اختتام اجتماعات واشنطن: العالم يواجه «التحول العميق» وسط تحدي الديون وتباطؤ النمو
(الشرق الاوسط)-20/10/2025
أسدلت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن الستار على أسبوع من النقاشات العميقة، مؤكدة أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة جديدة من التحديات والفرص. في قلب هذه الرؤية، يأتي توصيف وزير المالية السعودي ورئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (IMFC)، محمد الجدعان، للمرحلة الراهنة بأنها «تحول عميق» لا يمكن مواجهتها إلا بـ«العمل معاً» و«شجاعة القيادة».
وجاءت اجتماعات واشنطن لتؤكد استنتاجاً مركزياً عبّرت عنه المديرة العامة للصندوق، كريستالينا غورغييفا؛ وهو أن الاقتصاد العالمي «أبلى بلاءً حسناً مقارنة بمخاوفنا قبل ستة أشهر، لكنه أسوأ مما نحتاج إليه»، وأن «عدم اليقين هو الوضع الطبيعي الجديد».
رغم إظهار الاقتصاد العالمي «مرونة» في النمو، فإن التوقعات تشير إلى تباطؤ مستمر، حيث يتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.3 في المائة خلال 2024 إلى 3.2 في المائة خلال 2025، و3.1 في المائة خلال 2026. ومن المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد العالمي، هذا العام والعام المقبل، مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية وانقطاعات سلاسل التوريد في التأثير على الناتج العالمي.
ويبدو أن الاقتصاد العالمي أقوى قليلاً مما توقَّعه خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، في وقت سابق من هذا العام. ويعود ذلك إلى أن الولايات المتحدة خفّضت أو أجّلت عدداً من الرسوم الجمركية التي هدد بها الرئيس ترمب بعد تولِّيه منصبه، ولأن الشركات سارعت إلى تخزين السلع قبل سَرَيان الرسوم. وقد أحجم عدد من الشركات، في الوقت الحالي، عن تحميل عملائها تكاليف إضافية.
لكن لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين، فقد دخلت رسوم جمركية جديدة حيز التنفيذ، كما اشتعلت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين مجدداً، الأسبوع الماضي، بعد أن هدَّد ترمب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 100 في المائة إضافية؛ رداً على ضوابط التصدير الصينية الجديدة.
ويرى صندوق النقد الدولي مخاطر كبيرة على النمو العالمي نتيجة تجدّد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. وإذا تحققت هذه المخاطر في صورة رسوم جمركية أعلى واضطرابات بسلاسل الإمداد، فإن النمو قد يتراجع بمقدار 0.3 نقطة مئوية. وإذا حدث مزيد من التوترات، فذلك سيعني أيضاً مخاطر سلبية للصين.
أزمة الديون
القلق الأبرز الذي تصدَّر جدول الأعمال كان ملف الديون السيادية، وهو تحدٍّ وصفه الجدعان بأنه «مُقلق» ويهدد «الأرواح وسُبل العيش» في الدول الهشة، خاصة في أفريقيا. الدين الحكومي العالمي، وفقاً لتقديرات الصندوق، في طريقه للوصول إلى 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحلول عام 2029.
ولمواجهة هذا «التحول العميق» في المالية العامة، شدد الجدعان على ضرورة أن يتسم التعامل مع أزمة الديون بـ«الشجاعة» والقيادة القوية، مؤكداً أهمية الالتزام بإعادة هيكلة الديون بطريقة «منظمة»، بدعم من «الإطار المشترك لمجموعة العشرين».
ولمواجهة هذا التحدي الذي يتطلب «رؤية قوية، وقيادة، وتصميماً، وبالتأكيد، الكثير من الشجاعة»، وفق الجدعان، اتفقت لجنة الشؤون النقدية والمالية بصندوق النقد الدولي على مجموعة من المحاور الأساسية:
- دعم أفريقيا وتحقيق الاكتفاء: لمواجهة ضغوط الديون، وجهت غورغييفا نصيحة عملية للدول الأفريقية للتركيز على تعزيز الإيرادات المحلية لتصل نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 15 في المائة على الأقل، والأهم هو ضرورة تفعيل التجارة البينية الأفريقية كمحرك للنمو.
- التنسيق والإصلاحات: شدد الجدعان على أهمية التزام الدول بالاستثمار المنتج وسداد الديون في الوقت المناسب، وعند الضرورة، إعادة هيكلة الديون بطريقة «منظمة»، بدعم من «الإطار المشترك لمجموعة العشرين».
الذكاء الاصطناعي… قوة محركة
بات الذكاء الاصطناعي قوة محركة للاقتصاد العالمي، حيث إن طفرة الاستثمار في هذه التكنولوجيا تجلب «تفاؤلاً لا يُصدَّق» يتركز، بشكل كبير، في الولايات المتحدة، التي «تتصدر بفارق كبير» في توزيع هذه الاستثمارات. ووفق تقديرات الصندوق، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز النمو العالمي بما يتراوح بين 0.1 في المائة و 0.8 في المائة، وهي «دفعة كبيرة جداً» للعالم، رغم أن الصندوق يُحذر من أن الذكاء الاصطناعي يمثل أيضاً «مصدر انقسام وتفاوت» بين الدول وداخلها. فمؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي» الذي طوّره الصندوق (ويصنف 174 دولة بناءً على أربعة معايير: البنية التحتية الرقمية، مهارات سوق العمل، الابتكار، واللوائح والأخلاقيات) يكشف عن «توزيع كبير جداً بين الأفضل والمتأخرين». وتتركز الدول المتقدمة وبعض الأسواق الناشئة (مثل الصين ومعظم دول الخليج) في الثلث الأعلى، بينما تقع الدول منخفضة الدخل في القاع.
لقد قال الجدعان إن العالم يمر بتحول عميق، وإن هناك تحديات وفرصاً. وفي سياق الفرص الهائلة، التي تحدّث عنها الجدعان، ظهر ملف الذكاء الاصطناعي كساحة جديدة للمنافسة، مع تعزيز مراقبة المخاطر النظامية الناجمة عن تطورات هذا الملف. وقدَّم الجدعان رؤية متفائلة تقوم على رأس المال البشري كأصل فريد للدول النامية، فقد أكد أن الفجوة التكنولوجية يمكن تضييقها، مشيراً إلى أن الدول الأفريقية تمتلك «أداة لا يملكها كثير من الدول المتقدمة، وهي رأس المال البشري»، مشترطاً أن يجري التركيز على إعادة معايرة النظام التعليمي للاستثمار في هذه الميزة التنافسية.
دعم متجدد لمؤسسة الصندوق
في ختام الاجتماعات، تُرجم الإجماع على مواجهة التحديات إلى دعم قوي وموحد لمؤسسة الصندوق، إذ جرى تأكيد التزام الأعضاء بـ«صندوق نقد قوي، قائم على الحصص، ومزوّد بموارد كافية»، مع الدعوة إلى إنهاء الموافقات على زيادة الحصص، ضمن «المراجعة العامة السادسة عشرة للحصص» دون تأخير. كما تضمَّن الدعم إقراراً بضرورة العمل على إصلاح حوكمة الصندوق لتعكس، بشكل أفضل، المراكز النسبية للدول في الاقتصاد العالمي، مع حماية حصص الأعضاء الأكثر فقراً. إن هذا التوافق الدولي، الذي يقوم على أولويات «تعزيز الأساسيات وبناء المرونة»، يؤكد أن الحل يكمن في العمل المشترك والشجاعة السياسية لتجاوز مخاطر مرحلة «التحول العميق».