العالم بحاجة إلى إعادة هيكلة الديون لأغراض إنسانية
(البيان)-17/10/2025
تواجه المساعدات الإنسانية نسخة مما حدث إبان الأزمة المالية لعام 2008، مع خسائر كارثية بمليارات الدولارات.
لكن على عكس الفترة التي تلت انهيار ليمان براذرز، ليس هناك حزمة إنقاذ حكومية قادمة.
ولا تتوفر الآن شبكة أمان لـ300 مليون شخص حول العالم، يجدون أنفسهم الآن في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية.
بدلاً من ذلك، تسحق سلسلة من الأزمات المتداخلة -من الحروب وتغير المناخ، إلى عدم اليقين الاقتصادي والاضطرابات السياسية- المجتمعات الأكثر ضعفاً في العالم، مع تقلص المساعدات التي لم تعد تكفي بأي حال من الأحوال.
إن الأرقام قاتمة بالفعل. وهذا العام، بلغ النداء الإنساني العالمي –أي إجمالي الاحتياجات المُقدرة اللازمة للمساعدة- 47.4 مليار دولار.
وفي عام 2023، دفعت الدول منخفضة ومتوسطة الدخل 1.4 تريليون دولار لخدمة الدين العام، منها 225 مليار دولار كفوائد.
ورغم تزايد الحاجة، يدفع إرهاق المانحين وتغيّر الأولويات السياسية أموال المساعدات إلى الانخفاض، فيما تزداد صعوبة تعبئة الموارد المحلية في البلدان الفقيرة.
ولا تواجه حكومات البلدان الفقيرة مدفوعات ديون متزايدة، وأسعار فائدة مرتفعة فحسب، بل إن هذه العوامل نفسها تدفع سنداتها إلى التداول بخصومات كبيرة، تصل إلى 50 أو 60 سنتاً للدولار.
وهنا تبرز الحاجة إلى التفكير الإبداعي لإعادة تأكيد الأولويات الإنسانية في مواجهة الحقائق المالية والسياسية.
ومن بين الحلول الممكنة، مقايضات الديون، التي استُخدمت مؤخراً لدعم الأهداف الإنمائية والبيئية، ولكنها لم تُستخدم قط للأغراض الإنسانية. وهناك عدة طرق لهيكلة مقايضات الديون.
ومن النماذج الممكنة، إعادة شراء الديون السيادية القائمة للدولة بسعرها المخفض، واستبدالها بالتزام قرض جديد.
وتحمل هذه السندات الجديدة، المدعومة بتأمين ضد المخاطر السياسية من مؤسسات تمويل التنمية أو شركات التأمين الخاصة، أسعار فائدة أقل نظراً لارتفاع تصنيفاتها الائتمانية، مقارنةً بالديون الأصلية عالية المخاطر.
ويمكن للفرق بين قيمة الدين الأصلية والقرض الجديد، بالإضافة إلى انخفاض سعر الفائدة، أن يخلق تدفقاً نقدياً للسلع العامة – وكل ذلك مع خفض الدين الخارجي للبلاد. ولنأخذ «السندات الزرقاء» لدولة بيليز لعام 2021، على سبيل المثال.
فقد سمح دعم من ضمان مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية، للبلاد، باستبدال 553 مليون دولار من الديون، بقرض مخفض بقيمة 364 مليون دولار، بتصنيف Aa2 من موديز، مع خفض تكاليف خدمة الدين بمقدار 200 مليون دولار على مدى 20 عاماً.
وقد أدى ذلك إلى إنشاء صندوق وقفي بقيمة 180 مليون دولار لحماية البيئة على مدى عقدين من الزمن. وتعني هذه الخطوة المالية أن بليز يمكنها من خلال ذلك أن تخفض ديونها، وتحمي 30 % من محيطاتها.
إن هذه ليست صدقة. بل في واقع الأمر هندسة مالية توفر عائداً ثلاثياً: يمكن للحكومات الحصول على مساحة للحرية في ميزانياتها العمومية دون إعادة هيكلة معقدة، فيما يحصل المستثمرون على عوائد السوق، مع تحقيق تأثير اجتماعي، وتحصل المجتمعات المتضررة من الأزمات على تمويل مستدام للخدمات المنقذة للحياة.
وتستفيد حركة المناخ بالفعل من مقايضات «الديون مقابل الطبيعة» – وهي معاملات يتم فيها شراء الديون السيادية، لتُعاد هيكلتها بشرط استخدام المدخرات لحماية البيئة. وهذه النماذج فعّالة، فعلى سبيل المثال، أعادت الإكوادور مؤخراً هيكلة ديونها، وأعادت توجيه أكثر من 1.5 مليار دولار من المدخرات نحو الحفاظ على البيئة وتخفيف أعباء الديون.
كما أتمت ساحل العاج وبنين مقايضات إنمائية بقيمة تتراوح بين 400 و500 مليون يورو، بضمانات من البنك الدولي، لتمويل أهداف التنمية المستدامة.
لقد حان الوقت لتكييف هذه الآلية مع الاحتياجات الإنسانية أيضاً، حيث يمكن للمنظمات غير الحكومية، مثل لجنة الإنقاذ الدولية، أن تقوم بدورها في تشجيع مقايضات الديون والتوسط فيها، لكن هذا الحل يتطلب أيضاً تغييراً مدروساً في الأنظمة.
يمكن للبنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى، بذل المزيد من الجهود في هذا السياق.
وهذا يعني تصميم أدوات ضمان مناسبة للبيئات الهشة والمتأثرة بالصراعات، وليس فقط للبنية التحتية، أو القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وسيعني ذلك أيضاً العمل جنباً إلى جنب مع مجموعة واسعة من الشركاء، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والمستثمرين من القطاع الخاص.
واليوم، تُجبر أكثر دول العالم هشاشةً على الاختيار بين دفع مستحقات حاملي السندات، أو دفع رواتب المعلمين، وبين سداد الديون أو توفير الأدوية. وهذا ليس خياراً، بل هو فشلٌ منهجيّ.
وتُتيح مبادلات الديون الإنسانية سبيلاً للمضي قدماً -ليس كحلٍّ سحريّ، بل كخطوة عملية وقابلة للتطوير وعاجلة من الناحية الأخلاقية.
إن القضية واضحة. والآلية مُجرّبة. والحاجة مُلِحّة. لذلك، فقد حان وقت العمل.