تُدير أصولاً بـ 4.4 تريليونات دولار وقاعدة ودائع بـ 2.8 تريليون دولار
الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح:
قروض المصارف العربية تُعادل الناتج الإجمالي للمنطقة
لفت الأمين العام لإتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح إلى «أن معظم دولنا العربية باتت أكثر حاجة في الوقت الحالي إلى بدء تطبيق وتفعيل برامج التطوير والتحوُّل الإقتصادي والإستدامة المالية فيها. وفي ظل تراجع إمكانات الدولة على التمويل بسبب تزايد عبء الديون السيادية، لا شك في أن التحوّل الإقتصادي في دولنا العربية يحتاج إلى مشاركة جدّية ومساهمة كبيرة من قبل القطاع الخاص العربي، وفي مقدّمه القطاع المصرفي، الذي يحوز على جزء كبير من مدّخرات الشركات والأفراد في الدول العربية. وتالياً، فإن جزءاً من التمويل اللازم لسياسات الإصلاح والتحوّل الإقتصادي والتنمية المستدامة، يُمكن الحصول عليه محلياً، عبر آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تُمثّل اليوم أحد أهم آليات التمويل في العديد من الدول».
وأوضح د. فتوح «أن المصارف والمؤسسات المالية العربية تشهد تغييرات كبيرة في نماذج أعمالها من خلال التوسُّع في تبني التكنولوجيا والإستثمار في بنيتها التحتية، وفي كثير من الحالات خلال الدخول في شراكات التكنولوجيا المالية الناشئة Fintech Startups، لتحسين قدرتها التنافسية وزيادة الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية».
تحدث د. فتوح في حديث مع صحيفة «البلاد»، تنشره مجلة «إتحاد المصارف العربية»، لمناسبة إعلان مؤسسة «البلاد» الإعلامية، إطلاقها قائمة أكبر 10 بنوك بحرينية للعام 2023، قائلاً إنه «يوجد حالياً نحو 450 مؤسسة مصرفية تعمل في المنطقة العربية، حيث إن تقديرات الإتحاد تُبيّن أن هذه المصارف تدير أصولاً إجمالية تبلغ نحو 4.4 تريليونات دولار، مع قاعدة ودائع بنحو 2.8 تريليون دولار»، مشيراً إلى «أن إجمالي أصولها تُمثل نحو 150% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، والودائع نحو 95% من الناتج»، مؤكداً «أن المصارف في المنطقة العربية تلعب دوراً حاسماً في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في بلدانها، نظراً إلى الدور المحدود لآليات التمويل الأخرى، بما في ذلك أسواق رأس المال».
وأوضح د. فتوح «أن إجمالي القروض التي قدّمتها المصارف العربية للقطاعين العام والخاص العربية، تتجاوز 2.8 تريليون دولار، تمثل نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، كما أن القطاع يُوفّر فرص عمل لأكثر من 600 ألف شخص».
وقال د. فتوح: «رغم الأزمة غير المسبوقة التي واجهت الدول العربية والمتمثلة بجائحة كورونا، والتي أصابت جميع المرافق الإقتصادية دون إستثناء، إلاّ أن المصارف العربية إستطاعت عبر جهود جبّارة مواجهة تلك الأزمة، وإستمرت في تسجيل أداء جيد، سواء كان متمثلّاً بالنمو أو جودة الأصول أو الربحية».
عن توقعات الإتحاد لمستقبل القطاع المصرفي، والإتجاهات الرئيسة التي تُحدّد مستقبل القطاع في العالم العربي، قال د. فتوح: «تشهد الصيرفة في المنطقة العربية، راهناً، تطورين رئيسيين يتمثّلان في التحوُّل الرقمي المتسارع، وفي إدماج ما يُسمّى بـ «الإستدامة» والتمويل المستدام والأخضر في نماذج أعمال المصارف، وتم إعطاء دفعة كبيرة للتحوّل الرقمي في ظل إنتشار جائحة «كوفيد19»، خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى عوامل إقتصادية وتشغيلية أخرى، وسوف يؤدي التحوّل الرقمي المتسارع في المصارف العربية إلى تحوّلات جذرية في العمل المصرفي في منطقتنا، حيث ستنشأ مصارف رقميّة جديدة، بينما نشهد إندماجات بين المصارف القائمة. كما أننا نشهد بالفعل إستثمارات كبيرة تقوم بها المصارف العربية في بُنيتها التحتيّة التكنولوجية والرقمية، وصولاً إلى إنشاء «أذرع مصرفية رقمية». أما في ما يخص الإستدامة، فإن تحدّيات التحوّل المناخي والسعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تفرض إدماج عناصر الإستدامة المالية في الإستراتيجيات التمويلية للمصارف العربية».
