منصة صندوق النقد الدولي العالمية للعملات الرقمية للبنك المركزي
الدكتور وسام فتوح
الأمين العام لاتحاد المصارف العربية
يعمل صندوق النقد الدولي على تطوير منصة للعملات الرقمية للبنك المركزي (Central Bank Digital Currency CBDC) من شأنها أن تعزز الشفافية وتجعل التسويات عبر الحدود أرخص وأسهل. من خلال قابلية التشغيل البيني العالمي للمنصة، يمكن للعملات الرقمية للبنوك المركزية أن تساعد في تمكين البلدان من التعامل مع بعضها البعض بشكل أكثر إنصافاً وكفاءة. وقد أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، عن ذلك خلال مؤتمر ضم البنوك المركزية الأفريقية في الرباط في المغرب في 19 يونيو 2023. كما ونُشر الخبر في بيان صحفي لصندوق النقد الدولي بعنوان “المائدة المستديرة رفيعة المستوى بشأن السياسات المتعلقة بالعملات الرقمية للبنك المركزي ورؤية جديدة لدور القطاع العام في النقد والمدفوعات”. ويدعو صندوق النقد الدولي البنوك المركزية إلى الموافقة على إطار تنظيمي مشترك.
تقدم هذه المقالة لمحة موجزة عن مختلف الأهداف والميزات لمنصة صندوق النقد الدولي للعملات الرقمية للبنك المركزي، وبنود السياسات الفعالة للأصول المشفرة التي اقترحها صندوق النقد الدولي، وتعريف صندوق النقد الدولي للنقود الرقمية، واستراتيجية النقد الرقمية لصندوق النقد الدولي، ومساعي صندوق النقد الدولي لتنمية القدرات في مجال العملات الرقمية للبنك المركزي IMF CBDC Capacity Development (CD)، ودعوة صندوق النقد الدولي لاتبّاع نهج عالمي في عصر النقود الرقمية، ووجهة نظر صندوق النقد الدولي حول مستقبل النقود، ودور صندوق النقد الدولي في إنشاء إطار قانوني للنقود الرقمية وإنشاء البنية التحتية للدفع الرقمي من أجل تعزيز الشمول المالي، والتحديات في استخدام العملات الرقمية في حال عدم وجود وسيلة اتصال مثل الانترنت، وملاحظات مجموعة العشرين (G20) حول الآثار المالية الكلية للأصول المشفرة. ونختتم المقال بنظرة مستقبلية حول إمكانات ومخاطر النقود الرقمية.
خصائص وأهداف منصة صندوق النقد الدولي العالمية للعملات الرقمية للبنك المركزي
يقوم صندوق النقد الدولي بإنشاء منصة تشفير عالمية من شأنها أن تغير المشهد المالي كلياً. الهدف الأساسي للمشروع هو إنشاء بيئة تشجع الشمول المالي، وتزيد من فعالية أنظمة الدفع، وتسريع المدفوعات والتحويلات عبر الحدود. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، قد تغيّر العملات الرقمية للبنك المركزي (Central Bank Digital Currency CBDC) آفاق الوصول الى الخدمات المالية للعديد من الأشخاص المستبعدين الآن من النظام المالي.
إن العملة الرقمية للبنك المركزي تساعد في زيادة القدرة على تحمل تكاليف الخدمات المالية وإمكانية الوصول إليها مع تعزيز متانة شبكات الدفع من خلال تقديم خيارات أسرع وأقل تكلفة للتجارة الدولية. وقد أعرب صندوق النقد الدولي عن مخاوفه بشأن المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي وخصوصية البيانات والمسائل القانونية والتهديدات الإلكترونية إذا لم يتم تطوير العملات الرقمية الجديدة والسيطرة عليها بشكل صحيح، وحث على الابتعاد عن المشاريع الوطنية الفردية المجزأة والسعي بدلاً من ذلك من أجل إنشاء نظام عالمي قابل للتشغيل البيني للحد من هذه المخاطر.
