«الأسواق البديلة».. استراتيجية الصين لتجاوز الحواجز التجارية الأمريكية
(البيان)-14/04/2024
شهدت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تصعيداً غير مسبوق، إذ كثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع إجراءاته الحمائية الاقتصادية نحو غريمه الصيني العنيد.. وجاء هذا التصعيد بعد إعلان ترامب تعليق التعريفات «التبادلية» – التي تتجاوز نسبة 10 % الثابتة – على جميع شركاء أمريكا التجاريين باستثناء الصين، حيث أصبحت الواردات الصينية تخضع لرسوم جمركية باهظة تصل إلى 145 % من قيمتها، رداً على الإجراءات الجمركية التي اتخذتها واشنطن في مطلع أبريل.
ولم يكتف البيت الأبيض بذلك، بل يستعد لفتح جبهة جديدة بالتفاوض على فرض رسوم جمركية على الدول التي تدعم سلاسل التوريد الصينية. وفي رد فعل متوقع، رفعت بكين من جانبها الرسوم الجمركية إلى 125 % يوم الجمعة، ما أنهى حقبة من التبادل التجاري الحر بين أكبر اقتصادين في العالم، وكأن جداراً عازلاً يفصل بين أكبر مصدّر في العالم وأكبر سوق استهلاكي.
وتبقى الخطوات المقبلة للرئيس الأمريكي، كعادته دائماً، محاطة بالغموض وعدم اليقين، ما يترك الصين أمام ضرورة اتخاذ خيار استراتيجي حاسم حول كيفية تشكيل سياستها الاقتصادية في ظل الاضطراب الذي يعصف بالنظام التجاري العالمي.
وعلى المدى القريب، ستعاني بكين من تدهور الطلب على منتجاتها بسبب فقدان وصولها إلى الأسواق الأمريكية وزيادة مخاطر حدوث ركود عالمي، يضاف إلى ذلك أنه ما زال الاستهلاك المحلي الصيني يعاني من تداعيات أزمة القطاع العقاري.
ويزيد الموقف تعقيداً تطلعات الرئيس شي جين بينغ لجعل قطاع التكنولوجيا المتقدمة ركيزة أساسية لنموذج النمو المستقبلي للبلاد، ما يجعلها عرضة بشكل أكبر لنهج ترامب المتقلب في التعامل مع التجارة الدولية.
ويمكن للصين أن تستفيد من هذا الاضطراب، حيث أدى استعداد البيت الأبيض لفرض رسوم باهظة وإحداث فوضى في الأسواق المالية إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة لدى شركائها التجاريين، ليمنح ترامب بكين دافعاً وفرصة للاندماج بشكل أكبر مع تلك الدول. ففي نهاية المطاف، لا تزال معظم الدول تؤمن بفوائد التجارة الحرة، والصين هي بالفعل الشريك التجاري الأول للعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
غير أن بكين بحاجة لقراءة الوضع، فالدول في حالة تأهب من تحويل المنتجات الصينية الرخيصة التي كانت متجهة سابقاً إلى أمريكا إلى أسواقها. ويضاف إلى هذا التوقع المخاوف المتزايدة من أن آلة التصدير الصينية ستسحق الصناعات المحلية، في جميع أنحاء العالم من التعدين إلى صناعة السيارات. وفي العام الماضي، بلغ الفائض التجاري العالمي للصين في السلع مستوى قياسياً قدره تريليون دولار.
والولايات المتحدة ليست وحدها التي تتهم بكين باستخدام تكتيكات غير عادلة. منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وتشمل الادعاءات الموجهة ضد الصين الإغراق والإعانات غير العادلة وضعف حماية الملكية الفكرية.
وإذا تجاهلت بكين هذه المخاوف المتصاعدة، فإنها تجازف بمواجهة «ردود فعل عدائية» من دول أكثر، وليس فقط من «أمريكا ترامب» ، ما سيقوض آفاق النمو الصيني، ويوسع دائرة الحمائية العالمية، ويبطئ معدلات النمو الاقتصادي عالمياً. عوضاً عن ذلك، يجب على بكين الانخراط بشكل أكثر فاعلية في تهدئة مخاوف شركائها التجاريين، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، الذي يمثل أكبر كتلة تجارية في العالم.
وفي تصريح خاص قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: إن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ تعهد بتحفيز الاستهلاك المحلي لتفادي إغراق الأسواق الأوروبية بالمنتجات الصينية، وهو وعد يجب على بكين الالتزام به، لأن أن استمرارها في الاعتماد على التصدير لن يكون مستداماً، لا لعلاقاتها التجارية طويلة الأمد، ولا لتنميتها الاقتصادية الداخلية.
كما لا يمكن للصين تحمل خسارة السوق الأمريكية، فرغم بدء خطوات فك الارتباط الاقتصادي مع واشنطن منذ الفترة الرئاسية الأولى لترامب، سيظل المستهلك الأمريكي مصدراً حيوياً للطلب على المنتجات الصينية.
صحيح أن بكين تملك أوراق ضغط في هذه الحرب التجارية، من حيازتها الضخمة لسندات الخزانة الأمريكية إلى قدرتها على التضييق على الشركات الأمريكية العاملة في أراضيها، غير أن استمرار دوامة العقوبات الاقتصادية المتبادلة مع واشنطن لن يخدم مصالح أي من البلدين، ناهيك عن الاقتصاد العالمي، ما يستدعي من الطرفين البحث عن مخرج سريع والتفاوض للخروج من هذه الأزمة.
لقد سلطت أجندة ترامب المضطربة وهوسه بالعجز التجاري الضوء على المخاوف العالمية من فرط الإنتاج الصيني، وفي ظل تحولات النظام التجاري العالمي، بات ازدهار الصين الاقتصادي نفسه رهيناً بقدرتها على تعديل نموذجها الاقتصادي بما يتلاءم مع المتغيرات الدولية.