لماذا عاد الحديث عن عمليات الاندماج والاستحواذ بين البنوك الأوروبية إلى بؤرة الاهتمام مجدداً؟
(سي ان بي سي)-23/10/2024
بعد 17 عاماً من آخر صفقة دمج واستحواذ عابرة للحدود بين البنوك في أوروبا، يفكر المسؤولون التنفيذيون للبنوك الأوروبية في عمليات اندماج مرة أخرى.
استحوذ بنك UniCredit الإيطالي على حصة وصلت إلى 9% في Commerzbank، ثاني أكبر بنك مقرض في ألمانيا، من حصة الحكومة الألمانية، التي أنقذت Commerzbank أثناء الأزمة المالية العالمية في العام 2008، بالإضافة إلى حصة أخرى عبر المشتقات المالية.
وإذا حصل على إذن من البنك المركزي الأوروبي، وهو ما يعتبر مجرد إجراء شكلي، فسوف يكون بنك UniCredit قادراً على تحويل جميع مراكزه في المشتقات المالية التابعة للبنك الألماني إلى أسهم، مما يمنحه حصة بنسبة 21% ويجعله أكبر مساهم في Commerzbank.
الاندماج الكامل بين البنكين ليس النتيجة المحتملة الوحيدة لمبادرات UniCredit، ولكن على الرغم من ذلك، فإن هذه الصفقة هي أحدث وأكثر الإشارات لفتاً للانتباه إلى عودة إبرام الصفقات بين البنوك الأوروبية إلى الواجهة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
تحسنت الربحية في العديد من البنوك المقرضة في القارة الأوروبية بشكل ملحوظ بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، وإلى جانب ميزانياتها العمومية النظيفة ومستويات رأس المال الأكثر قوة، فإن هذا يعني أنها في وضع أكثر صحة للاستحواذ على منافسين.
يقول الرئيس التنفيذي لصندوق النفط النرويجي الذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار، والذي يمتلك أسهماً في معظم أكبر البنوك الأوروبية، نيكولاي تانغن، إن القارة بحاجة إلى المزيد من المؤسسات المالية ذات الثقل العالمي.
وذكر أنه من الصحي جداً أن تكون البنوك أكبر حجماً لأن الحجم مهم في هذه الصناعة. هناك الكثير من التكاليف المترتبة على تطبيق النظام التنظيمي بأكمله بالنسبة لأي بنك، وهناك القليل من الأدلة على أن البنوك الأكبر حجماً تقدم صفقات أسوأ للعملاء.
هناك أيضاً اتفاق واسع النطاق بين صناع السياسات والسياسيين في أوروبا على الحاجة إلى تشجيع البنوك المتعددة الجنسيات الأكبر حجماً كوسيلة لدرء المنافسة من المقرضين الأميركيين، الذين هيمنوا على الخدمات المصرفية العالمية منذ الأزمة المالية، والمنافسين الآسيويين سريعي النمو.
يقول محلل البنوك في Scope Ratings، ماركو ترويانو: “الحكومات التي أممت البنوك أثناء الأزمة المالية مستعدة الآن لوضع حد لها وبيع حصصها. وهذا يعني أن كل هذه البنوك دخلت اللعبة من أجل عمليات الدمج المحتملة”.
عمليات اندماج بقيمة 13.8 مليار يورو في الربع الثاني
بلغت قيمة عمليات الاندماج المعلنة بين البنوك الأوروبية 13.8 مليار يورو في الربع الثاني من هذا العام، وهو أعلى رقم منذ الربع الثالث من عام 2010، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة Dealogic.
وتشمل الصفقات البارزة على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية عملية الإنقاذ التي نظمتها الدولة لبنك Credit Suisse من بنك UBS، وصفقة استحواذ BBVA الإسباني على منافسه الأصغر Sabadell، وهي الصفقة التي إذا تم تنفيذها من شأنها أن تخلق سابع أكبر بنك في أوروبا بقيمة سوقية تبلغ 63 مليار يورو.
كانت العديد من هذه المعاملات عبارة عن محاولات لدمج البنوك محلياً، ولكن هناك حماس في بعض الأوساط بأنها قد تبشر بموجة أوسع من الصفقات عبر الحدود.
ولكن عمليات الاندماج بين البنوك عبر الحدود تظل صعبة التنفيذ عملياً بسبب المعارضة السياسية الوطنية والطبيعة المجزأة لسوق البنوك الأوروبية.
كان متوسط عدد صفقات الدمج والاستحواذ ربع السنوية منذ العام 2008 هو 27 صفقة، بقيمة إجمالية متوسطة تبلغ 4.2 مليار يورو فقط، وفقاً لبيانات Dealogic – وهو أقل بكثير من 50 صفقة بقيمة 16.4 مليار يورو في المتوسط في كل ربع سنة بين العامين 2000 و2008.
