اضطرابات سندات الخزانة وتحولات القواعد الرقابية المصرفية
(البيان)-23/05/2025
بعد جدل طويل توصّل الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي إلى اتفاق حيال الخطة التشريعية، التي يقودها دونالد ترامب، والتي تُقدر قيمتها بعدة تريليونات دولار، بهدف خفض الضرائب.
وفي زيارة نادرة إلى مبنى الكابيتول حث الرئيس الأمريكي أعضاء حزبه على إقرار مشروع القانون، واصفاً إياه بأنه «كبير وجميل»، وحظي المشروع بموافقة مجلس النواب، وسيُحال بعد ذلك إلى مجلس الشيوخ.
ويتعين على المشرّعين التفكير ملياً؛ فالرئيس الأمريكي مصيب جزئياً فقط في تسمية المشروع، فهو بالفعل ضخم، لكنه يمكن أن يزيد الدَّين الأمريكي بأكثر من 3.3 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، ومع ذلك فإن العواقب الاقتصادية للمشروع في شكله الحالي قد تكون أقبح بكثير مما يصوره الرئيس.
إن المخاوف حيال تزايد الدين الأمريكي تسبق ولاية ترامب الثانية، لكن نهج إدارته المتقلب في صنع السياسات زاد من حدة ووتيرة القلق. والأسبوع الماضي، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من أعلى تصنيف(AAA) لتصبح آخر وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى التي تفعل ذلك.
وقد أسهم ذلك في رفع تكاليف الاقتراض طويل الأجل للولايات المتحدة، كما أنه على مدى الأشهر الماضية أثارت سياسة التعريفات الجمركية المتذبذبة للبيت الأبيض تساؤلات بشأن كون الأصول الأمريكية ملاذاً آمناً، مما زاد من الضغوط الصعودية على عوائد سندات الخزانة.
إن خطط ترامب المالية تزيد الطين بلة، ومن شأن مشروع القانون أن يدفع بنسبة الدَّين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى الارتفاع بنحو 25 نقطة مئوية، ليبلغ مستوى قياسياً عند 125 % بحلول نهاية عام 2034، وفقاً لتقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة.
كذلك من المتوقع أن يرتفع العجز السنوي كنسبة من الاقتصاد إلى 6.9 %، مقارنة بـ6.4 % حالياً، وهذا يزيد من احتمال حصول ارتفاع حاد وفوضوي في تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة، في ظل تنامي المخاوف بشأن استدامة الدين الأمريكي.
ويحقق المشروع بعضاً من الوعود الأساسية، التي أطلقها الرئيس في حملته الانتخابية، إذ يمدد التخفيضات الضريبية، التي أُقرت خلال ولايته الأولى، ويخفض الضرائب على الإكراميات وساعات العمل الإضافية. وسيخصص الإنفاق للدفاع وأمن الحدود.
وفي جوانب أخرى يعتبر المشروع أكثر سخاء، حيث يعزز الإعفاء الضريبي للأطفال والخصم القياسي لضريبة الدخل. ويتضمن أيضاً حوافز استثمارية تتجاوز التوقعات لبناء منشآت صناعية. وقد وضع الجمهوريون بنوداً لإنهاء بعض البنود المالية السخية لتبدو أكثر قبولاً.
إلا أن العديد من التخفيضات الضريبية سيكون من الصعب التراجع عنها، لكن أي دعم محتمل للأسر والشركات قد يقوّض بسبب المحاولات غير المدروسة لتعويض النفقات.
فعلى سبيل المثال يتضمن المشروع خفضاً كبيراً في مخصصات برنامج «ميديكيد»، وهو ما قد يترك ملايين الأمريكيين من الفئات الهشة من دون تغطية صحية.
كذلك فإنه بموجب مشروع القانون ستحصل الشريحة الأعلى دخلاً على أكبر المكاسب، فيما ستتضرر نسبة 40 % الأدنى من السكان بحلول عام 2026، وذلك وفقاً لنموذج ميزانية «بن وارتون». كما أن تقليص الحوافز الضريبية الخضراء بموجب قانون خفض التضخم سيُقلص من مجمل المكاسب التي قد تُحققها الشركات.
في المجمل من المتوقع أن يُسهم المشروع في رفع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة لا تتجاوز 0.5 % خلال العقد المقبل. وتُجادل الإدارة الأمريكية بأن هذه التقديرات لا تأخذ في الحسبان الأثر الكامل لأجندتها السياسية الأشمل.
وربما يكون هذا الادعاء منصفاً، فرغم حالة عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية إلا أن العائدات الجمركية قد تُسهم في تمويل الإنفاق الإضافي.
ومع ذلك يُقدر بنك «غولدمان ساكس» أن التأثير السلبي لتعريفات ترامب على النمو الاقتصادي سيتجاوز أي دعم ناتج عن الحزمة المالية، ويعد تحقيق معدل نمو أعلى أمراً ضرورياً لوضع مسار الدين الأمريكي على أسس أكثر استدامة.
وقد تسببت أجندة ترامب في انقسام بين دعاة الانضباط المالي وأولئك القلقين من آثار التخفيضات على الناخبين الفقراء، وقد يخضع المشروع لتعديلات، غير أن الكلمة الفصل ستكون في نهاية المطاف للأسواق المالية، وعموماً فإنه بدون محاولات جادة لكبح الإنفاق الأمريكي فلن يكون رد فعل المستثمرين «جميلاً» على الإطلاق.