الصين تكثف حملتها للحد من مركزية الدولار في التدفقات المالية العالمية
(البيان)-27/10/2025
تشهد عمليات إقراض الصين بالرنمينبي في الخارج ارتفاعاً حاداً، مع تكثيف بكين جهودها لتوسيع دور عملتها في التمويل الدولي وتقليل تعرض البلاد للدولار الأمريكي، فقد زادت قيمة القروض والودائع واستثمارات السندات الخارجية بالرنمينبي من البنوك الصينية أربعة أضعاف لتصل إلى أكثر من 3.4 تريليونات يوان (480 مليار دولار) خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل سعي أكثر حزماً من جانب صانعي السياسات لتحقيق هدفهم طويل الأجل المتمثل في الحد من مركزية الدولار في التدفقات المالية العالمية.
وفي إطار هذه الحملة، تفتح الصين أيضاً المزيد من القنوات للمستثمرين الأجانب لشراء السندات المقومة بالرنمينبي.
وقد ركز المسؤولون جهودهم بصفة خاصة على تعزيز دور الرنمينبي في التجارة، جزئياً كوسيلة دفاع ضد السياسات التي سنت في الولايات المتحدة وأماكن أخرى والتي تحول الدولار إلى سلاح – مثل عقوبات الاتحاد الأوروبي التي فرضها منذ أيام على البنوك الصينية المتهمة بمساعدة روسيا في تأمين قطع غيار الأسلحة في الخارج.
وقال آدم وولف، الخبير الاقتصادي في الأسواق الناشئة في شركة «أبسلوت استراتيجي ريسيرش» في لندن: «من وجهة نظر الصين، تعد التسويات بالرنمينبي أمراً مهماً لأنها تظهر أنه مهما حدث، يبقى بالإمكان تداوله».
وتظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن إدارة النقد الأجنبي بالدولة الصينية أن الأصول الخارجية ذات الدخل الثابت للبنوك الصينية ارتفعت بأكثر من الضعف خلال العقد الماضي لتتجاوز 1.5 تريليون دولار، مع توسع سريع لحصة الأصول المقومة بالرنمينبي لتصل إلى ما يقرب من 484 مليار دولار بنهاية يونيو.
ويشمل ذلك 360 مليار دولار من القروض والودائع المقومة بالرنمينبي، بارتفاع ضخم مقارنة مع 110 مليارات دولار في عام 2020.
وبالمثل، يقدر بنك التسويات الدولية أن إقراض البنوك الخارجية بالرنمينبي للمقترضين في الدول النامية ارتفع بمقدار 373 مليار دولار في السنوات الأربع حتى نهاية مارس.
وأضاف بنك التسويات الدولية: «مثّل عام 2022 نقطة تحول من الائتمان المقوم بالدولار واليورو إلى الائتمان المقوم بالرنمينبي» لهؤلاء المقترضين.
ومع انخفاض أسعار الفائدة نسبياً في الصين، قامت جهات مقترضة سيادية، بما في ذلك كينيا وأنغولا وإثيوبيا، بتحويل ديونها الدولارية القديمة إلى الرنمينبي هذا العام.
وأعلنت إندونيسيا وسلوفينيا أخيراً عن خطط لإصدار سندات بالرنمينبي، وخلال الشهر الماضي، باع بنك التنمية الكازاخستاني سندات خارجية بقيمة ملياري رنمينبي بعائد 3.3% فقط.
ويعزى جزء كبير من التوسع في الإقراض بالرنمينبي إلى تمويل التجارة. وتظهر بيانات من شركة سويفت، المزودة لأنظمة المدفوعات العابرة للحدود، أن حصة الرنمينبي من تمويل التجارة العالمي تضاعفت 4 مرات خلال السنوات الثلاث الماضية لتصل إلى 7.6% في سبتمبر، ما يجعله ثاني أكثر العملات استخداماً في تمويل التجارة بعد الدولار الأمريكي.
وعززت الصين استخدام الرنمينبي في الخارج من خلال شبكة من بنوك المقاصة الخارجية، الصينية والأجنبية على حد سواء، ومن خلال خطوط المبادلة مع الشركاء التجاريين حول العالم.
