإنتاج لتلبية إحتياجات السوق المحلية والدولية، وخدمات التسويق والإدارة المالية، وفرص التمويل، والخدمات الاستشارية القانونية، من خلال الإنتشار في خمسة مواقع في غرف التجارة (نابلس، والخليل، وأريحا، وبيت لحم، ودير البلح)، ومنصة إفتراضية مرتبطة بشبكة كبيرة من الجهات الفاعلة والخبراء في مجال تطوير القطاع الخاص.
كذلك قامت سلطة النقد بالعديد من الإجراءات الهادفة إلى تمكين المرأة الفلسطينية مالياً وإقتصادياً، وبما يشمل تنظيم ورشة عمل لما يقارب 100 امرأة من صاحبات المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، لتعريفهم بصندوق إستدامة وبرامج التمويل المتاحة من خلاله، وخصوصاً البرنامج المخصص للمشاريع الصغيرة، الذي يقدم تمويل يصل إلى 10 آلاف دولار من دون أية فوائد أو عمولات، ولفترات سداد تصل إلى 4 سنوات.
وفي هذا الإطار وقعت سلطة النقد مذكرة تفاهم مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وتعاونت معها في عملية التدقيق التشاركي. كما وقعت مذكرات تفاهم مع أربع مؤسسات تنموية (منتدى سيدات الأعمال، والجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال، وشركة كووتر الدولية، ومؤسسة إنقاذ الطفل)، بهدف توسيع إطار التعاون الذي يُحقق الأهداف المرجوة لغايات تمكين النساء الرياديات وتأهيلهن للخروج من دائرة الفقر ودمجهن في سوق العمل، وتمكينهن من الوصول إلى الخدمات المالية وإستخدامهن بما يتناسب مع إحتياجاتهن، وبما يعمل على تعزيز نسب الشمول المالي والتنمية الإقتصادية.
في ظل تعامل سلطة النقد والبنوك في فلسطين بأربع عملات (الدولار، واليورو، والشيكل، والدينار)، كيف تعملون على حلّ تحويل دفعات رواتب العمال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل عبر القطاع المصرفي، فضلاً عن دفع المستحقات الأخرى؟
تُعتبر مشكلة فائض الشيكل وتراكمه من المشاكل الرئيسة التي يعانيها القطاع المصرفي الفلسطيني، والتي تعود جذورها إلى العام 2009 جرّاء وضع الجانب الإسرائيلي مزيداً من المعوّقات على ترحيل هذه الفوائض إلى المصارف الإسرائيلية، مما تسبّب في مزيد من التعقيد في عملية إدارة السيولة.
ويرتبط جزء كبير من هذا الفائض بالعديد من العوامل، لعلّ أهمها العمالة الفلسطينية في إسرائيل، والذين يفوق عددهم عن 204 آلاف عامل، تبعاً لأحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في الربع الأول من العام 2022، جميعهم تقريباً يتلقون رواتبهم نقداً من خلال المشغل الإسرائيلي، ويحملونها معهم إلى المناطق الفلسطينية.
ويُمثل قرار تحويل أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل عبر النظام المصرفي الفلسطيني، بديلاً عن الآلية المستخدمة حالياً، والذي سيكون له الكثير من الآثار الإيجابية المباشرة على الإقتصاد الفلسطيني عند تطبيقه. فمن جهة، يُمثل هذا الإجراء خطوة إضافية مهمة باتجاه التغلب على مشكلة فائض الشيكل وتراكمه لدى المصارف العاملة في فلسطين، والتي تُمثل إحدى المخاطر التي تسعى سلطة النقد والمصارف إلى تفاديها، لما يترتب عليها من زيادة في تكاليف التخزين وإجراءات الأمن والسلامة، وضياع الفرصة البديلة على المصارف في استثمار هذه المبالغ.
