ضريبة التحويلات.. ضغط أمريكي جديد على شريان الحياة المالي للفقراء
(البيان)-23/06/2025
على مدى سنوات، التزم صانعو السياسات حول العالم بسياسات تهدف إلى خفض تكلفة التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية. لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلب هذا المنطق رأساً على عقب بسعيه إلى جعل هذه التحويلات أكثر كلفة.
فقد تضمن «المشروع الضخم والجميل» الذي يتجاوز ألف صفحة والمطروح حالياً أمام الكونغرس، إجراءً صارماً يفرض ضرائب على الأموال المرسلة إلى الخارج من قبل غير المواطنين الأمريكيين، بمن فيهم حاملو التأشيرات والمقيمون الدائمون.
وتظهر بيانات بوابة الهجرة أن متوسط تكلفة تحويل مبلغ 200 دولار إلى الخارج يبلغ 6.4 %، إلا أن الضريبة الأمريكية المقترحة قد ترفع هذه النسبة إلى نحو 10 %، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة – التي تعد المصدر الأول عالمياً للتحويلات المالية بتدفقات سنوية تتجاوز 80 مليار دولار – الدولة الأعلى تكلفة بين دول مجموعة السبع في إرسال الأموال.
وقد نددت كلوديا شينباوم، رئيسة المكسيك التي تشكل التحويلات فيها 4 % من إجمالي الناتج المحلي، بهذا الإجراء واصفة إياه بـ «ضريبة على الفقراء»، فيما ستتأثر دول أمريكا الوسطى بشكل أكثر حدة، إذ تعتمد دول مثل نيكاراغوا وغواتيمالا وهندوراس على التحويلات بنسبة تصل إلى ربع ناتجها المحلي الإجمالي.
وتأتي هذه الضريبة المقترحة لتضاف إلى سلسلة من الضربات الاقتصادية التي تمثلت في تخفيضات حادة للمساعدات الخارجية والتهديد بفرض تعريفات جمركية عقابية ضد بعض أفقر دول العالم مثل ليسوتو ومدغشقر، ما يشكل ضربة جديدة للبلدان التي تعاني بسبب الحاجة الماسة لرؤوس الأموال.
ولا تمثل ضريبة ترامب على التحويلات خللاً غير مقصود، بل تندرج ضمن استراتيجية متعمدة لدفع المهاجرين للمغادرة، سواء أكانوا قانونيين أم غير ذلك، حيث سيلزم الأمريكيون المرسلون للأموال للخارج بإثبات مواطنتهم لتجنب هذه الضريبة.
ورغم أن هذا الإجراء قد يثني البعض عن الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، إلا أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تحول هذه التحويلات إلى قنوات بديلة كالعملات المشفرة والعملات المستقرة أو عبر شبكات «الحوالة» غير الرسمية القائمة على الثقة، ما سيجعل مراقبة هذه التدفقات أكثر صعوبة أمام سلطات الضرائب وأجهزة إنفاذ القانون.
وتعد هذه الضريبة المقترحة جزءاً من استراتيجية أوسع ينتهجها ترامب لتحويل النظام الضريبي إلى سلاح ضد من يعتبرهم خصوماً، سواء أكانوا فئات كالمهاجرين أم مؤسسات مثل جامعة هارفارد. ويرى البعض ضرورة وقوف أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بحزم ضد فرض ضريبة عقابية تستهدف العمال البسطاء الذين يرسلون جزءاً من أجورهم إلى أوطانهم، لا سيما في وقت تنهمر فيه الإعفاءات الضريبية على الأثرياء، وقد أكدت دراسات متعددة بالفعل أن هذه التدفقات المالية تسهم في تحسين مستويات الصحة والتعليم في البلدان المستقبلة.
وقد بلغت قيمة التحويلات عالمياً في عام 2024 نحو 685 مليار دولار، متجاوزة بفارق شاسع تدفقات المساعدات التي وصلت إلى 212 مليار دولار في العام نفسه، وهي فجوة مرشحة للاتساع مع التخفيضات المرتقبة في المساعدات الخارجية، وقد أثبتت هذه التحويلات قدرتها على الصمود في وجه الصدمات العالمية مثل الأزمة المالية عام 2008 وجائحة كوفيد.
وكشفت بيانات البنك الدولي أنه خلال السنوات العشر المنتهية في 2024، ارتفعت التحويلات بنسبة 57 %، بينما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 41 %، وقد سجلت في عام 2019 سابقة تاريخية بتجاوزها للاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى الدول النامية للمرة الأولى.
ومن منظور الدول المتلقية، تشكل هذه التحويلات مصدراً حيوياً للتمويل، حيث تتصدر طاجيكستان قائمة الدول الأكثر اعتماداً عليها بنسبة 45 % من ناتجها المحلي الإجمالي، تليها لبنان بنسبة 27 %، فيما تتلقى ليبيريا نحو 800 مليون دولار سنوياً من التحويلات، وهو مبلغ يكاد يعادل ميزانيتها الحكومية بأكملها.
وفي ظل أعباء سداد ديون ضخمة وتكلفة باهظة للتمويل التجاري، باتت العديد من الدول النامية تعتمد بشكل متزايد على هذه التحويلات، غير أن ذلك لا يجعل منها استراتيجية تنموية ناجعة، إذ ينبغي للاقتصادات النامية أن تبذل قصارى جهدها لتهيئة الظروف المواتية للاستثمار المستدام، باعتباره المسار الوحيد طويل الأمد للخروج من براثن الفقر، فإرسال أفضل الكفاءات والعقول إلى الخارج لا يمكن أن يدفع بالاقتصاد سوى لمسافة محدودة.
ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن التحويلات تمثل صمام أمان عالمي في ظل بيئة تشهد تقلصاً في إمكانية الوصول إلى رأس المال، وتأتي ضريبة ترامب المقترحة كجزء من ضغط أوسع نطاقاً على تدفقات رأس المال إلى أفقر دول العالم، وهو ما لن يسفر على الأرجح عن أي نتائج إيجابية تذكر.