لماذا لم ينجح “اقتصاد بايدن”؟
(العربية)-10/12/2024
*داني رودريك
بصفته رئيسا للولايات المتحدة، رسم جو بايدن مسارا اقتصاديا جديدا للديمقراطيين من خلال الانحياز دون مواربة إلى الطبقة العاملة وإدخال مجموعة واسعة من السياسات الصناعية لإحياء التصنيع، وإعادة سلاسل التوريد إلى الداخل، وتشجيع التحول الأخضر. كانت معظم هذه السياسات الجديدة منطقية من الناحية الاقتصادية، ومثلي كمثل كثيرين من التقدميين، اعتقدت أيضا أنها منطقية سياسيا.
إن جاذبية دونالد ترمب، مثلها في ذلك كمثل جاذبية القوميين العِـرقيين اليمينيين في أماكن أخرى، تدين بكثير لمستويات متزايدة من انعدام الأمان الاقتصادي، التي يعدها كثيرون نتيجة لإلغاء القيود التنظيمية، وتزايد قوة الشركات، والعولمة، وانحسار الصناعة، والأتمتة (التشغيل الآلي).
يتلخص أحد التفسيرات لإعادة انتخاب ترمب في أن الشعبوية الاقتصادية كانت غلطة، وهذا يعني ضمنا أن الحزب الديمقراطي كان ينبغي له أن يتحرك بقوة أكبر نحو الوسط بدلا من ذلك.
هناك 3 احتمالات أخرى على الأقل. الأول أن إستراتيجية بايدن نجحت، ولكن ليس بالقدر الكافي للفوز بالانتخابات. لقد أدى التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة إلى ردة فعل عنيفة عامة ضد الحكومات في كل مكان. يُظهر رسم بياني متداول على نطاق واسع نشرته صحيفة فاينانشال تايمز أن شاغلي المناصب فشلوا في الوصول إلى حصتهم السابقة من الأصوات في كل الانتخابات في 2024.
الاحتمال الثاني هو أن الأمر يستغرق وقتا قبل أن تُـظهِـر السياسات الجديدة تأثيراتها وتؤدي إلى قيام تحالفات سياسية جديدة. لكن اقتصاد بايدن لا يزال جديدا، وقد واجه التحدي الهائل المتمثل في إزاحة أكثر من 3 عقود من خبرة الناخبين مع الوسطية الديمقراطية. وربما كان من قبيل المبالغة أن نتوقع من خطاب بايدن الـمُـناصِـر للعمال وأرقام البناء الصناعي القوية أن تتغلب على الانقسامات التي نشأت (وتعمقت) منذ إدارة الرئيس بِـل كلينتون.
الاحتمال الثالث، والأقل خضوعا للمناقشة، هو أن اقتصاد بايدن كان شعبوية اقتصادية من النوع الخطأ. فبالتركيز على التصنيع، وقوة النقابات والمنظمات العمالية على الطراز القديم، والمنافسة الجيوسياسية مع الصين، لم يول القدر الكافي من الاهتمام لبنية الاقتصاد المتغيرة وطبيعة الطبقة العاملة الجديدة. في اقتصاد حيث يعمل 8 % فقط من العمال في قطاع التصنيع، فإن السياسة التي تَـعِـد باستعادة الطبقة المتوسطة من خلال إعادة التصنيع إلى الوطن ليست غير واقعية فحسب؛ بل أنها أيضا جوفاء، لأنها لا تتماشى مع تطلعات العمال وتجاربهم اليومية.
تتطلب بنيتنا الاقتصادية الجديدة نسخة من “السياسة الصناعية” تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين وتركز على صنع وظائف جيدة في قطاع الخدمات. تستلزم مثل هذه الإستراتيجية إبداعات تنظيمية وتكنولوجية لترقية العمل في الأنشطة المنخفضة الأجور وتحسين عمليات توفير المدخلات مثل الأدوات الرقمية، والتدريب المخصص، والائتمان. بوسع المرء أن يجد أمثلة محلية ووطنية لمثل هذه المبادرات، لكنها تظل صغيرة النطاق وثانوية إلى حد كبير مقارنة بالبرامج الفيدرالية.
تشكل التكنولوجيات الجديدة التي تساعد العمال، بدلا من إزاحتهم، أهمية بالغة لهذا الجهد. تُظهِـر السياسات الصناعية الخضراء أن الإبداع من الممكن حقا إعادة توجيهه من الأنشطة الكثيفة الكربون إلى أنشطة أكثر استدامة. والآن نحن في احتياج إلى دَفعـة مماثلة نحو تبني سياسات تكنولوجية صديقة للعمالة من أجل تشجيع الإبداع الذي يعمل على تمكين العمال الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي من أداء مهام أكثر تعقيدا في مجال الرعاية وغيرها من الخدمات الشخصية.
يجب أن تبدأ إعادة ربط الحزب الديمقراطي بجذوره بالاعتراف بأن الطبقة العاملة اليوم تغيرت وأصبحت احتياجاتها مختلفة. سيظل توفير التأمين الاجتماعي والقوة المضادة لمصالح الأعمال التجارية من العناصر المهمة لليسار التقدمي. لكن هذه الأهداف يجب أن تُعزَّز بمجموعة متجددة من سياسات “الوظائف الجيدة” التي لا تقدس التصنيع ولا تنظر إليه من خلال عدسة المنافسة الجيوسياسية مع الصين.