كما يُمثل هذا الإجراء من ناحية أخرى، فرصة مهمة لحصر جزء كبير من الكتلة النقدية لعملة الشيكل في الإقتصاد الفلسطيني، والتي تعُتبر تحويلات العاملين الفلسطينيين في إسرائيل أحد أهم مكوّناتها، إلى جانب كل من تحويلات المقاصة، والصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل، ومشتريات فلسطينيي الداخل من السوق الفلسطينية. عدا عن كون هذا الإجراء يصب في خدمة أحد الأهداف الاستراتيجية لسلطة النقد، المتمثل في تعزيز الشمول المالي. ويتيح للقطاع المصرفي إمكانية حشد مزيد من المدخرات وإعادة ضخها في الاقتصاد، وتوجيهها نحو القطاعات والأنشطة الإنتاجية، وبما يُسهم في تحفيز النمو الإقتصادي، فضلاً عمّا يُمثله هذا الإجراء من حماية لحقوق العمال أنفسهم، الذين يتعرّضون في بعض الأحيان للإبتزاز، وحرمانهم من بعض الحقوق التي ينص عليها قانون العمل الإسرائيلي، في ما يتعلق بالمستحقات والبدلات والحد الأدنى من الأجور وغيرها. كما تتيح العلاقة المصرفية بين العامل الفلسطيني والمشغل الإسرائيلي إمكانية إثبات حقوقه لدى هذا المشغل، إلى جانب أنها تتيح للعامل الفلسطيني إمكانية الإستفادة من التسهيلات الإئتمانية المتاحة في القطاع المصرفي الفلسطيني بضمان أجره، وغيرها من الخدمات المصرفية الأخرى، من دون أن يترتب على العامل أية تكلفة إضافية، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الازدواج الضريبي.
* كيف تقيّمون الحلول التي وصلتم إليها في سلطة النقد حيال ضرورة التحول من الدفعات النقدية بالكاش إلى الدفعات الإلكترونية، من أجل تحفيز التجار والمواطنين على إستخدام خدمات الدفع الإلكتروني وإيجاد حلول لتراكم الشيكل الإسرائيلي في الأسواق الفلسطينية؟
– تتجسد رؤية ورسالة سلطة النقد في سعيها للحفاظ على المقومات الإقتصادية، وصولاً إلى إقتصاد مزدهر لدولة فلسطين، من خلال الحفاظ بشكل دائم على الإستقرار المالي، بإعتباره الركيزة الأساسية للصمود والتنمية، وبإعتبار القطاع المالي، وبالأخص المصرفي منه، صاحب الدور الأبرز في عملية النمو الاقتصادي المستدام، وبما يُمكَن المستثمرين والقطاع الخاص من الإستثمار، وتوفير فرص العمل، وتمكين الشباب والنساء والرياديين.
ومع التقدم التكنولوجي السريع عالمياً، ودوره في تعزيز الابتكارات المالية، فقد إستحوذت التكنولوجيا المالية وتعزيز بنيتها التحتية، وتعزيز ثقافة وخدمات الدفع الإلكتروني، على إهتمام خاص من قبل سلطة النقد، من واقع المسؤولية المجتمعية والوطنية من جهة، وبإعتبارها الحل الأكثر فعالية للتغلب على المشاكل والعقبات السياسية والمالية في فلسطين، وخصوصاً في ما يتعلق بتقليل التعامل بالأوراق النقدية، والتوجه نحو المدفوعات الرقمية وتعزيز إستخدام الوسائل الإلكترونية لتنفيذ المعاملات المالية من جهة ثانية، وبما يُسهم في تعزيز الشمول المالي وتعزيز صمود شعبنا على أرضه ووطنه، وخصوصاً في الأماكن التي يصعب فيها تقديم الخدمات المالية التقليدية، وتوفير خدمات مالية مبتكرة تناسب التطور الهائل في ذات المجال على الساحة الدولية.
وبهدف تعزيز بنية وثقافة الدفع الإلكتروني والتكنولوجيا المالية في فلسطين، قامت سلطة النقد بالإستثمار في البنية التحتية لأنظمة الدفع الإلكترونية وعملية التحول الرقمي في القطاع المصرفي، والتي كان من أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في فلسطين، والإستراتيجية الوطنية لتطوير وسائل الدفع الإلكتروني، التي تستهدف تطوير وسائل الدفع بالتجزئة من خلال تطوير البنية التحتية لأنظمة وأدوات الدفع الإلكترونية في فلسطين وخفض المخاطر المرتبطة بعدم وجود عملة وطنية ومكافحة تبييض الأموال.
