كشف تقرير صادر عن شركة ABK Capital، الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي الكويتي، أن سوق الطروحات العامة الأولية في الخليج اتجه عكس التيار العالمي تماماً في 2022. ففي حين شهد أسوأ انكماش عالمي منذ 14 عاماً، سجلت الاكتتابات العامة في الخليج ثاني أعلى مستوى لها على الإطلاق، والأعلى منذ 2019 الذي شهد طرح عملاق النفط «أرامكو» في السعودية.
وأشار تقرير ABK Capital إلى أن قيمة الاكتتابات العامة في 2022 وصلت إلى 22.6 مليار دولار، وفق بيانات «بلومبيرغ»، لتتجاوز ثلاثة أضعاف حصيلة العام الأسبق، مدفوعة بالطروحات في السوقين السعودي والإماراتي بشكل خاص، فيما ظل نشاط الطروحات محدوداً في السوقين الكويتي والقطري.
وبعد أن كانت الأسواق الخليجية لا تشكل أكثر من %1.1 من سوق الطروحات العامة الأولية عالمياً في عام 2021، ارتفعت حصتها إلى %10.9 في 2022، لتكرّس منطقة الخليج نفسها رقماً صعباً في سوق الطروحات على المستوى العالمي.
وللمرة الأولى في التاريخ، يقترب حجم سوق الاكتتابات العامة في الخليج من حجمه في الولايات المتحدة، إذ لم يتجاوز في هذه الأخيرة 23.9 مليار دولار في 2022، بعد أن كان قد اقترب من 340 مليار دولار في 2021، نتيجة لطفرة «شركات الشيكات على بياض» SPACs، التي أدخلت عشرات الشركات إلى بورصة نيويورك في ذلك العام.
وبيّن التقرير أن السعودية كانت الأكثر نشاطاً في سوق الطروحات الأولية، إذ جمعت الاكتتابات العامة الأولية في السوقين الرئيسي والموازي (نمو) 38.3 مليار ريال، من ضمنها 37 مليار ريال بالسوق الرئيسي، تلاه سوق دبي بنحو 31 مليار درهم، ثم أبوظبي بنحو 16 مليار درهم. مع العلم أن رقمي السعودية وأبوظبي يتقاطعان في الإدراج المزدوج لشركة أمريكانا.
أسباب النشاط القوي
لاحظ تقرير ABK Capital أن النشاط القوي لسوق الطروحات الأولية يعود إلى أسباب عديدة، أهمها على مستوى الاقتصاد الكلي واستفادة الاقتصادات الخليجية من ارتفاع أسعار النفط إثر اندلاع حرب أوكرانيا، وأزمة الطاقة التي استتبعتها. كما ساهمت في انتعاش الطروحات الأولية برامج طرح الشركات الحكومية. وقد كان هذا هو العنوان الأبرز للطروحات في سوق دبي تحديداً، إذ أعلنت حكومة دبي عن برنامج لطرح عشر شركات حكومية في السوق المالي، تم تنفيذ أربعة منها بالفعل، هي «ديوا» و«سالك» و«إمباور» و«تيكوم»، إضافة إلى الشركات المملوكة لكيانات حكومية، مثل «أمريكانا» التي يساهم فيها صندوق الاستثمارات العامة السعودي بنسبة %50، وشركة «علم» التابعة للصندوق السعودي نفسه، وشركتي الحفر العربية و«لوبريف» التابعتين لـ«أرامكو»، إضافة إلى «بروج» التابعة لشركة النفط الحكومية «أدنوك» في أبوظبي.
وربما يكون غياب الإدراجات الحكومية أو شبه الحكومية هو ما يفسر عدم مواكبة السوقين الكويتي والقطري لزخم الطروحات الأولية في الخليج. إذ اقتصرت الطروحات في الكويت على شركة علي الغانم وأولاده للسيارات، التي جمع اكتتابها العام 99 مليون دينار، وتمت تغطيته بنحو 11 مرة. فيما ينتظر طرح عدد من الشركات في 2023.
