مليارات الدولارات في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي… هل تؤتي ثمارها؟
(النهار)-12/08/2024
في الأسبوع الماضي، تأرجحت الأسواق المالية الأميركية والعالمية بين هبوط حاد سريع حرّك مخاوف من ركود قوي، وبين صعود وتماسك يستمر، لكن في أجواء من القلق. وتقاطعت تحليلات كثيرة على أن شركات التكنولوجيا الكبرى واستثماراتها، تتحمل مسؤولية في ذلك، وإن جزئياً، إضافة إلى عوامل على غرار استمرار التضخم والغموض بشأن أسعار الفائدة، والضغوط المتأتية من السياسة بما في ذلك الأجواء المتوترة للانتخابات الرئاسية الأميركية وغيرها.
وجاءت تلك التقلبات فيما تستمر مشهدية الطفرة الهائلة في الاستثمارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على النوع التوليدي Generative AI، إذ تتنافس كبرى شركات التكنولوجيا على تأمين مكانة رائدة في هذا القطاع المتنامي، خصوصاً منذ العام 2022. وتستثمر هذه الشركات، مثل ألفابيت (غوغل)، ومايكروسوفت، وأمازون، وميتا (مالكة فيسبوك)، مليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات ومرافق جديدة لتشغيل الذكاء الاصطناعي وتوسيع قدراتها في هذا المجال. ومع ذلك، فإن هذه الاستثمارات الضخمة لا تخلو من تحديات ومخاطر، لكنها تحمل أيضًا أهمية استراتيجية واقتصادية هائلة.
حجم الاستثمارات
تتزايد الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق. ومثلاً، من المتوقع أن تنفق شركة ألفابيت وحدها نحو 48 مليار دولار في عام 2024 على البنية التحتية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وتشارك في هذا السباق شركات أخرى مثل مايكروسوفت، التي أكدت خططها لمواصلة الإنفاق الكبير على الذكاء الاصطناعي، وكذلك أمازون وميتا. إجمالًا، قد تصل استثمارات هذه الشركات الأربع في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 100 مليار دولار هذا العام.
وفي حديثه مع “النهار”، بيَّن الخبير التكنولوجي رودي شوشاني أنّ “هنالك تضارباً في الأرقام حول حجم استثمارات الشركات التكنولوجية في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث تشير بعض التقارير إلى أنّ حجم هذه الاستثمارات تصل إلى 1 تريليون دولار، فيما تشير دراسة مكينزي إلى أنّ Gen AI بمفرده يصل حجم الاستثمارات فيه إلى نحو 4 تريليونات دولار، كما هناك مقالات أخرى تشير إلى أنّ حجم الاقتصاد العالمي للذكاء الاصطناعي يبلغ 8 تريليونات دولار”.
استثمار مبالغ فيه
ومهما اختلفت الأرقام المتداولة عن حجم الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، فذلك لا ينفي أنّ التكلفة مُبالغ فيها، وتواجه مشاكل كثيرة تجعل من بعض الاستثمارات تذهب سدى.
وأعطى شوشاني مثلاً عن الاستثمار الزائد. إذ ذَكَّر بقرار شركة فيسبوك تغيير تسمية علامتها التجارية إلى “ميتا” من “ميتا فيرس”، وهو مصطلح يشير إلى العوالم الافتراضية التي يتفاعل فيها المستخدمون عبر شخصيات رمزية افتراضية ترتسم غالباً بالصيغة التجسيمية ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى تركيزها على الاتصال الاجتماعي والاقتصادي. وأشار إلى أن تلك الخطوة تلاها “فشل في تحقيق مستهدفاتها، وتسببت بخسارة 15 مليار دولار، أو أكثر”. وكذلك لفت شوشاني إلى أنّ “التجربة نفسها تتكرر اليوم مع الذكاء الاصطناعي التوليدي Gen AI، الذي يشهد زخماً في الاستثمارات، وإن كان عدد مستخدميه أكبر بكثير من “ميتا”. فمع نموذج “شات جي بي تي” ، نتحدث عن 100 مليون مستخدم خلال ثلاثة أيام، وهي سابقة تاريخية، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي حقيقة أنّ الاستثمارات مبالغ فيها”. وسأل شوشاني “ماذا سيحصل بعد أن يستهلك الذكاء الاصطناعي الداتا جميعها؟”.
التحديات والمخاطر
وبوضوح، تواجه هذه الاستثمارات تحديات ومخاطر جدية، يعدّد شوشاني بعضاً منها: “أولًا، هناك عدم اليقين حول متى وكيف ستؤتي هذه الاستثمارات ثمارها. قد يؤدي الفشل في تحقيق العوائد المتوقعة إلى خسائر ضخمة، ما يثير مخاوف المساهمين والمستثمرين”. ومثلاً بعد إعلان شركة ألفابيت عن نتائجها المالية، شهد مؤشر ناسداك تراجعًا بنسبة 4 في المئة، ما يعكس القلق السائد في السوق.
ثانيًا، بحسب شوشاني، هناك تحديات لوجستية وتقنية تتعلق ببناء وتشغيل هذه البنية التحتية الضخمة، لأن “زيادة الطلب على الطاقة مثلاً قد يسبب اختناقات في الإمدادات، خاصة في الأماكن التي تواجه فيها شبكات الكهرباء ضغوطًا”. في كاليفورنيا، قد يستغرق توصيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بالشبكة الكهربائية ما بين ست إلى عشر سنوات، وما قد يؤثر على خطط التوسع.
وأَضاف شوشاني إن “الاعتماد الكبير على شركات معينة مثل إنفيديا، التي تعتبر المورد الرئيسي لرقائق الذكاء الاصطناعي، يمثل خطرًا إضافيًا. أي خلل في قدرة هذه الشركات على تلبية الطلب قد يعطل سلسلة التوريد بأكملها”.
وطرح شوشاني إشكالية العرض والطلب التي تتحكم بجميع الأسواق. واليوم يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي طلبا مرتفعاً وعرضاً ضعيفاً، ما يسمح لهذه الشركات بتحقيق أرباح، ولكن قد نصل إلى مرحلة يصبح فيها العرض أكثر من الطلب، بسبب حدة المنافسة، وعندها سنشهد خسائر مالية كبيرة لدى الشركات”، مشيراً إلى أنّ “الذكاء الاصطناعي ليس رخيصاً، فتكلفة استخدامه وتطبيقه داخل الشركات عالية جداً”.
الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية
على الرغم من التحديات، تعتبر هذه الاستثمارات ضرورية لتعزيز القدرات التكنولوجية لشركات التكنولوجيا الكبرى، بفعل محورية الذكاء الاصطناعي في التحوُّل الرقمي، وتأثيره الكبير المتوقع على قطاعات مختلفة كالتصنيع والرعاية الصحية والتعليم.
علاوة على ذلك، يعزز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قدرة الشركات على الابتكار والتكيف مع متغيرات السوق. كما يمكن أن يسهم في تعزيز التفوق التكنولوجي والاقتصادي العالمي للولايات المتحدة. وبالتالي، فإن تعزيز الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي أمر محتم، والنجاح فيها قد يغير مستقبل الصناعة العالمية والعوالم الرقمية.