الاقتصاد العالمي يواصل تقلباته بين المرونة والهشاشة
(البيان)-20/10/2025
جسّد الأسبوع الماضي الوضع المتقلب باستمرار للاقتصاد العالمي في عام 2025.
بدأ ذلك بتجدد المخاوف من تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ثم، يوم الثلاثاء الماضي، صدر مؤشر لبعض الارتياح من جانب صندوق النقد الدولي، الذي رفع تقديراته للنمو في معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسة عام 2025، وفي الأسواق المالية، أبرزت تقارير أرباح البنوك الأمريكية القوية ازدهاراً في ظروف إبرام الصفقات والتداولات.
مع ذلك، خرجت تحذيرات مؤخراً للممولين من فقاعة استثمارية محتملة في مجال الذكاء الاصطناعي، مع معايير إقراض متساهلة، وفروقات أسعار ضيقة بشكل غير واقعي في أسواق الائتمان.
وبحلول يوم الجمعة شهدت أسواق الأسهم العالمية عمليات بيع متجددة، وهذه المرة بسبب المخاوف بشأن صحة مؤسسات الإقراض الأمريكية الإقليمية.
ومن الطبيعي في ظل هذه المعطيات أن يصاب أي شخص يبحث عن سردية بسيطة وشاملة لتوضيح جميع التناقضات بخيبة أمل.
وإذا وجد واحدة فعليه أن يكون متشككاً، ويعد التنبؤ صعباً بما فيه الكفاية في فترات الاستقرار، فما بالكم عندما يستخدم زعيم أكبر اقتصاد في العالم عدم القدرة على التنبؤ أداة سياسية، وعندما يؤدي الإيمان بالقدرات التحويلية لتكنولوجيا جديدة إلى تدفق استثمارات تقدر بتريليونات الدولارات.
في مثل هذه الأوقات ربما يكون من الأفضل تقبل الغموض والنظر إلى الاقتصاد العالمي على حقيقته – مرن وهش في آنٍ، مع قدر من حسن الحظ.
وهناك بالتأكيد نقاط قوة، فقد قللت التوقعات القاتمة في وقت سابق من هذا العام من شأن مرونة القطاع الخاص، وفي رد فعل تجاه الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات قامت الشركات الأمريكية بتحميل الواردات مبكراً، وتحملت التكاليف، ووجدت حلولاً بديلة، بما في ذلك التوريد من موردين أقل تعرضاً للرسوم الجمركية.
وأعادت الشركات الأجنبية هيكلة سلاسل التوريد، بل لجأ بعضها إلى إعادة وضع بعض العلامات على المنتجات للتهرب من الرسوم.
في الوقت نفسه عززت وعود الذكاء الاصطناعي الأعمال والإنفاق الرأسمالي وأسواق الأسهم، وفي الواقع عوض الاستثمار في مراكز البيانات والرقائق والبنية التحتية السحابية الضعف واسع النطاق في الاقتصاد الأمريكي.
وكان لصانعي السياسات دور في ذلك، ففي بعض الاقتصادات المتقدمة حفزت الاضطرابات زخم الإصلاحات، لذلك أخذت كندا تحرر أسواقها الداخلية، وعززت ألمانيا، المقتصدة عادة، قوتها المالية، أما الاقتصادات النامية فقد أظهرت استقراراً – فقد أشاد صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع بالسياسات النقدية لهذه الدول وسياسات أسعار الصرف الحكيمة.
وبعيداً عن الولايات المتحدة يبدو منطق التجارة المفتوحة سليماً، لذلك تواصل الدول والكتل تنويع علاقاتها التجارية.
وربما كان هناك قدر لا يمكن إنكاره من حس الحظ، فأسوأ السيناريوهات التي أبقت الاقتصاديين والمستثمرين مستيقظين في الربيع لم تتحقق، وقد تراجعت أجندة ترامب الحمائية، بسبب التأخيرات والاستثناءات والمفاوضات مع شركاء التجارة، وهذا أدى ذلك إلى أن متوسط معدل التعريفات الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة يبلغ الآن حوالي 17.9%، وليس 28% كنسبة مقدرة بعد إعلانات «يوم التحرير» في 2 أبريل، كما وفرت تخفيضات أسعار الفائدة بعض الراحة، في حين أن ضعف الدولار، وهو أمر غير معتاد في أوقات عدم اليقين الشديد، كان بمثابة ريح مواتية للاقتصادات الناشئة، ومع ذلك فإن الحظ السعيد لا يخفي المخاطر المقبلة، فلا تزال معدلات الرسوم الجمركية الأمريكية، وخصوصاً مع الصين، في حالة تقلب.
وستؤدي معدلات الرسوم الحالية واستمرار حالة عدم اليقين إلى استنزاف النشاط الاقتصادي، كما أن التقييمات الباهظة للأسهم والانكشافات الكبيرة على شركات التكنولوجيا الكبرى تنذر بمحو قدر كبير من الثروات إذا ما تراجع التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي، وستفقد الولايات المتحدة أيضاً دعامة اقتصادية رئيسية.
وفي مراكز أخرى من الأسواق المالية يتزايد القلق بشأن احتمالية التخلف عن السداد وسط تسعير ديون الشركات بسخاء واستغلال الرافعة المالية في الأسواق الخاصة، وبالنسبة للحكومات فإن المالية العامة المتذبذبة لا تترك مجالاً كبيراً لأي دعم مالي وتزيد من تقلبات أسواق السندات.
وبوجه عام يكشف الطيف الكامل للمؤشرات الاقتصادية عن دروس مهمة لصانعي السياسات والمستثمرين، لذلك، وفي كل الأحوال، يجب البناء على المرونة المتوفرة، وتجنب الركون إلى الحظ والأمل، مع ضرورة عدم إهمال الهشاشة بالمرة.
وفي عالم يرفض السكون يمكن للإجابات التبسيطية أن تحجب الرؤية بدرجة كبيرة.