وإنسجاماً مع هذه التوجهات، قامت سلطة النقد مؤخراً بمنح تراخيص لمجموعة من شركات الدفع لتقديم خدمات الدفع الإلكتروني، بما يشمل المحفظة الإلكترونية وبطاقات الدفع المسبق، وتنظيم خدمات وأوامر الدفع، وإصدار التعليمات المنظمة لعملها بما يضمن حماية حقوق مستهلكي هذه الخدمات.
بالإضافة إلى الأنظمة التي يجري العمل عليها حالياً مثل نظام الدفع الفوري لتسهل عملية تحويل الأموال بشكل فوري بين حسابات العملاء، ونظام عرض وتحصيل الفواتير الإلكتروني، الذي سيربط جميع المفوترين بأدوات الدفع من خلال واجهة موحدة، وإتاحة تلك الوسائل لكافة المواطنين والتجار في متاجرهم ومنشآتهم الإقتصادية.
كما قامت سلطة النقد بإستحداث قسم خاص في هيكلها التنظيمي للتكنولوجيا المالية والإبتكار وآخر للشمول المالي، بهدف تعزيز العلاقة مع مسرعات وحاضنات الأعمال وتقديم النصح والمشورة للأفكار الجديدة المعروضة التي تخص التكنولوجيا المالية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الهيئات الدولية بهدف الإطلاع والإستفادة من التجارب الدولية في مجال التكنولوجيا المالية.
* تتجهون في سلطة النقد نحو ترخيص بنوك رقمية لتوسيع نطاق التعاملات المالية الإلكترونية، بالتوازي مع سعي الحكومة لإطلاق منصة الخدمات الحكومية الإلكترونية، في سياق التحوُّل الرقمي، ماذا تحقق من هذه الإستراتيجية، وما هي المخاطر التي تواجهونها على صعيد القرصنة والجرائم الإلكترونية؟
– شهدت السنوات الماضية، توجُّه غير مسبوق نحو التقنيات المالية، غيّرت إلى حد كبير من الخارطة التقليدية للعمل المصرفي، وحوّلت الكثير من الأعمال المالية التقليدية نحو الوسائل والأساليب الحديثة. فلم يعد المصرف هو ذلك المكان المخصص الذي يذهب إليه طالب الخدمة المالية بهدف الحصول عليها، بل أصبحت الخدمات تأتي حيثما كان طالبها دون الحاجة للتعامل مع الإنسان، وأصبح بالإمكان القيام بكافة العمليات والخدمات المالية عبر منصة إلكترونية بالكامل.
وتسعى سلطة النقد إلى زيادة التنافسية في القطاع المصرفي الفلسطيني، وزيادة عدد اللاعبين من خلال السماح للبنوك الرقمية من العمل في السوق الفلسطينية، والإنفتاح على العالم الخارجي لما لذلك من تأثير إيجابي على تكلفة الخدمات.
وحتى تضمن سلطة النقد عملية إطلاق ناجحة لعمل البنوك الرقمية في فلسطين، تركز جهودها في الوقت الراهن على إستكمال البنية التحتية المناسبة للمدفوعات الإلكترونية والمصارف الرقمية، سواء من حيث تعزيز الإطار القانوني والتشريعي، أو من حيث التحول نحو الرقابة الإلكترونية أو من حيث توفير الخبرات والكفاءات البشرية، وخصوصاً في مجال تقنية المعلومات وتعزيز قدرات أمن المعلومات (الأمن السيبراني)، وحمايتها من الجرائم والقرصنة الإلكترونية، إضافة إلى تهيئة المجتمع والعملاء لتقبل واستيعاب مثل هذا النوع من المصارف والأهداف والغايات المنشودة منها.
* ما هو رأيك في تكريم الدكتور زياد فريز كأفضل محافظ لعام 2021؟
– الدكتور زياد فريز من الشخصيات العربية التي تركت بصمات مهمة في شتّى الميادين والمجالات التي تواجد فيها. ويأتي هذا التكريم لشخص الدكتور زياد فريز تتويجاً لمسيرته المهنية بشكل عام والمصرفية بشكل خاص.