أسباب عديدة تدعو إلى الخوف من فقاعة للذهب
(البيان)-11/09/2025
عقدت «تيثر»، أكبر شركة مصدرة للعملات المستقرة على مستوى العالم، محادثات بشأن الاستثمار في تعدين الذهب، وتسعى الشركة لاستخدام أرباحها الضخمة من الأصول المشفرة لشراء السبائك. وقد أجرت الشركة مناقشات مع مجموعات للتعدين والاستثمار في سلسلة إمداد الذهب بأكملها، من التعدين والتكرير إلى التجارة وشركات حقوق الامتياز.
وشبه الرئيس التنفيذي لشركة «تيثر»، باولو أردوينو، الذهب بأنه البيتكوين الطبيعي. وقال: «أعلم أن الناس يعتبرون البيتكوين هو الذهب الرقمي، لكني أفضل التفكير بأسلوب البيتكوين، وأعتقد أن الذهب هو المصدر الطبيعي لدينا».
إن من العلامات السيئة عموماً أنه عندما تحقق شركة ما نجاحاً كبيراً في عملها الأساسي، تقرر الاتجاه إلى مجال لا تعرف عنه شيئاً، بحجة أن لديها فائضاً من الأموال، وأن هذا العمل الآخر لا يمكن أن يكون صعباً على أية حال. ولنستذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، مغامرات جنرال إلكتريك في القطاع المالي تحت قيادة جاك ويلش.
وقد يرى البعض أن الأوضاع ليست على هذا النحو في حالة «تيثر»، لأن الشركة منخرطة بالفعل في مجال حفظ القيمة نوعاً ما، والذهب مخزن للقيمة، أو لأن «تيثر» تعمل على ترميز الأشياء وقد يكون الذهب مناسباً للترميز. إضافة إلى ذلك، تستخدم كلمة «تعدين» كثيراً عندما يتعلق الأمر بمجالات الأصول المشفرة والذهب.
من جانبنا، نعتقد بضرورة إنهاء «تيثر» لمحاولاتها في مجال الذهب، غير أن القراء ربما تكون لديهم وجهة نظر أخرى. لكن النقطة المثيرة للاهتمام هنا تتعلق بالذهب، لا بالشركة. فمن الواضح للغاية أن الشركة لم تكن بأي حال من الأحوال لتفكر في سبر أغوار صناعة الذهب لولا ارتفاع سعر المعدن النفيس من 2,000 دولار للأونصة إلى 3,600 دولار خلال عام ونصف العام. وحقيقة أن الشركة تتطلع إلى الذهب تشير إلى أن هذا المعدن الأصفر أصبح محاطاً بضجيج كبير.
وقد أشرنا سابقاً إلى أن المكاسب الرائعة للذهب تعكس مزيجاً من الدولار الأضعف، والقلق بشأن تقلبات الأسهم، والتوترات الجيوسياسية، وتنويع المصارف المركزية لحيازاتها بالابتعاد عن العملة الخضراء. وعند الوضع في الاعتبار هذا التفسير، سيكون الذهب هو الأصل الذي يستجيب للمخاطر التي يبدو وأن الأسهم والسندات تتجاهلها.
لكن ماذا لو كان الذهب حالياً تجارة قائمة على الزخم؟ ماذا لو أصبح العضو الثامن في مجموعة الشركات «السبع الرائعة» بدلاً من أن يكون بديلاً عنها؟ ومن المؤكد أن السرعة التي ارتفع بها الذهب توحي بذلك.
ويجب أن نتذكر أن الذهب مر بفقاعات سابقة، أو على الأقل بأوضاع شبيهة للغاية بالفقاعات إذا نظرنا إليها بأثر رجعي. ففي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، تخطى الذهب حاجز 800 دولار للأونصة لفترة وجيزة، وبلغ هذا مستوى مرة أخرى في عام 2006. وفي حال ما إن كنت تعتقد أنها مجرد مفارقة تاريخية، فقد استغرق الأمر من الذهب تسعة أعوام ليعود إلى مستوياته المرتفعة التي سجلها عام 2011. ونعم، يعد الذهب مرتفعا للغاية حاليا على أساس معدل وفق التضخم مقارنة بما كان عليه عام 1980، وهو أكثر تكلفة مقارنة بعام 2011.
