أسواق المال العالمية في خطر.. هل نشهد بداية انهيار؟
(البيان)-14/03/2025
عندما يُصاب المستثمرون بالذعر، تتلاشى التحليلات المنطقية، وتسيطر العواطف على قراراتهم الاستثمارية. ومع ذلك، فإن الانهيار الأخير للأسواق كشف عن أنماط محددة قد تفسر ما يحدث إذا استمرت هذه الأنماط في الأيام المقبلة.
ويبدو أن ما شهدناه يوم الاثنين هو تفاقم للأزمة التي عانت منها أسواق المال خلال الأسبوع السابق. وقد تلقت شركات التكنولوجيا العملاقة الضربة الأقوى، حيث انخفضت أسهم «تسلا» بنسبة 15.4%، و«مايكروتشيب تكنولوجي» بنسبة 10.6%، و«بالانتير» بنسبة 10.1%.
وحتى شركة «أبل»، المعروفة بثباتها بين شركات التكنولوجيا السبع الكبرى، التي حافظت على أداء جيد نسبياً خلال الشهر الماضي، انخفضت أسهمها بنحو 5%. كما تراجعت أسهم البنوك بشدة، ما يعكس قلق المستثمرين بشأن النمو، وتبدد آمالهم في أن يكون العام الحالي مواتياً للتداول وأسواق رأس المال وتخفيف القيود التنظيمية.
في المقابل، سجلت الأسهم أداءً جيداً في قطاعي الرعاية الصحية والسلع الأساسية، فيما أنهت أسهم المرافق جلسة التداول بارتفاع. ويبدو المشهد ظاهرياً وكأنه هروب نحو الاستثمارات الآمنة، مع تسارع المستثمرين لجني الأرباح من الأسهم التي حققت أكبر المكاسب خلال السنوات الأخيرة.
غير أن عدة جوانب في حركة السوق ما زالت غامضة، إذ لماذا لم ترتفع السندات بشكل أكبر؟ لقد انخفض عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 10 نقاط أساس فقط، وهو أقل مما كان متوقعاً بالنظر إلى حدة تراجع الأسهم، وهل كبحت مخاوف التضخم هذا الارتفاع؟ يبدو أن الإجابة بالنفي – فقد انخفض مؤشر التضخم المتوقع قليلاً، وارتفعت علاوة الأجل بشكل طفيف.
وهناك سؤال آخر: لماذا حققت بعض الأسهم الدورية منخفضة القيمة أداءً مقبولاً؟ فقد ارتفعت أسهم «جنرال موتورز» و«فورد» و«ثري إم» في نهاية جلسة التداول. بالمقابل، انخفضت أسهم عمالقة السلع الأساسية «وولمارت» و«كوستكو» بشكل ملحوظ.
ويُرجح أن يكون هذا التراجع مرتبطاً ببيع المستثمرين للأسهم التي حققوا فيها أرباحاً أو استحوذت على نسبة كبيرة من محافظهم – فكلتا الشركتين شهدتا أداءً متميزاً خلال العام أو العامين الماضيين. غير أن المخاوف بشأن النمو تلعب دوراً هنا أيضاً.
وتتجه الأنظار اليوم إلى مؤشرات تكشف ما إذا كنا نشهد مجرد تصحيح أم بداية سوق هبوطي شامل. وهكذا، فإن السؤال المحوري هنا هو: هل سيغتنم المستثمرون فرصة انخفاض الأسعار للشراء، وإذا فعلوا، فهل سيعود البائعون مرة أخرى بقوة إلى السوق؟
وستكون مؤشرات الاتجاه المتزايد نحو الاستثمار في السندات مهمة أيضاً في تحديد معنويات السوق. كما أن امتداد التأثيرات السلبية بشكل حاد إلى أسواق الأسهم العالمية سيوضح ما إذا كان ما نشهده هو مجرد تصحيح للاستثمارات الأمريكية المكتظة، أم أنه شيء أكثر خطورة – نعني هروباً عالمياً من الاستثمارات عالية المخاطر. وبالطبع، سيراقب الجميع أي مؤشرات تدل على استعداد البيت الأبيض لإعادة النظر في سياساته الاقتصادية في ظل التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق.
بموازاة ذلك، يمكن أن يؤدي تأثير انهيار الأسواق الأمريكية إلى تغيرات أعمق في البنية المالية للقارة الأوروبية. وكان فريدريش ميرتس، المستشار الألماني المنتظر، أعلن مؤخراً أن حكومته ستتجاوز قيود «مكابح الديون» لتعزيز الإنفاق الدفاعي والبنية التحتية بنحو 500 مليار يورو.
وتبع ذلك إعلان المفوضية الأوروبية عن دفعها لخطة تمويل دفاعي بقيمة 150 مليار يورو. كما تطفو على السطح خطط أخرى، من بينها الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة، والأكثر جرأة، إصدار سندات يورو دفاعية خاصة. وقد أدت هذه التطورات إلى ارتفاع عوائد السندات، ورفعت البنوك توقعاتها للنمو في القارة العجوز، مما دفع اليورو للصعود أمام الدولار.
