من يملك بياناتك؟ صراع جديد بين التمويل والذكاء الاصطناعي
(البيان)-21/07/2025
تتشكل خطوط مواجهة جديدة في سباق السيطرة على بيانات العملاء في وقت يعيد فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي رسم طريقة استخدام البشر للتكنولوجيا والبيانات.
ولا يقتصر الأمر على شركات التكنولوجيا فحسب؛ فكل شركة لديها بيانات حيوية لعملائها تمتلك في الواقع مفتاحاً رئيسياً للاقتصاد الجديد، الذي يبنيه الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق بدأت بعض الشركات في اعتماد استراتيجيات دفاعية، إما عبر فرض رسوم على الوصول إلى هذه البيانات، وإما عبر حظرها بشكل صريح.
والأسبوع الماضي كشفت «بلومبرغ» عن اقتراح تقدم به بنك «جيه بي مورغان» لفرض رسوم على شركات التكنولوجيا مقابل السماح لها بالوصول إلى حسابات عملائه المصرفية.
وتشكل تطبيقات الدفع الهدف الأوضح من وراء هذه الخطوة، خاصة أنها استحوذت على حصة مربحة من السوق كانت تقليدياً من نصيب المصارف.
ومع ذلك فإن فرض رسوم جديدة على الوصول إلى البيانات يمثل تحولاً فارقاً في وقت يهدد فيه الذكاء الاصطناعي بتقويض أنماط الخدمات الرقمية بمختلف أشكالها، بما فيها خدمات التمويل، فالذكاء الاصطناعي يُعد بإطلاق العنان لسيل من أدوات التخطيط المالي الذكي وتقديم المشورة الآلية، لكن هذه الأدوات لن تكون ذات جدوى ما لم تتمكن من الوصول الكامل إلى البيانات المالية للمستخدمين، وهو ما يضع مؤسسات مثل «جيه بي مورغان» في موقع من يتصرف كـ«حارس بوابة»، يتحكم فيما يمكن وما لا يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي الوصول إليه.
وفي معرض مناقشته لأهمية بيانات العملاء في خطاب بعث به إلى المساهمين هذا العام قال جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لـ«جيه بي مورغان»: «تقدم المصارف خدمات رائعة، وقد حان الوقت للدفاع عن أنفسنا»، وبإمكانك تفسير رسالته كالآتي: «نحن لا نستهدف التخلي عن خدمات ذات قيمة أعلى دون مقاومة».
ومن الواضح أن البرمجيات تقف في الخطوط الأمامية لهذه المعركة، فها هي «سيلز فورس» تسببت في صدمة عمت أرجاء الصناعة مؤخراً، حينما حظرت على شركات البرمجيات الأخرى فهرسة أو نسخ البيانات من منصة «سلاك»، وهو تطبيق الدردشة الخاص بها المخصص للموظفين في المكاتب.
وتحتوي المحادثات على منصة «سلاك» على ما يرقى إلى أن تكون «جبالاً من البيانات» عما يجري داخل الشركات، وهي جبال بإمكان الشركات الأخرى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي الاستفادة منها في التنقيب عن البيانات.
وتعد الاستراتيجية الدفاعية، التي أعلنتها «سيلز فورس»، واحدة من بين تلك التي تتناهي كثيراً إلى مسامعنا من شركات تكبح الوصول إلى أنظمتها، فما أعلنته ليس إلا «تعزيزاً لوسائل الحماية» التي تحمي بها عملاءها، لكن ثمة ما يبرر درجة أكبر من الحذر هنا، في وقت تتطلع فيه بعض شركات الذكاء الاصطناعي إلى تعدين كميات هائلة من البيانات لتدريب أحدث نماذجها، لكن حظر وصول تطبيقات الأطراف الثالثة إلى البيانات، التي حصلت بالفعل على إذن صريح من العميل يبدو حاجزاً تنافسياً واضحاً، كما أنه أيضاً تقييد مصمم لربط العملاء بخدمات شركة مفردة.