ويشكل الخوف عاملاً مشتركاً بين أعوام 1980 و2011 و2025. ففي عام 1980، كان العالم يخرج بخطى متعثرة من موجة الركود التضخمي التي غلبت على السبعينيات. وفي عام 2011، لما يكن من الواضح ما إذا كان النظام المالي سيتعافى كلياً من الأزمة المالية العالمية. وفي عام 2025، يساورنا القلق بشأن وجود فقاعة في الأصول، وتدهور مالي، وتعريفات ترامب الجمركية، وهجماته على مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الوقت ذاته. لكن تبدى بعد عامي 1980 و2011 أن الأمور لم تكن بالسوء الذي بدت عليه. وقد أقبل مشترو الذهب على امتلاك ضمان باهظ للغاية ضد وقوع أسوأ الاحتمالات، التي لم تتحقق في نهاية الأمر. وإذا ساد التفاؤل على المشهد، فربما يحدث الأمر نفسه في يومنا الحاضر.
على صعيد آخر، لا يلوح في الأفق أي تحسن بسوق العمل الأمريكية. فقد أضاف الاقتصاد خلال أغسطس نحو 22 ألف وظيفة فقط، وهو رقم يقل كثيراً عن توقعات المحللين البالغة 75 ألف وظيفة، ويتماشى مع الأداء الضعيف المسجل في الأشهر السابقة. أما المتوسط المتحرك لإيجاد الوظائف في الثلاثة أشهر، فلم يتجاوز 29 ألف وظيفة.
وفي الشهر الماضي، كانت الأرقام «أقل سوءاً» مما تبدو عليه للوهلة الأولى، وذلك لتباطؤ التوظيف الحكومي، مع بقاء معدل البطالة منخفضاً وفق المعايير التاريخية. كما أن تداعيات فوضى «يوم التحرير»، التي أحدثها ترامب ما زالت تلقي بظلالها، ما قد يفسر جانباً من حالة عدم اليقين المؤقتة لدى الشركات. يضاف إلى ذلك أن انخفاض المعروض من الأيدي العاملة ربما يسهم في تفاقم ضعف وتيرة التوظيف.
ويظل كل هذا صحيحاً، لكن هناك أدلة متزايدة على أن ضعف الطلب يقيد خلق فرص عمل جديدة. وتشير تقديرات ماثيو لوتزيتي من «دويتشه بنك»، إلى أن مستوى تعادل الوظائف المضافة، أي عدد الوظائف الجديدة المطلوبة ليظل معدل البطالة مستقراً، انخفض إلى نحو 50,000 شهرياً. ويرى آرت هوغان من «بي رايلي ويلث»، أن المستوى ربما كان يتراوح بين 100,000 و150,000 شهرياً العام الماضي. ورغم التراجع الكبير لمستوى التعادل، إلا أن تراخي سوق العمل قد ازداد، بغض النظر عن الوسيلة التي تقيس بها الأمور. ويظهر مؤشر ظروف السوق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، الذي يشتمل على مجموعة واسعة من المؤشرات، أن النشاط في سوق العمل يسلك اتجاها هابطا باطراد نحو المتوسط التاريخي صفر، وأن مستوى الزخم حالياً يقل كثيراً عن المتوسط.
وبالنسبة للوظائف في قطاع التصنيع، التي تعد مؤشراً دورياً، فقد تراجعت للشهر الرابع على التوالي في أغسطس، وهي أطول سلسلة انخفاضات منذ فترة الجائحة. وسجل التوظيف في هذا القطاع مستويات سالبة خلال العام الجاري. ولم تجلب التعريفات الجمركية الوظائف إلى قطاع التصنيع بعد، فبحسب بوب شوارتز من «أوكسفورد إكونوميكس»: «إذا كان الهدف من التعريفات الجمركية هو تعزيز قطاع التصنيع المحلي، فإن فائدتها لم تظهر على صعيد التوظيف… ويبدو أن ارتفاع تكاليف المدخلات المرتبط بالتعريفات الجمركية له تأثير فوري، بينما لم يؤتِ تحفيز الشركات لإعادة الأعمال والوظائف إلى الولايات المتحدة بثماره بعد».
وفي الوقت الراهن، يبدو أن الأسواق راضية بأن تنظر إلى القراءات الضعيفة لبيانات الوظائف باعتبارها تأكيداً على قرب خفض أسعار الفائدة، ما سيخفض معدل الخصم وسيحفز أسعار الأصول الخطرة. وسيظل ذلك نهجا منطقيا في التفكير طالما أن منافع معدل الخصم الأقل تفوق التهديد الذي يمثله تراجع أرباح الشركات. أما نمو الأرباح، فيظل جيداً حالياً إلى حد ما. وهو ما يحتاجه المستثمرون للاستمرار.