تشدد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، على ضرورة اتباع نهج جماعي موحد فيما يتعلق بالعملات الرقمية للبنوك المركزية. ويناشد صندوق النقد الدولي البنوك المركزية للعمل والانفاق على إطار تنظيمي عالمي للعملات الرقمية واتباع استراتيجية لسد أي فجوات محتملة ناتجة عن التجزئة الوطنية المحتملة بسبب إصدار العملات الرقمية للبنك المركزي. ومن أهم الخطوات في هذا الصدد إنشاء منصة عالمية للعملات الرقمية للبنوك المركزية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.
وتجدر الاشارة الى أن الفرق بين العملة الرقمية للبنك المركزي وسائر العملات الرقمية المشفرة يكمن في إمكانية السيطرة على العملة الرقمية للبنك المركزي في حين أن سائر العملات الرقمية المشفرة لا مركزية بحيث قد لا يمكن السيطرة عليها. وتؤكد كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، على الحاجة إلى عملات رقمية جوهرية مدعومة بالأصول، وترى أن العملات المشفرة، إذا كانت مدعومة بأصول، فهي تتيح فرصة استثمارية مجدية، في حين أنها قد تكون استثماراً “مضاربياً” إذا لم تكن مدعومة بالاصول. كما وتشير مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، الى أن العملات الرقمية للبنوك المركزية لديها القدرة على تعزيز الشمول المالي وجعل التحويلات أرخص، حيث أن متوسط تكلفة تحويلات الأموال يبلغ 6.3٪، أي ما يعادل 44 مليار دولار سنوياً. كما وأفاد المجلس الأطلسي Atlantic Council أن 114 دولة تمثل أكثر من 95٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعزم على إصدار وتطوير العملة الرقمية للبنك المركزي حيث أن هناك 60 دولة في مرحلة متقدمة من التطوير أو التجربة أو الإطلاق للعملة الرقمية للبنك المركزي.
بنود السياسات الفعالة للأصول المشفرة
في 8 فبراير 2023، ناقش المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ورقة مجلس الإدارة حول بنود السياسات الفعالة للأصول المشفرة التي توفر إرشادات للبلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي بشأن الاصول المشفرة. وقد طرحت الورقة الأسئلة التي أثارتها الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بشأن فوائد ومخاطر الأصول المشفرة وكيفية وضع السياسات المناسبة المتعلقة بها. إن بذل الجهود لوضع سياسات فعالة للأصول المشفرة بات من أولوية السياسات الرئيسية للسلطات، في ظل فشل العديد من البورصات والجهات الفاعلة الأخرى داخل نظام التشفير البيئي، فضلاً عن انهيار بعض الاصول المشفرة.
تحدد ورقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي إطاراً يتألف من تسعة بنود يمكن أن تساعد الدول الأعضاء في الاستجابة لوضع سياسية شاملة ومتسقة ومنسقة. هذه االبنود التسعة، التي يشار إليها بالإجراءات السياسية، هي:
1) حماية السيادة النقدية والاستقرار النقدي من خلال تعزيز أطر السياسة النقدية.
2) الحماية من التقلبات المفرطة في تدفق رأس المال والحفاظ على فعالية تدابير إدارة تدفق رأس المال.
3) تحليل المخاطر المالية والكشف عنها واعتماد معاملة ضريبية لا التباس فيها للأصول المشفرة.
4) إنشاء إطار قانوني للأصول المشفرة ومعالجة المخاطر القانونية.
5) تطوير وفرض متطلبات الحيطة والسلوك والرقابة على جميع الجهات الفاعلة في سوق التشفير.
6) إنشاء إطار مشترك للمراقبة عبر الوكالات والسلطات المحلية المختلفة.
7) وضع ترتيبات تعاونية دولية لتعزيز الإشراف وإنفاذ التشريعات المتعلقة بالأصول المشفرة.
8) مراقبة تأثير الأصول المشفرة على استقرار النظام النقدي الدولي.
