أوروبا .. أزمات الثلاثة الكبار
(العربية)-18/09/2025
*محمد كركوتي
الضغوطات المستمرة على أكبر 3 اقتصادات في أوروبا، لا يتمناها إلا أحزاب المعارضة لحكومات هذه البلدان. ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في أزمات اقتصادية مستمرة. صحيح أنها ليست جديدة، وتعود لسنوات خلت، إلا أنها تتعمق أكثر، ويصاحبها عدم استقرار سياسي أيضاً، ما يترك المجال لاستفحال هذه الضغوطات.
المشكلات المالية كبيرة، والعجز في الموازنات مستمر، والدين العام يرتفع، مع استمرار حالة عدم اليقين، إلى درجة أن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أقدمت أخيراً على خفض تصنيف فرنسا إلى A+، ما أعطى مزيداً من المؤشرات السلبية على ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وسط تفاقم الأزمة السياسية المصاحبة، طرحت تساؤلات حول تغيير الرئيس إيمانويل ماكرون، في سياق التغييرات المستمرة لرؤساء وزراء البلاد.
في ألمانيا الأكثر تماسكاً اقتصادياً بين الثلاثة الكبار، إلا أنها تواجه أزمات اقتصادية بعضها متوارث عن الحكومات السابقة، والبعض الآخر يتعلق بترتيبات ضريبية أرهقت الميزانية العامة. فهذا العجز سيبلغ وفق أدق التقديرات نحو 2.7%من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ حجم الدين العام الماضي 2.977 تريليون دولار أمريكي، أي ما يوازي 62.4 في المائة من الناتج المحلي. وكغيرها من الاقتصادين الأخرين، رفعت ألمانيا من مستوى الإنفاق العام، إلى جانب إعفاءات ضريبة قدت الحكومة أنها مستحقة.
ويسهم ارتفاع فوائد الديون الحكومية، في مزيد من تشويش الصورة الاقتصادية المحلية. والحق، أن الحكومة الحالية، لم تتمكن حتى الآن من تنفيذ خطة خفض العجز، ما يفسح المجال لاستمرار حالة الركود لعام آخر أو أكثر.
المشهد على الساحة البريطانية، ليس معقداً، بل يمكن أن نعده غريباً بعض الشيء. ففي الوقت الذي تتمتع فيه الحكومة الحالية بقوة برلمانية كبيرة للغاية، على عكس الوضع مع حكومتي ألمانيا وفرنسا، إلا أن المملكة المتحدة تعيش ضغوطات اقتصادية لا يمكن أن تتحملها حتى حكومة بهذه القوة. “الأمراض” الاقتصادية هي.. هي. عجز في الموازنة بلغ 5.3% من الناتج المحلي، مع ديون وصلت إلى أكثر من 2.5 تريليون جنيه إسترليني، أي تجاوزت حاجز الـ100% من هذا الناتج. ويضاف إلى ذلك الإنفاق المتزايد، على الرغم من أن بريطانيا على عكس معظم البلدان الأوروبية الغربية فرضت في ظل حكومتها العمالية الحالية، سياسات ضريبية مشددة، حتى أنها أدت إلى هروب مزيد من رؤوس الأموال من البلاد.
الحالة الاقتصادية الفرنسية تبقى حالياً الأكثر تعقيداً مقارنة بالحالتين الألمانية والبريطانية، لأن الضغوطات السياسية تضيق مساحة التحرك أمام الحكومة، ليس فقط من أجل إصلاح الاقتصاد الوطني، بل من استمرار بقائها في الحكم لأطول فترة ممكنة. الاضطراب السياسي الداخلي، يبقى أحد العوامل الأكثر فتكاً لأي مخططات اقتصادية بصرف النظر عن جدواها وطبيعتها. وفي المحصلة، ليس أمام الاقتصادات الثلاث الكبرى في القارة الأوروبية، سوى “النضال” ليس من أجل حل المشكلات فحسب، بل الخروج سريعاً من براثن الركود قبل أن يصبح مزمناً.