لماذا يجب أن تكون البنوك المركزية مستقلة؟
(سي ان بي سي)-11/07/2024
كثيرا ما يذكرنا جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي، بأن “الاقتصاد لا يعمل لصالح أي شخص بدون استقرار الأسعار”.
والواقع أنه عندما لا يضطر الناس إلى القلق بشأن خسارة أموالهم لقيمتها، يمكن لريادة الأعمال وخلق فرص العمل أن تزدهر.
وتعرض استقرار الأسعار لاختبار خطير في السنوات الأخيرة. فقد أثرت جائحة كوفيد-19 سلباً على التجارة العالمية وسلاسل التوريد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع أنواع السلع. وفي الوقت نفسه، أطلقت تدابير التحفيز الحكومية ذات الأبعاد الهائلة العنان للطلب المتزايد على السلع والخدمات، الأمر الذي ساعد أيضاً في دفع الأسعار إلى الارتفاع.
ومنذ ذلك الحين، أدت التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى تزايد التفتت، حيث واجهت تدفقات السلع والخدمات عبر الحدود قيوداً أكبر. ونتيجة لهذا ظلت الضغوط التضخمية في معظم أنحاء العالم مرتفعة، ويبدو من غير المرجح أن تتبدد هذه الضغوط بالكامل في أي وقت قريب.
وتاريخيا، فإن البنوك المركزية المستقلة، القادرة على إدارة السياسة النقدية بمعزل إلى حد كبير عن التدخل السياسي، أثبتت قدرتها القوية على إدارة التضخم. ويُعَد استقلال البنوك المركزية بلا شك أفضل هيكل حوكمة للسياسة النقدية على الإطلاق، كما يتضح من تجربة الأسواق الناشئة في العقود الأخيرة.
ويمكن تتبع نشأة استقلال البنوك المركزية في الأسواق الناشئة عبر عدة عقود، إذ تميزت ثمانينيات القرن العشرين بإعادة هيكلة الديون في العالم الناشئ. وانقطعت العديد من البلدان، بما في ذلك معظمها في أميركا اللاتينية، عن التمويل الخارجي وواجهت أسواق رأس المال المحلية الضحلة، وبالتالي لجأت إلى بنوكها المركزية لتمويل عجز حكوماتها. ولقد أعقب ذلك بيئة مؤلمة من التضخم المرتفع للغاية والنمو الاقتصادي المنخفض، والتي أطلق عليها منذ ذلك الحين “العقد الضائع”.
وفي تسعينيات القرن العشرين، أعادت الأسواق الناشئة مثل المكسيك وبيرو وبولندا ضبط سياستها الاقتصادية بشكل جذري من خلال رحلة طويلة وشاقة من الإصلاح الاقتصادي. وكان من بين العناصر الأساسية لهذه الإصلاحات منح الاستقلال لبنوكها المركزية، الأمر الذي سمح للعديد منها بتبني نظام “استهداف التضخم”، وهذه هي ممارسة تعديل السياسة النقدية لتحقيق معدل سنوي محدد للتضخم.
وببطء ولكن بثبات، شهدت هذه الاقتصادات تحولاً اقتصادياً ومالياً صارخاً. لدرجة أنه خلال أحدث ارتفاع في التضخم العالمي، قادت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة الطريق عندما يتعلق الأمر بتعديل السياسة النقدية. فقد شددت البنوك المركزية في بلدان مثل البرازيل والمجر وتشيلي أولاً ثم خففت سياستها النقدية قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي بوقت طويل.
وعلى العكس من ذلك، كان أداء الأسواق الناشئة التي أخضعت بنوكها المركزية للتدخل السياسي أسوأ كثيراً. فقد عانت دولا مثل الأرجنتين وفنزويلا من التضخم المفرط والركود الاقتصادي خلال نفس الفترة، حيث وجهت حكوماتهما البنوك المركزية مرارًا وتكرارًا لطباعة النقود لتمويل الإنفاق المالي الضخم على مدى العقدين الماضيين.
وفي الآونة الأخيرة، تم دفع البنك المركزي البرازيلي إلى دائرة الضوء السياسية من قبل ساسة البلاد، بعدما تعرض لضغوط سياسية متزايدة مؤخرًا لتعميق تخفيضات أسعار الفائدة من أجل تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي.
وحتى خارج الأسواق الناشئة، كانت هناك تقارير مثيرة للقلق بشكل خاص تفيد بأن استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي موضع تساؤل في عام مشحون بالانتخابات في الولايات المتحدة. ويظل الدولار الأميركي والأسواق المالية الأميركية حجرا الأساس للنظام المالي العالمي؛ وأي فقدان مفاجئ للثقة فيهما من شأنه أن يلحق ألما اقتصاديا وماليا شديدا في جميع أنحاء العالم.