لقد حققت الأسهم الأوروبية أداءً قوياً هذا العام، في وقت تهاوت فيه المؤشرات الأمريكية. ويبدو أن الطفرة المالية وانتعاش الأسهم مترابطان بقوة، لكنهما ليسا وجهين لعملة واحدة. وقد جعل التغير في آفاق السياسة المالية بعض المستثمرين يرون في أوروبا قصة نمو هيكلي طويل المدى، مما انعكس إيجاباً على سوق الأسهم. ورغم صحة هذه النظرة جزئياً، فإن تفوق أداء أوروبا بدأ قبل شهر من إعلان ألمانيا عن إجراء تغييرات جذرية في سياستها المالية.
وقال تييري ويزمان، كبير استراتيجيي سوق الصرف الأجنبي في مجموعة ماكواري: «ما نشهده هو تحول في الاستثمارات بعيداً عن الولايات المتحدة أكثر منه دعماً للأسس الاقتصادية الأوروبية. وسيتحسن النمو الأوروبي بفضل زيادة الإنفاق الحكومي، لكن ما لم يتم توجيه هذا الإنفاق للقطاع الخاص، فلن يعود بالضرورة بالنفع على الأسهم الأوروبية».
وأضاف: «ستضغط عوائد السندات السيادية المرتفعة على مضاعفات التقييم في أسواق الأسهم نحو الانخفاض، بل قد تعرقل بعض فرص النمو الذي يقوده القطاع الخاص، خاصة إذا تزايدت المخاوف بشأن ارتفاع الدين السيادي بوتيرة سريعة».
وترتبط بعض أكبر الارتفاعات في الأسهم الأوروبية مؤخراً بقطاع الدفاع الأوروبي وتوقعات النمو الهيكلي طويل المدى، حيث تصدرت شركات الدفاع المشهد خلال الأسبوعين الماضيين، وحققت البنوك أداءً استثنائياً. لكن بنظرة أوسع، يتضح أن هذا الارتفاع واسع النطاق، ولا يقتصر على الأسهم الدفاعية والدورية.
كما أن إشارات النمو من أسهم البنوك قد تكون مبالغاً فيها، فلقد تم تهميش القطاع المصرفي الأوروبي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعندما يتحول قطاع من وضع «ميت» إلى «شبه ميت»، تتحرك الأسهم بقوة، لكن ذلك لا يعني في واقع الأمر نهضة اقتصادية حقيقية.
ويمكن القول إن إعادة تقييم المستثمرين للأسهم الأوروبية جاءت متأخرة كثيراً؛ فقد كانت الأسهم الأوروبية، على الأرجح، منخفضة التقييم بشكل لا يعكس قيمتها الحقيقية. وهذا لا يعني بالضرورة أن موجة الصعود القوية ستستمر، حتى لو أدى التوسع في الإنفاق الحكومي إلى تحسين معدلات النمو الاقتصادي، فنحن لا نزال لا نعرف، على سبيل المثال، كيف ستؤثر خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة على أرباح الشركات الأوروبية.
ورغم حماس الأسواق المالية للتغيير في السياسة المالية الألمانية وتأثيره المُحتمل على تحسين آفاق النمو في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه من الضروري توخي الحذر وتجنب المبالغة في التوقعات. فلا يزال الغموض يكتنف آلية تنفيذ هذه الحزم المالية. وعلى سبيل المثال، تعهد حزب الخضر الألماني بعرقلة مقترح ميرتس، ولكن قد يكون ذلك مجرد تكتيك تفاوضي، حيث يعتقد نيكو فيتزروي من شركة «سيغنوم كابيتال» أن الخضر قد يُغيرون موقفهم.
كما تُحيط الشكوك بخطط الاتحاد الأوروبي، فرغم أن الاتحاد لا يحتاج إلى إجماع لتمرير خطة الـ150 مليار يورو، إلا أن الخطط الأكثر جرأة، مثل إصدار ديون جديدة أو الاستيلاء على الأصول الروسية، تتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، مما قد يُثير معارضة الدول المتعاطفة مع روسيا، مثل المجر.
إن الإنفاق المالي المتزايد، لكي يتحول إلى نمو اقتصادي حقيقي وملموس، يحتاج من الدول أن تكون قادرة على توجيه رأس المال إلى القطاع الخاص، كما يحتاج هذا الإنفاق إلى القدرة على الانتشار من قطاعي الدفاع والبنية التحتية إلى بقية قطاعات الاقتصاد. ووفقاً لجيمس أثي من مجموعة «مارلبورو»، فإنه على الرغم من امتلاك ألمانيا للحيز المالي اللازم، فإن قدرتها على تنفيذ ميزانيتها بكفاءة أو في التوقيت المناسب يبقى موضع تساؤل.