وبأسعار الأسهم الحالية، حتى اندماج UniCredit-Commerzbank سيكون أقل من مبلغ 108 مليارات يورو قيمة عمليات الاندماج في الربع الثاني من العام 2007، عندما تم الإعلان عن استحواذ ABN Amro.
كانت الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2010 بمثابة بداية شتاء طويل في عمليات الدمج والاستحواذ المصرفية الأوروبية.
وقال محلل البنوك في شركة إدارة الصناديق Schroders، جاستن بيسيكر، والذي غطى القطاع لمدة 27 عاماً: “إذا عدت إلى ما قبل الأزمة المالية، كانت البنوك في حالة نمو لعمليات الدمج والاستحواذ، مدفوعة بأموال رخيصة ونقص التقدير للمخاطر التي تنطوي عليها”.
وأضاف: “الآن أصبح كل شيء أكثر تنظيماً. لقد أصبح هناك إدراك بأن البنوك دولية في حياتها (أعمالها) ولكنها وطنية في مماتها (تغيير ملكيتها). وقد أدى هذا التفكير إلى جعل الصفقات العابرة للحدود أكثر صعوبة في التنفيذ”.
ويتفق رئيس بنك Société Générale الفرنسي والعضو السابق في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، لورينزو بيني سماغي، على أن الهيئات التنظيمية والإشرافية الوطنية لعبت دوراً كبيراً، من خلال الحفاظ على الحواجز أو حتى رفعها أمام الأنشطة عبر الحدود.
وقال: “في أوروبا، الأمر يتعلق أكثر بالثقافة. فالمؤسسات المالية تُعَد مصدراً للمخاطر، و[الرأي هو أنه] إذا قللنا من هذه المخاطر، فسوف يأتي التمويل بطريقة أو بأخرى. لذا فإن هدف التنظيمات ليس القدرة التنافسية، بل الاستقرار، الاستقرار، الاستقرار”.
وتُظهِر التحليلات التي أجراها البنك المركزي الأوروبي أن أحجام البنوك التي تم الاستحواذ عليها في الصفقات بعد الأزمة المالية أصبحت أصغر كثيراً مما كانت عليه قبل ذلك، في حين كان معدل الفشل أعلى لمحاولات الاندماج في السنوات التي تلت العام 2008.
وسبق لبنكي UniCredit وCommerzbank أن تقدما بمبادرات إلى بعضهما البعض بشأن صفقة، في حين تخلى Deutsche Bank عن محادثات الاندماج مع منافسه الألماني في العام 2019.
ووجد تحليل البنك المركزي الأوروبي أن نحو أربع من كل خمس صفقات دمج واستحواذ مكتملة في منطقة اليورو كانت محلية. وكانت الصفقات القليلة التي أبرمت عبر الحدود بين البنوك منذ الأزمة المالية تميل إلى أن تكون بين مؤسسات في بلدان مجاورة تربطها لغة مشتركة أو تجارة، مثل شراء CaixaBank الإسباني لبنك BPI البرتغالي في العام 2017 أو صفقات أصغر مختلفة مثل تلك التي تشمل بنوك بلجيكية وفرنسية وهولندية.
ونتيجة لهذا جزئياً، تراجعت البنوك الأوروبية كثيراً عن نظيراتها في الولايات المتحدة وآسيا منذ الأزمة المالية. في حين ركزت البنوك الأوروبية على تنظيف ميزانياتها العمومية وبناء مستويات رأس المال، أصبحت منافساتها في وول ستريت أكبر حجماً في الداخل وزادت من حضورها في الخارج، وخاصة في مجالات مثل الخدمات المصرفية الاستثمارية والتجارة.
يقول بيني سماغي: “اليوم، لا يمكنك القيام بمعاملة مالية كبيرة – عمليات الدمج والاستحواذ أو تمويل البنية الأساسية – بدون المؤسسات المالية الأميركية. البنوك الأوروبية مجزأة للغاية ولا تمتلك الميزانيات العمومية. وهذا يشكل هشاشة لأوروبا”.
تشمل أكبر 10 بنوك في العالم من حيث الأصول ثلاثة بنوك أوروبية فقط – وواحد منها، وهو بنك HSBC، يقع مقره خارج الاتحاد الأوروبي. تهيمن على القائمة المؤسسات المالية الصينية والأميركية، مع وجود بنوك BNP Paribas وCrédit Agricole وSociété Générale الفرنسية – إلى جانب Santander الإسباني – البنوك الوحيدة من منطقة اليورو التي دخلت ضمن المراكز العشرين الأولى.