9) تعزيز التعاون العالمي لتطوير البنى التحتية الرقمية والحلول البديلة للمدفوعات والتمويل عبر الحدود.
من خلال اعتماد البنود المذكورة أعلاه، يمكن لصانعي السياسات التخفيف بشكل أفضل من المخاطر التي تشكلها الأصول المشفرة مع تعزيز الفوائد المحتملة من الابتكار التكنولوجي المرتبط بها.
النقود الرقمية
وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن النقود الرقمية هي التمثيل الرقمي للقيمة. يمكن للقطاع العام إصدار نقود رقمية تسمى العملة الرقمية للبنك المركزي، وهي في الأساس نسخة رقمية من النقد يمكن تخزينها وتحويلها باستخدام تطبيقات الإنترنت أو الهاتف المحمول. يمكن للقطاع الخاص أيضاً إصدار النقود الرقمية. العملات المستقرة هي شكلاً من أشكال النقود الرقمية، مصممة خصيصاً للحد من تقلبات قيمتها. إن الأصول المشفرة، مثل البيتكوين Bitcoin، أسعارها متقلبة.
استراتيجية النقد الرقمي لصندوق النقد الدولي
وفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي، فإن الاهتمام العالمي بالعملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs) مرتفع جداً وبشكل غير مسبوق. هناك مبادرات لإصدار العملات الرقمية للبنك المركزي للبيع بالتجزئة في أكثر من 100 دولة. وقد أطلقت العديد من البنوك المركزية بالفعل برامج تجريبية كما وأصدرت فعلياً عملات رقمية خاصة بها. الا أن العملات الرقمية للبنك المركزي تعتبر موضوعاً جديداً وسريع التطور والخبرات المتوفرة في هذا المجال لا تزال محدودة في العالم.
تمنح استراتيجية النقود الرقمية الخاصة بصندوق النقد الدولي، والتي أقرها مجلسه التنفيذي في يوليو 2021، المؤسسات تفويضاً للمساعدة في ضمان تعزيز دور النقود الرقمية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي المحلي والدولي مما له آثار مهمة على السياسة النقدية، والاستقرار المالي، والنظام النقدي الدولي. ويقوم صندوق النقد الدولي بمراقية تطورات النقود الرقمية ويقدم المشورة بشأنها لجميع الدول الأعضاء.
تنمية القدرات في مجال العملة الرقمية للبنك المركزي
نظراً لصلاحياته وعضويته العالمية، يتمتع صندوق النقد الدولي بمكانة فريدة لتقديم المشورة للبلدان في مختلف المناطق ولمختلف الفئات مهما كان دخلها. وقد قامت أكثر من 40 دولة بالاتصال بصندوق النقد الدولي لطلب المساعدة من خلال تنمية القدرات الخاصة في مجال العملة الرقمية للبنك المركزي.
وقد ركزت جهود صندوق النقد الدولي على تسهيل التعلم في مجال العملات الرقمية للبنك المركزي وتطوير الأسس التحليلية لارشاد الموظفين في البلدان الأعضاء. كما ويسعى صندوق النقد الدولي إلى أن القيام بدور المستشار الموثوق للسلطات القطرية في مجال العملات الرقمية للبنك المركزي.
بالتطلع إلى الأمام، ومع المزيد من التجارب القطرية المتاحة والأدلة التجريبية، يقوم صندوق النقد الدولي بتقديم المشورة ذات القيمة المضافة والمصممة لملائمة ظروف الدول الأعضاء والتي ترتكز بشكل أكبر على العمل التجريبي والتحليلي، وتعزز أوجه التآزر مع المراقبة في كل ما يتعلق بالعملات الرقمية للبنك المركزي. كما ويدعو صندوق النقد الدولي إلى اتباع نهج عالمي في عصر النقد الرقمي.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن ثورة النقود الرقمية تحدث على نطاق عالمي. سوف تتأثر الأسواق الناشئة والبلدان ذات الدخل المنخفض بإدخال الأشكال الرقمية للنقود إنما بمستويات متفاوتة مقارنة مع الاقتصادات الأكبر والأكثر تقدماً. وعلى جميع السلطات والمؤسسات المالية والبنوك الوعي لهذه التغييرات، ويقف صندوق النقد الدولي إلى جانبهم لضمان استمرار النظام النقدي الدولي في العمل ولخدمة جميع البلدان.