ويشير ذلك إلى ارتباك أوسع نطاقاً ربما يوشك على أن يلحق بعالم البرمجيات، فالذكاء الاصطناعي التوليدي يَعِد بإيجاد أساليب جديدة للوصول إلى البيانات، وتجميعها وتقديمها، بغض الطرف عن مصدر هذه البيانات. وفي عالم مثل هذا من المرجح أن تنحسر أهمية التطبيقات الفردية مقارنة بأهميتها المعهودة فيما سبق.
وعوضاً عن ذلك سيصبح المساعدون الإلكترونيون، الذين يشغلهم الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكلاء «واجهة أمامية» أكثر أهمية للبرمجيات.
ويشكل هذا تهديداً واضحاً للشركات التي تعمل وكأنها «أنظمة إدارة سجلات»، أي التي تحتفظ بالبيانات المهمة نيابة عن العملاء، فليس هناك شركة من بين هذه الشركات ترغب في تراجع مكانتها لكي تصبح أداة خلفية.
وفي جانب آخر من عالم البرمجيات رفعت شركة سيلونيس الألمانية الناشئة دعوى قضائية ضد «إس إيه بي» في وقت مبكر من العام الجاري، بعدما أعلنت الأولى مواجهتها حظراً لاستخراج بيانات العملاء، التي تحتفظ بها شركة البرمجيات الأكبر حجماً.
وتتمثل أعمال «سيلونيس»، والمعروفة باسم استخراج العمليات، في قدرتها على فحص العمليات، التي يجريها العملاء بتفاصيل دقيقة للوقوف على أوجه القصور، وهي أعمال لا يمكنها تنفيذها إلا بتمتعها بالوصول إلى كل العمليات الرقمية لأي من الشركات.
ومن المرجح أن تحتدم العوامل التي أسفرت عن مثل هذه المنازعات، إذا أصبح استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي أكثر شيوعاً. ويحلم العديد من الشركات، ليس فقط في عالم التكنولوجيا، بتزويد عملائها بوكلاء بإمكانهم الاستفادة من الخدمات التي تقدمها، والبيانات بهدف أتمتة العمليات.
وفي الجهة المقابلة قد يفضل الكثير من العملاء استخدام وكلاء بإمكانهم العمل بصورة أكثر حرية، وبإمكانهم الاستفادة من مُختلف تطبيقات البرمجيات والصوامع البيانية.
ولكي يتأتى ذلك سيكون الوكلاء بحاجة إلى «الحديث» مع وكلاء آخرين، وأن يتفاوضوا في ما بينهم على الأذونات، وسبل الوصول إلى البيانات، أما بالنسبة لكيفية وضع قواعد التعامل فهناك سؤال لم يبدأ قطاع التكنولوجيا في التعاطي معه إلا بالكاد.
وهناك حل يبدو واضحاً لكل هذا: إذا كان هناك أي شيء يتعلق بالبيانات التي تعود إلى عملاء فينبغي أن يكون للعملاء أنفسهم القول الفصل فيمن سيتمتع بالوصول إلى البيانات وكيفية استخدامه لها، وقد شهدت بعض القطاعات، مثل القطاع المصرفي، محاولات لترسيخ هذه الفكرة في الضوابط التنظيمية.
وبالنسبة لقطاعات أخرى فهذه الفكرة منطقية ومفروغ منها، لكن من منظور عملي لن تكون الأمور بهذه البساطة، وغالباً ما تثبط تكاليف التبديل العملاء عن التخلي عن مزودي الخدمات حين شعورهم بعدم الرضا.
وبالنسبة لتقييد الوصول إلى البيانات فيأتي في أشكال متعددة، ولطالما ترسخ بنماذج أعمال الكثير من شركات التكنولوجيا، وبذلك فليس من سبب يدفع باتجاه تغيير هذا الوضع في عصر الذكاء الاصطناعي.