عن الخطوات التي يتخذها إتحاد المصارف العربية لدعم تطوير المصارف العربية، أوضح د. فتوح «لقد شكّل الإتحاد منذ تأسيسه في العام 1974 في العاصمة اللبنانية بيروت، مرجعاً أساسياً للمجتمع المصرفي والمالي العربي، ونقطة تواصل بين المصارف العربية، ويعمل على توثيق أواصر التعاون بينها والتنسيق بين نشاطاتها، وإبراز كيانها العربي تحقيقاً لمصالحها المشتركة. وإنطلاقاً من رؤيته، حرص الإتحاد على أن يكون المنظمة المصرفية والمالية الرائدة على مستوى العالم العربي، بحيث يعمل على الإرتقاء بالصناعة المصرفية والمالية العربية إلى مستوى مهني متقدّم. ويرتكز عمل الإتحاد منذ البداية على مواكبة التطوُّرات الإقتصادية والمالية العربية، كما يحرص على أن يكون مركزاً مرجعياً للمجتمع المصرفي والمالي العربي. وتتمثّل الأهداف الأساسية للإتحاد في دعم الروابط وتوثيق أواصر التعاون بين المصارف العربية تحقيقاً لمصالحها المشتركة، وتطوير العمل المصرفي والتمويلي في الدول العربية، وزيادة فعّالية الدور الذي تقوم به المصارف ومؤسسات التمويل العربية في دفع عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية. وحالياً، وفي إطار جهود إتحاد المصارف العربية الرامية إلى المساهمة بفاعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تعزيز وتطوير التعاون المصرفي العربي، ووضعه في خدمة أهداف التنمية، سيقوم بإطلاق العديد من المبادرات والأنشطة بالتعاون مع أهم المنظمات الإقليمية والدولية التي تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وترتبط هذه المبادرات والأنشطة بأهداف القضاء على الفقر، وضمان جودة التعليم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز العمل اللائق للجميع، وتطوير القدرات التكنولوجية، ومكافحة تغيُّر المناخ وآثاره.
من جهة أخرى، وفي إطار جهود إتحاد المصارف العربية الرامية إلى المساهمة بفاعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تعزيز وتطوير العمل المصرفي العربي وتوجيهه إلى المساهمة في دعم التنمية المستدامة، أطلق الإتحاد العديد من المبادرات والأنشطة خلال العام 2022، بالتعاون مع عدد من أهم المنظّمات الإقليمية والدولية، كالأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية OECD، والتي تُساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد إرتبطت مبادرات وأنشطة الإتحاد بأهداف القضاء على الفقر، وضمان جودة التعليم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز العمل اللائق للجميع، وتطوير القدرات التكنولوجية، ومكافحة تغيُّر المناخ وآثاره، ولتنفيذ ذلك، تركزت مبادرات وفعّاليات إتحاد المصارف العربية خلال العام 2023 – 2024 والتي تضمُّ البحوث والدراسات والقواعد الإرشادية للمصارف الأعضاء، والمؤتمرات والمنتديات وورش التدريب، حول أهداف التنمية المستدامة، إلى جانب النشاطات التقنية المتعلقة بالعمل المصرفي البحت».
وكيف يُمكن للمصارف العربية الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتحسين الخدمات المصرفية المقدّمة للعملاء؟ أوضح د. فتوح «يُعدُّ التطوُّر الرقمي من أهم ركائز مستقبل القطاع المالي والمصرفي، حيث يتّجه العملاء بشكل متزايد نحو تنفيذ معاملاتهم المصرفية من خلال التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية. وشكّل قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات الماضية، ثورة في الأنظمة المالية العالمية والعربية، حيث نجحت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية في تقديم حزمة متنوّعة من الخدمات المالية تتضمّن خدمات المدفوعات والعملات الرقمية، وتحويل الأموال، كذلك الإقراض والتمويل الجماعي، وإدارة الثروات، بالإضافة إلى خدمات التأمين. لذا، تسعى المصارف والمؤسسات المالية العربية حالياً إلى إدخال تغييرات في نماذج أعمالها من خلال التوسُّع في إعتماد التكنولوجيا والإستثمار في البنية التحتية الخاصة بها، وربما الدخول في الشراكات الناشئة لتحسين قدراتها التنافسية وزيادة الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية. لكن، وفي حين أن هناك فوائد واضحة من التكنولوجيا المالية والتحوُّل الرقمي، تُواجه المصارف والجهات الرقابية تحدّيات الحفاظ على مستوى إدارة المخاطر نفسه، وعلى معايير الرقابة والحماية لقنوات التوصيل الجديدة الناشئة التي تقدمها المؤسسات المالية عبر التكنولوجيا المالية.
ولمواكبة التطورات الرقمية والتكنولوجية المصرفية العالمية، أطلق إتحاد المصارف العربية في بداية مايو (أيار) 2023، من خلال معهد إدارة المخاطر المالية والمصرفية التابعة له، برنامجاً تدريبياً عالي المستوى، موجّهاً للقيادات المصرفية العليا، تحت عنوان «التطوُّرات الرقميّة في المصارف»، كما أن المعهد بصدد إطلاق برامج حول التحوّل الرقمي في المصارف، وبرامج حول الأمن السيبراني قريباً.
علماً أن تفشي جائحة «كوفيد 19»، في بداية العام 2020، قد أدّى إلى زيادة التحوُّل الرقمي إلى حد كبير، والذي كان قد بدأ قبل بضع سنوات، فقد أدى إنتشار الجائحة وعمليات الإغلاق الناتجة عن ذلك إلى جعل التحوُّل الرقمي ضرورة لجميع المؤسسات والمنظمات من أجل إستئناف العمليات ومواصلة تقديم الخدمات لعملائها. ومع زيادة الإتجاهات العالمية نحو إعتماد الرقمنة، زاد الإنفاق على البنية التحتية التكنولوجية، خصوصاً الذكاء الإصطناعي بشكل كبير، حيث وعلى سبيل المثال، تجاوز الإنفاق العالمي على هذا النوع من التكنولوجيا في الأعمال مبلغ 50 مليار دولار في العام 2020. ويُتوقع أن يصل إلى 110 مليارات دولار في العام 2024.