كما ويتطلع صندوق النقد الدولي الى القيام بدوراً رئيسياً في العصر الجديد للنقود الرقمية. قد تسهل التكاليف المنخفضة للحصول على الأموال الرقمية وتخزينها وإنفاقها على الأفراد والشركات واستبدال عملتهم المحلية بعملة أكثر استقراراً، لا سيما في البلدان ذات التضخم المرتفع وأسعار الصرف المتقلبة.
تتجاوز الودائع بالعملات الأجنبية 50 في المائة في أكثر من 18 في المائة من البلدان في جميع أنحاء العالم. مع ارتفاع هذا المستوى، يفقد البلد الأم السيطرة على السياسة النقدية. وهذا له تأثير غير متناسب على الأسر الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً، والتي عادة ما تجد صعوبة في تنويع مدخراتها للحماية من التضخم المتقلب.
ويسعى صندوق النقد الدولي الى ترشيد السياسات في البلدان التي توجد فيها مخاطر تدفقات رأس المال إلى الخارج، كما ويسعى الى وضع مبادئ التصميم التي تسمح لسلطات الدولة بتعيين المعايير الأساسية للمحافظ والشبكات للحفاظ على استقرار العملات. ويتم تنسيق مبادئ التصميم هذه على المستوى العالمي للتأكد من أنها تلبي احتياجات جميع البلدان ويمكن تبنيها على نطاق واسع.
تلجأ معظم البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي، ولا سيما الأسواق الناشئة والبلدان ذات الدخل المنخفض، الى إدارة تدفق رأس المال. ويساعد صندوف النقد الدولي في وضع إطار للتدابير اللازمة لإدارة تدفق رأس المال وإستخدام النقود الرقمية. ومن المحتمل أن تزيد النقود الرقمية من إجمالي تدفقات رأس المال مع تقلص تكاليف المعاملات وإتاحة المنتجات المالية على نطاق أوسع.
وتتظافر الجهود الإقليمية في التحول الى الأموال الرقمية، مدفوعة برغبة البلدان في الاستقلال الذاتي مما يغيّر معالم القوى الجيوسياسية حيث تساعد الأموال الرقمية في تعزيز التكامل والتشغيل البيني لأنظمة الدفع. ويسعى صندوق النقد الدولي الى التوصل الى حلول جديدة، مثل منصات التسوية والتبادل متعددة الأطراف، فضلاً عن القواعد و المبادئ المشتركة لتصميم النقود الرقمية لتسهيل المدفوعات عبر الحدود، مثل تدفقات التحويلات، والتي تُعتبر ضرورية للعديد من البلدان المنخفضة الدخل. وعليه يعمل صندوق النقد الدولي بنشاط مع المجتمع الدولي للحفاظ على تكامل أنظمة الدفع والتصدي لتجزئتها.
سيكون لصندوق النقد الدولي دوراً رئيسياً في العصر الجديد للنقود الرقمية إذ أنه يعزز التعاون النقدي الدولي ويقوم بالإشراف على استقرار النظام النقدي الدولي، فضلاً عن المساهمة في الاستقرار الاقتصادي والمالي للدول وتنظيم النقود الرقمية وتصميمها وتوفيرها بطريقة تسمح للبلدان بالحفاظ على سيطرتها على السياسة النقدية والظروف المالية وانفتاح حسابات رأس المال وأنظمة الصرف الأجنبي. كما ويسعى صندوق النقد الدولي الى تطوير وتنمية أنظمة الدفع بشكل متكامل وغير مجزأ، ويعمل لمساعدة جميع البلدان لحمايتهم من آثار الفجوة الرقمية.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن مفتاح بناء مستقبل أكثر إشراقاً هو التعاون بين القطاعين العام والخاص والسلطات والمنظمات الوطنية على الصعيد المحلي والدولي.
