من روبوتات المحادثة إلى التنبؤات المالية: الذكاء الاصطناعي يرسم مستقبل الخدمات المصرفية
(النهار)-16/07/2024
للقطاع المصرفي نصيب كبير من فورة الذكاء الاصطناعي (AI) الذي يتحول قوة محركة في مختلف القطاعات الاقتصادية. فبفضل التطور السريع الذي تشهده أدوات هذا الذكاء الاصطناعي، صارت البنوك والمؤسسات المالية أقدر من الماضي على تحسين خدماتها، وزيادة كفاءتها، وتعزيز رضا عملائها.
تفعيل الأتمتة
يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تحسين تجربة العملاء بتوفير خدمات مخصصة وسريعة. فالبنوك اليوم تعتمد على روبوتات المحادثة (chatbots) لتقديم الدعم الفوري لعملائها بتسريع مدة الاستجابة والإجابة عن استفساراتهم على مدار الساعة.
وبفضل التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، يمكن الذكاء الاصطناعي تحليل سلوك العملاء وتقديم توصيات مخصصة تناسب احتياجاتهم المالية، بحسب ما يقول رودي شوشاني، الخبير في التحول والحوكمة الرقمية، لـ”النهار”، مضيفاً أن هذا الذكاء الاصطناعي يساهم في تحسين الكفاءة التشغيلية للبنوك “بأتمتة العمليات الروتينية وتقليل الأخطاء البشرية، ومن أهمّ الأدوات التي تستخدمها المصارف أداة UiPath، التي تعمل على أتمتة العمليات الروبوتية (RPA)”.
يمكن الذكاء الاصطناعي تنفيذ مهمات محددة مثل معالجة البيانات، وإدارة الحسابات، ومراقبة الأنظمة، بشكل أسرع وأدق من البشر، إلى جانب تطوير أنظمة تسيير التحويلات. وهذا يسمح للبنوك بتخصيص المزيد من الوقت والموارد لتحسين خدمات العملاء وتطوير الأعمال
أمن البيانات
إلى ما سبق، يساعد الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن عمليات الاحتيال بتحليل كميات ضخمة من البيانات لتحديد الأنماط والسلوكيات غير الطبيعية. ويشرح شوشاني: “تعتمد الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي على خوارزميات التعلم الآلي للكشف عن الأنشطة المشبوهة، مثل محاولات الاحتيال على البطاقات الائتمانية والمعاملات المالية غير المعتادة. فترسل الأنظمة تنبيهات أمنية فورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة قبل تفاقم الضرر”.
كذلك، تستخدم المصارف أنظمة الذكاء الاصطناعي للتعرف على التهديدات السيبرانية وتحليلها بشكل مستمر. وبحسب شوشاني، يمكن الذكاء الاصطناعي تحديد محاولات الاختراق والهجمات السيبرانية بمراقبة الشبكات وتحليل البيانات الواردة والصادرة، وتقوم هذه الأنظمة بتحديث نفسها لتتكيف مع التهديدات الجديدة، وتوفر حماية فعالة ضد الهجمات السيبرانية المتطورة.
وتتّسع مساهمة الذكاء الاصطناعي في تحسين تقنيات التشفير وحماية البيانات المصرفية الحساسة. يقول شوشاني لـ”النهار”: “يمكن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي توليد مفاتيح تشفير قوية، وتحليل نقاط الضعف في بروتوكولات التشفير الحالية، وتساعد في مراقبة الوصول إلى البيانات والتأكد من أن البيانات الحساسة حسنة التشفير، ومنيعة على الاختراق”.
ويضيف: “يلعب هذا الذكاء دورًا مهمًا في تحسين أنظمة إدارة الهوية والوصول (IAM)، حيث يمكن الأنظمة الذكية تحديد الهوية البيومترية للمستخدم ببصمات الأصابع، وشكل الوجه، ونبرة الصوت”، وهذا يعزز الدقة والأمان في عمليات المصادقة على الهوية، قبل المباشرة بأي عملية مصرفية.
مخاطر وامتثال
إن قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على كشف الأنماط غير المعتادة والنشاطات المشبوهة تخدم إدارة المخاطر والامتثال في المصارف على منع أي غسيل للأموال قبل حصوله، وعلى تأكيد امتثال عمليات المصرف كلها للأنظمة والضوابط المعمول بها داخلياً ومصرفياً، بمراقبة وتحليل البيانات المتعلقة بالامتثال القانوني بشكل مستمر.
يفسّر شوشاني هذا الأمر بالقول: “إن بيانات المصارف ضخمة جداً، ويصعب على الإنسان العادي مراقبتها والتدقيق فيها، حتى لو توافرت الوسائل لذلك. لكن أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة بخوارزمياتها على تنفيذ عمليات التدقيق هذه في وقتها الحقيقي (Real time detection)، وإصدار الأوامر باستجابات فورية تمنع أي تهديد أمني أو عملية مشبوهة”.
وبحسبه، تعتمد الأنظمة الذكية على تقنيات الأتمتة لاتخاذ إجراءات فورية مثل حظر الوصول إلى الحسابات المشبوهة، وتفعيل إجراءات الأمان الإضافية، وتنبيه الفرق الأمنية، “وهذا يقصّر وقت الاستجابة بشكل كبير، ويحد بالتالي من الأضرار المحتملة”.
توقعات مجدية
إن كان الذكاء الاصطناعي قادراً على مراقبة تدفق البيانات الهائلة في المصرف وتحليلها، “فهو قادر أيضاً على قراءتها، وتحليل مضامينها، وتتبع أنماطها، لاستخراج المعلومات الملائمة لاستشراف قصير ومتوسط الأجل، وهذا مفيد جداً في حسن اتخاذ القرارات الاستراتيجية”، كما يقول شوشاني، مضيفاً: “تستخدم البنوك اليوم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التاريخية والتنبؤ بالاتجاهات المالية المستقبلية. هذا يساعدها على تحسين إدارتها للأصول والأوراق المالية، وإمداد المستثمرين بتوقعات مجدية لاستثماراتهم”.
إلى ذلك كله، يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير منتجات وخدمات مصرفية جديدة، تلبي احتياجات العملاء المتغيرة. فبتحليل البيانات الضخمة، يفهم المحللون في المصرف توجهات السوق وملاءمتها احتياجات العملاء بشكل أعمق، ما يمكنهم من تصميم منتجات مالية مبتكرة وجذابة، “فعلى سبيل المثال، يمكن البنوك استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم قروض مخصصة بناءً على تحليل البيانات الائتمانية للعملاء”، كما يقول شوشاني، مضيفاً: “وهذا كله يعزز العلاقة بين المصرف وعميله، ما دامت قائمة على أسس علمية وآمنة”.