الاقتصاد العالمي يتحدى حرب ترامب التجارية.. ولكن النمو في خطر
(سي ان بي سي)-14/10/2025
يُثبت الاقتصاد العالمي مرونةً أكبر من المتوقع، على الرغم من ضراوة الحرب التجارية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن الاضطرابات الجيوسياسية وتراجع ثقة الشركات يُهددان بتقويض النمو، وفقاً لبحثٍ أجرته صحيفة فاينانشال تايمز.
يشهد النشاط الاقتصادي الحقيقي في الاقتصادات المتقدمة أقوى مستوياته منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، على الرغم من صدمة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي، وفقاً لأحدث نتائج مؤشرات بروكينغز- فاينانشال تايمز لتتبع الانتعاش الاقتصادي العالمي، أو ما يُعرف بـ”تايغر” Tiger.
يعود هذا التوسع جزئياً إلى قيام الأسر والشركات بتسريع وتيرة الإنفاق والاستثمار قبل سريان الرسوم الجمركية الأميركية. وقد ساهم ارتفاع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة، على وجه الخصوص، في استدامة النمو في الولايات المتحدة.
لكن إسوار براساد، الزميل البارز في مؤسسة بروكينغز، حذّر من “تصدعات في الأساس”، بما في ذلك الانفصال بين أسواق الأسهم المزدهرة والتهديدات التي تواجه آفاق النمو.
اقتصاد غير مستقر
البحث يكشف عن “مشهد اقتصادي يبدو حميداً ولكنه لا يزال غير مستقر، مع تراجع ثقة الأسر والشركات بسبب عدم اليقين بشأن السياسة التجارية، والاضطرابات السياسية في العديد من البلدان، والتقلبات الجيوسياسية”، كما قال براساد.
هذه النتائج تأتي بالتزامن مع اجتماع صانعو السياسات والاقتصاديون للتجمع لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن والتي بدأت يوم الاثنين 13 أكتوبر/ تشرين الأول.
الصمود في وجه التقلبات
ومما يؤكد التقلبات الجيوسياسية، تحذير الرئيس الأميركي ترامب يوم الجمعة 10 أكتوبر من أنه يفكر في “زيادة هائلة” في الرسوم الجمركية الأميركية على الصين بسبب قرارها بفرض ضوابط تصدير شاملة على المعادن الأساسية فأصاب الأسواق بسهامه، لكن الوضع انقلب انقلب يوم الأحد 12 أكتوبر مع نبرة ترامب المهادنة حين قال أنه لا يريد الإضرار بالصين الأمر الذي أنعش الأسواق يوم الاثنين.
في حديثها قبيل الاجتماعات العالية المستوى على الصعيد المالي والاقتصادي، قالت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، إن الصندوق يتوقع تباطؤ النمو العالمي “قليلاً فقط هذا العام والعام المقبل”، حيث تشير جميع الدلائل إلى “اقتصاد عالمي صمد بوجه عام أمام ضغوط حادة ناجمة عن صدمات متعددة”.
هذا الصمود نتيجةً لقطاع خاص أثبت قدرته على التكيف مع النظام التجاري الجديد أكثر من المتوقع، في حين كان تأثير الرسوم الجمركية أقل حدة مما كان يُخشى في البداية عندما أعلن ترامب عن حزمة الرسوم الجمركية “يوم التحرير” في أبريل. وظلت الظروف المالية داعمة بفضل الارتفاع الهائل في أسعار الأسهم.
وحسب صندوق النقد الدولي، انخفض معدل الرسوم الجمركية المرجح بالتجارة في الولايات المتحدة من 23% في أبريل إلى 17.5% الآن. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بمعدل سنوي قدره 3.8% في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو.
عوامل الخطر والإصلاح
لكن غورغييفا أعربت عن مخاوفها بشأن عوامل الخطر، بما في ذلك احتمال حدوث تصحيح حاد في أسواق الأسهم، حيث يدفع طفرة الذكاء الاصطناعي التقييمات نحو مستويات فقاعة الدوت كوم.
وبحسب رؤية براساد: “الأسواق المالية، التي كانت في البداية مذعورة من سياسات التجارة الأميركية غير المنتظمة، تمضي قدماً، حيث سجلت مؤشرات الأسهم في جميع أنحاء العالم مستويات قياسية جديدة حتى مع ضعف آفاق النمو”.
وأضاف: “يحتاج صانعو السياسات إلى استغلال هذا الوقت من الهدوء النسبي للمضي قدماً في الإصلاحات والسياسات المنضبطة التي من شأنها تحسين مرونة اقتصاداتهم في مواجهة التقلبات المتزايدة الناجمة عن انهيار النظام القائم على القواعد”.
ومما يؤكد التهديدات التي يتعرض لها النمو، كشف مؤشر تايغر باستمرار عن قراءات ضعيفة لثقة الأسر والشركات في الاقتصادات المتقدمة، حتى مع بقاء المعنويات أعلى من المتوسطات طويلة الأجل في الأسواق الناشئة.
في حين استمر النشاط الاقتصادي العالمي في اتجاهه الصعودي، أبرز البحث مؤشرات مبكرة على تباطؤ في المؤشرات الأميركية، إلى جانب تباطؤ الأداء في الصين.
ووفق براساد: “يفقد التوسع الاقتصادي الأميركي زخمه، إذ تؤثر سياسات إدارة ترامب التجارية المتقلبة، ومواقفها الصارمة تجاه الهجرة، وتخفيضات الإنفاق الاجتماعي سلباً على النمو والتوظيف”.
وتابع: “في حين أن احتمالية حدوث ركود لا تزال منخفضة، إلا أن المؤشرات الكلية أخفت حتى الآن ضعف قطاع التصنيع، ويبدو سوق العمل أقل قوة مما كان عليه قبل شهرين فقط”.
قي المقابل، مؤشرات منطقة اليورو تشير إلى آفاق فاترة، إذ تواجه ألمانيا احتمال انكماش للعام الثالث على التوالي، بينما تُصارع فرنسا أزمة سياسية مستمرة هزت الثقة في ماليتها العامة.
باتجاه معاكس، ظل نمو النشاط الحقيقي في المملكة المتحدة إيجابياً، لكن احتمال إعلان وزيرة المالية راشيل ريفز عن ميزانية صعبة أخرى في 26 نوفمبر/تشرين الثاني يُلقي بظلاله على المعنويات. وكان تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة إلى 0.2% فقط في الأشهر الثلاثة المنتهية في يوليو/ تموز، بينما ظل التضخم، الذي بلغ 3.8% في أغسطس/ آب، أعلى بكثير من هدف بنك إنكلترا البالغ 2%.