ويأتي ذلك في الوقت الذي عززت فيه بكين استخدام نظام المدفوعات العابر للحدود الخاص بها «سيبس»، حيث ارتفعت قيمة المعاملات من مبلغ ضئيل للغاية قبل عقد من الزمان إلى أكثر من 40 تريليون رنمينبي في كل ربع سنة منذ بداية العام الماضي.
وتوسعت المعاملات عبر «سيبس» حتى مع انخفاض حصة الرنمينبي من المدفوعات العالمية على نظام «سويفت».
وقال بيرت هوفمان، الأستاذ في معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إن هذا يشير على الأرجح إلى انتقال متزايد للمدفوعات إلى النظام الصيني – ما يعزز رغبة بكين في الابتعاد عن نظام نقدي عالمي قائم على الدولار إلى نظام متعدد الأقطاب.
وأضاف هوفمان: إن المسؤولين الصينيين يعتقدون أن «النظام القائم على الدولار غير مستقر بطبيعته وله عيوب يمكن تلافيها في نظام متعدد العملات».
وتشير بيانات الجمارك الصينية إلى أن مثل هذه الخطط تتقدم بوضوح.
ويظهر ذلك ارتفاع قيمة التجارة الصينية القائمة على الرنمينبي إلى أكثر من تريليون رنمينبي شهرياً على مدار العقد الماضي، حيث تتم الآن تسوية حوالي 30% من تجارة الصين وأكثر من نصف معاملاتها العابرة للحدود بالرنمينبي.
ومع ذلك، تعيق ضوابط رأس المال الصينية جاذبية الرنمينبي الدولية – فوفقاً لصندوق النقد الدولي، لم يشكل الرنمينبي سوى 2.1% من الاحتياطيات الرسمية في بداية هذا العام.
وإحدى المشكلات تتمثل في نقص أصول الرنمينبي المتاحة بسهولة.
ويتحرك صانعو السياسات الصينيون لمعالجة هذه المشكلة.
وقد شرعت سلطات هونغ كونغ بالفعل في خطة لجعل المدينة مركزاً للدخل الثابت وتداول العملات.
وفي الوقت نفسه، فتحت بكين سوق إعادة الشراء بين البنوك المحلية للمستثمرين الأجانب، ما يسمح لهم باستخدام أصول الدخل الثابت بالرنمينبي كضمان للقروض بالعملة الصينية.
قالت كارين لام، رئيسة قسم توريق الأوراق المالية والمشتقات المالية في هونغ كونغ بشركة سيمونز آند سيمونز للمحاماة، إن مبادرة إعادة الشراء «تعالج بعض نقاط الضعف لدى المستثمرين الأجانب».
وأضافت: «من المنطقي أن يزداد إقبال المستثمرين أكثر على هذه الأصول طالما يصبح بمقدورهم استخدامها لأغراض تتجاوز مجرد الاحتفاظ بها وتحقيق دخل من وراء ذلك».
وفي الشهر الماضي، أعلنت سلطات هونغ كونغ عن «خارطة طريق» لدعم أسواق المدينة من خلال دعم الإصدار والسيولة، وخصوصاً بالرنمينبي.
وقال بول سميث، رئيس أسواق اليابان وشمال آسيا وأستراليا في سيتي جروب، حول القناة التي تربط بورصة هونغ كونغ بالبورصات في البر الرئيسي: «إنها بنفس أهمية ما فعلته هونغ كونغ من خلال برامج ربط الأسهم.
في نهاية المطاف، سيساهم ذلك في تسريع وتيرة تحول الرنمينبي إلى عملة تمويل».
وخلال الصيف، وسعت بكين نطاق برنامج ربط سنداتها للسماح لمزيد من مستثمري البر الرئيسي الصيني بالاستثمار في سوق هونغ كونغ للدخل الثابت، وهو ما أكد سميث إنه يربط مصدري ديون الرنمينبي الخارجية بـ«مصادر كبيرة لسيولة الرنمينبي».
ويتفق الخبراء على أن الصين لا ترغب كثيراً في أن يحل الرنمينبي محل الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي.
ولكن من خلال تعزيز مشاركة الرنمينبي في التجارة والاستثمار الدوليين، «قد تحصل الصين على أفضل ما في العالمين».
ويقول المحللون إن سياسات بكين تبرز هذا الهدف بوضوح. وقال بيرت هوفمان: «تتحرك السياسة تدريجياً تجاه هذه الغاية».