ويضاف إلى ذلك ضعف سوق الطروحات الأولية في الأسواق المتقدمة، وخصوصاً في الولايات المتحدة، في ظل رفع معدلات الفائدة وتراجع أسواق الأسهم، مما دفع المستثمرين الدوليين إلى البحث عن أسواق بديلة. وهذا ما ساهم أيضاً في قوة سوق الطروحات الأولية في الصين.
هل يستمر الزخم في 2023؟
أشار تقرير ABK Capital إلى أن النصف الثاني من 2022 شهد ضعفاً ملحوظاً في أداء الأسهم المدرجة حديثاً تزامناً مع تراجع أسعار النفط والضغط على الأسواق بشكل عام، إذ إنّ عدداً من أسهم الشركات، التي تم طرحها للاكتتاب العام، تراجعت دون سعر الطرح العام. وربما ساهمت في ذلك أيضاً قرارات رفع الفائدة التي أدّت إلى ارتفاع السايبور في البنوك السعودية إلى أعلى مستوياتها منذ ما قبل 2008، مما يؤشر إلى انخفاض منسوب السيولة في النظام المالي. وكانت الإشارة اللافتة إلغاء طرحين عامّين في السعودية خلال الربع الأخير من عام 2022، أحدهما لشركة الريان المتقدمة، بسبب عدم تغطية الأسهم المطروحة، والآخر لشركة «الرمز العقارية» قبل أن يبدأ الاكتتاب.
والمفارقة أن جميع الشركات التي تم طرحها للاكتتاب العام السنة الماضية تلقت طلبات كثيفة في اكتتاباتها العامة، وتمت تغطيتها بأضعاف كثيرة. وجميعها بلا استثناء تم تسعير طروحاتها عند الحد الأعلى للنطاق السعري. ولاحظ تقرير ABK Capital أن تسعيرات الطروحات الأولية لم تكن بذاك السخاء للمستثمرين إذ إن الغالبية العظمى من تلك الأسهم تم تسعير طروحاتها بأكثر من 20 ضعف الربحية. إلا أن بعض الشركات عوضّت ذلك بالالتزام بحد أدنى للتوزيعات لا يقل عن %5 من سعر الطرح، كما في حالة «ديوا»، أو أكثر من ذلك، كما في طرح «سالك»، وذلك لإبقاء الطروحات في موقع التنافس مع العوائد المرتفعة التي باتت توفرها أدوات الدخل الثابت في بيئة الفائدة المرتفعة.
عوامل الدعم.. موجودة
أشار تقرير ABK Capital إلى أن العديد من عوامل الدعم ما زالت موجودة، ومنها استمرار برامج الإدراجات الحكومية، لا سيما في الإمارات. ففي دبي، سبق للحكومة أن أعلنت نيتها إدراج عشر شركات حكومية، وقد تم بالفعل الطرح العام لأربعٍ منها، هي «ديوا» و«تيكوم» و«سالك» و«إمباور»، ومن المتوقع أن يستأنف البرنامج هذا العام. أما في أبوظبي، فمن أبرز الطروحات المنتظرة وحدة الغاز التابعة لـ «أدنوك»، وعملاق صناعة الألمنيوم «الإمارات للألمنيوم».
أما في السعودية، فما زالت هناك عشرات طلبات الإدراج قيد الدرس لدى هيئة أسواق المال، ولا بد من مراقبة دينامية السوق لمعرفة ما إذا كانت الشركات، التي تستعد للطرح، ستعيد حساباتها في ضوء مستجدات السوق. يضاف إلى ذلك إمكانية انتقال نشاط الطروحات إلى أسواق أخرى، مثل الكويت وقطر، وللإشارة فإن السوق القطري افتتح الطروحات العامة الأولية لعام 2023 بشركة «ميزة» التابعة لـ«أوريدو»، وكان هذا الاكتتاب العام الأول، الذي ينفذ بطريقة بناء سجل الأوامر، مما يعطي مجالاً لنشاط الاكتتابات هذا العام.