مستقبل النقود
أشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إلى أن العالم اليوم لم يعد في مرحلة المناقشات المفاهيمية المتعلقة بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، ولكن نحن في مرحلة التجريبة. تعمل البنوك المركزية اليوم على بناء القدرات لتسخير التقنيات الجديدة لتكون جاهزة للمستقبل. إذا تم تصميم عملات البنوك المركزية الرقمية بحكمة، فمن المحتمل أن توفر مرونة أكبر، ومزيداً من الأمان، وتوافراً أكبر، وتكاليف أقل من سائر الأشكال الخاصة للنقود الرقمية وذلك بالمقارنة مع أصول التشفير غير المدعومة والمتقلبة بطبيعتها. وحتى العملات المستقرة التي تتم إدارتها وتنظيمها بشكل أفضل قد لا تكون بنفس الفائدة كلياً للعملة الرقمية الثابتة والمصممة جيداً من قبل البنك المركزي.
وقد نشر صندوق النقد الدولي مؤخراً ورقة حول تجارب ستة بنوك مركزية، بما في ذلك الصين والسويد في تطوير عملات البنوك المركزية الخاصة بها. تم استخلاص ثلاثة دروس من تجارب البنوك المركزية، التي تم تناولها في الورقة في تطوير عملات رقمية للبنوك المركزية.
الدرس الأول: لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع. لا يمكن تصميم عملة رقمية واحدة وعالمية للبنوك المركزية لأن كل دولة لها اقتصاد مختلف.
الدرس الثاني: الاستقرار المالي واعتبارات الخصوصية لها أهمية قصوى في تصميم عملات البنوك المركزية الرقمية. تلتزم البنوك المركزية بتقليل تأثير عملات البنوك المركزية الرقمية على الوساطة المالية وتوفير الائتمان.
الدرس الثالث: تحقيق التوازن. يتعلق طرح العملات الرقمية لللبنوك المركزية بإيجاد توازن دقيق بين التصميم والسياسة الاستراتيجية. في كثير من الحالات، سيتطلب ذلك شراكات وثيقة مع الشركات الخاصة لتوزيع العملات الرقمية للبنوك المركزية بنجاح، وبناء محافظ إلكترونية، وإضافة ميزات، ودفع عجلة التحول الرقمي. إن السياسة الاستراتيجية لها أهمية قصوى أيضاً، بما في ذلك تطوير أطر قانونية جديدة وتشريعات جديدة ومحاور قضائية جديدة.
الإطار القانوني للنقد الرقمي
تحتاج البلدان إلى زيادة القدرات التنظيمية والإشرافية قبل وصول الابتكارات في وسائل الدفع الرقمية إلى السوق. إن التنظيم والإشراف الدقيق هما مفتاح ترسيخ الثقة في الأشكال الرقمية الجديدة للنقود.
إن الأطر القانونية الواضحة ضرورية جداً لاصدار العملة الرقمية للبنك المركزي. من المرجح أن تتطلب العملات الرقمية للبنك المركزي التكيف مع قانون البنك المركزي والقانون النقدي في البلاد. ويجب أن يوضح القانون العام الوضع القانوني للأموال الصادرة عن القطاع الخاص. يجب أيضاً احتواء المخاطر الأخرى بحيث تتصدى الأشكال الرقمية الجديدة للأموال للهجمات الإلكترونية، وانقطاع التيار الكهربائي، والأعطال التقنية، ومخاطر الاحتيال، والخوارزميات المعيبة. إن الافتقار للتنظيم المناسب يجعل النقود الرقمية ملاذاً آمناً افتراضياً للمعاملات المالية الغير المشروعة للمجرمين. هناك حاجة ملحة إلى وضه وتنفيذ بشكل فعال إطار عمل قوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بواسطة العملات الرقمية. وبالرغم من المخاطر فإن العملات الرقمية توفر أيضاً فرصاً تنظيمية، مثل تحليلات البيانات في الوقت الفعلي والمراقبة الأكثر فعالية.