بالمقارنة، تضمنت قائمة مماثلة من العام 2008 ثمانية بنوك أوروبية في المراكز العشرة الأولى، مع عدم وجود بنوك صينية واثنين فقط من البنوك الأميركية.
سبب عودة الحديث عن الصفقات إلى الواجهة
يعد تراجع البنوك الأوروبية على الساحة العالمية أمراً محسوساً بشدة من صناع السياسات، ليس فقط كعلامة على تراجع ثقل القارة الدولي ولكن أيضاً لعدم قدرتها على تمويل التغييرات المهمة في اقتصادها.
السبب الرئيسي وراء زيادة الحديث عن إبرام الصفقات هو تحسن الصحة المالية للبنوك على مدى السنوات القليلة الماضية، مما وضع المشترين في مواقف أقوى وجعل الأهداف أكثر جاذبية.
بعد موجة من عمليات إنقاذ البنوك في أعقاب الأزمة المالية، فرض المنظمون متطلبات رأسمالية أكثر صرامة، وهو ما أدى إلى فترة امتدت إلى عقد من الصعوبات، لكن بنوك أوروبا أصبحت الآن من بين أفضل البنوك من حيث رأس المال في العالم.
كانت السرعة التي رفعت بها البنوك المركزية أسعار الفائدة منذ العام 2022 بمثابة ميزة للبنوك التجارية، والتي تولد عادة معظم أرباحها من الفرق بين الفائدة التي تتلقاها على الإقراض وما تدفعه على الودائع.
أدى تضخم ما يسمى بهامش الفائدة الصافي مع ارتفاع الأسعار إلى مكاسب غير متوقعة بلغت 100 مليار يورو للبنوك الأوروبية على مدى العامين الماضيين. وأدى هذا إلى توليد رأس مال زائد عن المتطلبات التنظيمية، والذي يرى بعض المسؤولين التنفيذيين في البنوك أنه يمكن إنفاقه على عمليات الاستحواذ.
ولكن مع وجود عدد قليل من الأهداف الواضحة المتاحة، زادت العديد من البنوك من مدفوعات أرباحها – وللمرة الأولى – بدأت في إعادة شراء أسهمها. وتعهدت البنوك الأوروبية بإعادة أكثر من 120 مليار يورو إلى المساهمين هذا العام، مع 47 مليار يورو من عمليات إعادة شراء الأسهم.
أدت هذه العائدات الموعودة إلى زيادة الاهتمام بقطاع أهمله المستثمرون الدوليون لفترة طويلة. ارتفع مؤشر Euro Stoxx للبنوك، الذي يتتبع أكبر البنوك المدرجة في أوروبا، بأكثر من 75% على مدى العامين الماضيين.
ومع بدء انخفاض أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى تآكل الربحية التي حققتها البنوك بشق الأنفس، يتوقع المستثمرون المزيد من الاهتمام بالاندماجات. ويقول بيسيكر من Schroders: “إذا رأينا المزيد من الضغوط على الإيرادات في القطاع – وهو ما أعتقد أنه ممكن في منطقة اليورو إذا انخفضت أسعار الفائدة إلى ما دون 2% مرة أخرى – فأنا أراهن على أننا سنحصل على الكثير من عمليات الدمج والاستحواذ لتحسين الربحية”.
بالنسبة لصناع السياسات، فإن التحولات إلى طاقة أكثر خضرة واقتصاد أكثر رقمية والحاجة إلى إعادة التسليح بعد الحرب الروسية الأوكرانية تشير جميعها إلى الحاجة إلى المزيد من القدرة على الإقراض.
تعتمد الحكومات التي تعاني من نقص السيولة بشكل متزايد على القطاع الخاص لتوفير هذا التمويل. وتتمكن البنوك ذات الميزانيات العمومية الأكبر والرغبة الأكبر في المخاطرة من تنويع مصادر الإقراض والاستثمار، والقيام بذلك بالتزامات أكبر.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد الشهر الماضي: “إن عمليات الدمج عبر الحدود لها العديد من المزايا إذا أسفرت عن مؤسسات أكبر وأكثر مرونة وأكثر شمولاً وعمقاً”.
وأضافت: “البنوك القادرة على المنافسة فعلياً بحجم كبير، وبعمق، وعلى نطاق واسع مع مؤسسات أخرى في مختلف أنحاء العالم – بما في ذلك البنوك الأميركية والبنوك الصينية ـ مرغوبة في رأيي”.
ولكن في حين يحرص صناع السياسات على التأكيد على الحاجة إلى بنوك أوروبية عملاقة قادرة على منافسة نظيراتها في وول ستريت، فإن إتمام الصفقات قد يظل صعباً للغاية ويستغرق وقتاً طويلاً.