سباق لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة لمواجهة الحمائية الأمريكية
(البيان)-29/01/2025
يسعى الشركاء الاقتصاديون للولايات المتحدة جاهدين للحفاظ على حجم تجارتهم في ظل إدارة دونالد ترامب، وذلك من خلال تسريع الخطى لإبرام اتفاقيات ثنائية جديدة وإعادة تنظيم سلاسل التوريد للتأقلم مع تكثيف السياسات الحمائية الأمريكية.
ويرى صناع القرار السياسي وخبراء التجارة أن الدول تتجه نحو إعادة تبني استراتيجية اتبعتها خلال فترة ولاية ترامب الأولى، حينما أبرمت المزيد من الاتفاقيات التجارية فيما بينها في الوقت الذي كان فيه أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم يضع المزيد من الحواجز التجارية.
ومنذ انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في شهر نوفمبر الماضي، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارية طال انتظارها مع تكتل «ميركوسور» لدول أمريكا اللاتينية الجنوبية، وحدّث اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك، وأعاد فتح المفاوضات مع ماليزيا بعد توقف دام أكثر من عقد.
وكان ترامب هدد في أيامه الأولى رئيساً للبلاد بفرض تعريفات تصل إلى 100% على الصين، و25% على كندا والمكسيك، وصرح بأنه ينظر في فرض رسوم شاملة على كل الواردات الأمريكية. كما أمر ترامب وكالات الحكومة الأمريكية بالتحقيق في عدد من المشاكل التجارية، تشمل التلاعب بالعملة والبضائع المقلدة.
وفي تصريحات لصحيفة «فاينانشال تايمز»، قال تنكو ظفرول عزيز، وزير التجارة الماليزي، إن عودة ترامب «ستحفّز بكل تأكيد الدول على مواصلة تنويع محافظها التجارية». واستشهد عزيز في هذا السياق بمثال، وهو الاتفاق الشامل للشراكة العابرة للمحيط الهادئ، الذي بدأ بـ11 دولة عضواً في عام 2018 بعدما قرر ترامب انسحاب الولايات المتحدة من المفاوضات. وذكر أن الاتفاق «برهن على مرونة الدول الراغبة في التعاون، حتى في غياب قادة اقتصاديين تقليديين مثل الولايات المتحدة».
وفي كلمة ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بيّن ماروش سيفكوفيتش، المفوض التجاري الأوروبي، أن مفكرته مليئة بالاجتماعات مع وزراء من دول الخليج وبلدان أخرى، مؤكداً: «هناك اهتمام كبير» بإبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر زيارة فريق المفوضين الأوروبيين بالكامل للهند لإحراز تقدم على صعيد المفاوضات التجارية والشراكات التكنولوجية في الأشهر القليلة المقبلة.
وقال أحد المسؤولين الأوروبيين: «إن الدول التي تكثف جهودها لعقد الاتفاقيات إنما تفعل ذلك بصورة مستقلة عن الوضع في الولايات المتحدة»، لافتاً إلى وجود «فجوة هائلة» بين الخطاب الذي تعلن فيه واشنطن ما ترغب في فعله وما يحدث فعلياً على أرض الواقع.
وخلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات مع اليابان، وهي الحليف الوفي للولايات المتحدة الذي خشي الأضرار الاقتصادية جراء سياسات ترامب، وكذلك سنغافورة وفيتنام، وشرع في مفاوضات مع كل من نيوزيلندا وتشيلي، وأتم عقد الاتفاقيات. وسخر أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي من أن الرئيس ترامب كان «أفضل مفوّض تجاري للاتحاد الأوروبي على الإطلاق».
وترى سيسيليا مالمستروم، المفوضة التجارية للاتحاد الأوروبي خلال فترة شغل ترامب منصب الرئاسة للمرة الأولى، التي كانت حاسمة في عقد المفاوضات المبدئية مع دول «الميركوسور»، أن «هناك الكثير من الاتفاقيات». وتابعت: «كنا نظن أن العالم صعب، ونحن لا نؤمن بالحروب التجارية. وما دام هناك رئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ويفرض التعريفات الجمركية على الجميع، فلنرَ إذن ما يمكننا فعله معاً».
وتتوقع مالمستروم، التي تعمل حالياً لحساب مكتب كوفينغتون آند بورلينغ للمحاماة، التوصل إلى اتفاق مع المكسيك، وخوض مفاوضات مع أستراليا وإندونيسيا وربما الفلبين وتايلاند خلال مدى فترة ترامب الرئاسية التي ستدوم أربعة أعوام.
وأشار بيرند لانغ، الذي يرأس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي، إلى أن رد الاتحاد الأوروبي على ترامب قد يقوم على الجمع بين فرض تعريفات جمركية انتقامية وتأسيس روابط تجارية أقوى مع أطراف أخرى. وقال: «بخلاف الدفاع عن أنفسنا، يجب علينا مواصلة تعزيز شراكاتنا مع أطراف ثالثة، مثل المملكة المتحدة، أو المكسيك، أو اليابان، أو كندا، وهي الدول التي قد تكون هي أيضاً في مرمى النيران». واستطرد: «يعني ذلك التصديق على الاتفاقيات التجارية، مثل تلك بين الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور، والانتهاء من المفاوضات مع شركاء مثل أستراليا وإندونيسيا».
وفي عام 2020، شكّلت دول رابطة آسيان، إضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وقللت هذه الشراكة في الأساس من الحواجز غير الجمركية أمام التجارة، مثل ضوابط الرقابة البيطرية والإجراءات الجمركية. وتغطي الشراكة 2.3 مليار شخص، و30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بنسبة 25% مع الولايات المتحدة. كما دخلت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي ستزيل 90% من التعريفات الجمركية بمرور الوقت، حيز التنفيذ في عام 2021.
وواصلت تجارة السلع والخدمات نموها في الأعوام الأخيرة على الرغم من جائحة فيروس كورونا وازدياد حد الحمائية. ونوّه سكوت لينسيكوم، نائب رئيس قسم الاقتصاد العام لدى معهد كاتو، وهو مؤسسة بحثية تتخذ من واشنطن مقراً لها، بأنه «بغض النظر عما سيفعله دونالد ترامب على مدى الأعوام القليلة المقبلة، يبدو أن الجميع غير راغبين في اعتماد العزلة الاقتصادية المكلفة، وعوضاً عن ذلك سيواصلون المضي قدماً دوننا، لذلك هناك نحو 370 اتفاقية تجارية دخلت حيز التنفيذ منذ منتصف عام 2024، ولا توجد مؤشرات على تراجع هذا الزخم عما قريب».
وأبرمت الصين اتفاقيات مع كل من صربيا، وكمبوديا، ونيكاراغوا، والإكوادور. وتمثّل بكين، التي يعتبرها ترامب أكبر المنافسين للولايات المتحدة، قرابة 30% من التصنيع العالمي.
وقال مسؤول تجاري بارز رفض الكشف عن اسمه، إنه «أكثر تشككاً هذه المرة» بشأن موجة عقد الاتفاقيات، لأن الاتفاقيات التي لم تُنجَز بعد تتسم بأنها أكثر صعوبة في عملية التفاوض. وأضاف: «قد تشجّع عودة ترامب عقد اتفاقيات ثنائية جديدة، ربما في أفريقيا. وبالنسبة لآسيا، فإنها في موقف جيد للغاية. وعموماً، لنستعد لما سيأتي تباعاً».