إن المناهج التنظيمية والأطر القانونية السائدة حالياً مجزأة. هناك القليل من الإرشادات، وتختلف ظروف البلدان اختلافاً كبيراً. وعليه يقوم صندوق النقد الدولي بدوراً رئيسياً في تقديم المشورة بشأن السياسات للبلدان ومساعدة المؤسسات على تطوير مناهج تنظيمية سليمة وتبادل أفضل الممارسات في إصدار العملات الرقمية للبنك المركزي وتداولها.
البنية التحتية للعملات الرقمية من أجل تحقيق الشمولية
في الأسواق الناشئة، يقوم القطاع العام بخطوات لتوفير بنية تحتية للدفع الرقمي. تعد البنية التحتية الرقمية ضرورية للسماح للأسر الفقيرة في المناطق المعزولة بالاتصال بخدمات الدفع الرقمية الجديدة. من المتوقع أن توفر شبكات الأقمار الصناعية العالمية (ستار لينك Starlink و وان ويب OneWeb وغيرها) خدمات النطاق العريض للشبكات التي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع في مختلف البلدان وفي البلدان الذات الدخل المنخفض.
ومن الضروري الاستثمار في البنية التحتية للعملات الرقمية لتمكين الوصول الى العملات الرقمية في المناطق الفقيرة والنائية. يمكن أن يساعد الاستثمار في البنية التحتية العامة على رفع النمو محلياً وخارجياً من خلال الروابط التجارية. هذه الاستثمارات ضرورية لدعم استراتيجية قابلة للتطبيق للدفع الرقمي.
في العديد من البلدان، قد يعني الشمول المالي مقايضات عندما يتعلق الأمر بسياسة الخصوصية والمنافسة. تقوم شركات الدفع الرقمي بشكل متزايد بالتقاط بيانات المستهلك وتحقيق الدخل منها. بدون ضمانات لتقديمها، يمكن للأسر الفقيرة والمشاريع البالغة الصغر تقديم بياناتها، ولكن على حساب خصوصيتها. يجب أن تحقق التشريعات الجديدة التوازن الصحيح بين تحفيز دخول شركات الدفع الجديدة إلى السوق والحد من هيمنتها.
الاتصال للوصول الى العملات الرقمية
في العديد من المناطق، قد يكون الانترنت المجاني أمر جيد لتعزيز الوصول الى العملات الرقمية للبنك المركزي. فيما تتظافر جهود البنوك المركزية في العالم لتطوير العملات الرقمية، تركز جميع الأبحاث والتجارب على التكنولوجيا القائمة على الإنترنت. الا أنه يمكن لأنظمة الدفع الرقمية غير المتصلة بالإنترنت التحقق من توافر الأموال والتحقق من صحة المعاملات دون الحاجة إلى تسجيل الوصول باستخدام دفتر الأستاذ عبر الإنترنت. يمكنهم استخدام الهواتف المحمولة ذات التقنية القديمة التي لا تعتمد على الإنترنت أو شيء من هذا القبيل مثل بطاقة ذات قيمة مخزنة.
في عام 1993، أطلق بنك فنلندا بطاقة القيمة المخزنة أفانت Avant لاجراء الدفع الرقمي دون الاتصال بالإنترنت باستخدام جهاز قارئ بطاقات مصنوع خصيصاً لذلك 2006. كما وقام بنك ناشونال وستمنستر في المملكة المتحدة البريطانية باختبار منصة دفع بدون اتصال بالانترنت مونديكس في عام 1995.
في الآونة الأخيرة، أطلقت العديد من الشركات إصدارات ممائلة لبطاقات أفانت Avant ومونديكس Mondex للتعامل مع المدفوعات غير المتصلة بالإنترنت. يقوم المستخدمون بإرسال الأموال واستلامها عن طريق تبادل رموز التفويض متعددة الأرقام، إما يدوياً أو باستخدام اتصالات المجال القريب (Near Field Communication NFC). وفي بعض الاحيان هناك حاجة لأجهزة وسيطة مثل الهواتف المحمولة أو اتصالات عبر الإنترنت لتسوية المعاملات بالكامل.
الآثار المالية الكلية للأصول الرقمية المشفرة
تُشير مذكرة مجموعة العشرين (G20) الى الآثار المالية الكلية للأصول الرقمية المشفرة والتكاليف والفوائد المحتملة لها بالإضافة إلى الأسئلة المفتوحة واحتياجات البيانات فيما يتعلق بهذه الاصول. تركز مذكرة مجموعة العشرين على الأصول المشفرة غير المدعومة، مثل البيتكوين والعملات المستقرة، والتي قد يكون لها آثار بارزة على الاستقرار المالي الكلي إذا تم تبنيها على نطاق واسع. وذلك مع الاخذ في الاعتبار ثلاثة أنواع من التداعيات: (1) الاستقرار الداخلي، (2) الاستقرار الخارجي، و (3) هيكل الأنظمة المالية.
تكشف مذكرة مجموعة العشرين أن الفوائد من الأصول الرقمية المشفرة تشمل جعل المدفوعات عبر الحدود أرخص وأسرع، وجعل الأسواق المالية أكثر تكاملاً، وزيادة الشمول المالي، الا أن هذه الفوائد كلها لم تتحقق بعد. يمكن أن تكون التقنيات الأساسية مفيدة، بما في ذلك للقطاع العام. ومع ذلك، فإن الانتشار الواسع لأصول العملات الرقمية المشفرة يحمل في طياته مخاطر كبيرة على فعالية السياسة النقدية، وإدارة أسعار الصرف، وتدابير إدارة تدفق رأس المال، فضلاً عن الاستدامة المالية. علاوة على ذلك، قد تكون هناك حاجة لإجراء تغييرات على ممتلكات احتياطي البنك المركزي، وشبكة الأمان المالي العالمية، مما يؤدي إلى عدم استقرار محتمل.
خاتمة
يرى صندوق النقد الدولي أن الأشكال الرقمية للنقود سيكون لها فوائد كثيرة لاقتصادات الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض إذا تمت إدارة التحول الى النقد الرقمي وتنظيمه بشكل جيد.
إن النقود الرقمية لديها القدرة على إجراء تحوّل جذري في القطاع المالي. وستستفيد الأسواق الناشئة والبلدان ذات الدخل المنخفض من هذا التحول. إن الوصول الواسع وغير المكلف إلى الأموال الرقمية والمعاملات عبر الهاتف يمكن أن يفتح الباب أمام الخدمات المالية لاكثر من 1.7 مليار شخص ليس لديهم حسابات مصرفية تقليدية وفق إحصائات صندوق النقد الدولي. كما ويساعد في ربط البلدان ببعضها البعض، مما يسهل التجارة وتكامل الأسواق وله تأثير كبير على العالم ككل. ولكن مع الفرص تأتي المخاطرومنها الفجوة الرقمية، والتجزئة واستبدال العملة المحلية وفقدان فاعلية السياسة المالية. يجب أن تتم إدارة عملية الانتقال الى النقد الرقمي بشكل جيد وتنسيقها وتنظيمها بشكل سليم.
هناك العديد من المخاطر المرتبطة بالنقود الرقمية تبعاً لظروف الدول. على الصعيد العالمي، لا يزال اعتماد النقد الرقمي منخفض بشكل عام. ومع ذلك، فإن التبني للنقد الرقمي يزداد في الانتشار بالفعل في بعض البلدان، وقد تؤدي رقمنة الأصول المالية والحقيقية إلى تحفيز الطلب على النقود الرقمية. وعلى جميع الدول النظر بعناية في الآثار المالية الكلية المترتبة على زيادة الاعتماد العالمي على الأموال الرقمية. قد تكون الفوائد نظرية بينما تتحقق المخاطر بالفعل.