إخفاق أوروبا مستمر في السعي لبسط نفوذها الاقتصادي عالمياً
(البيان)-14/11/2025
صُدم الشعبان الدنماركي والنرويجي مؤخراً، عندما اتضح لهم أن الرحلات المدرسية والتسوقية ورحلات العمل، قد تتوقف تماماً بسبب قرارات الحزب الشيوعي الصيني.
وقد أدى إدراك إمكانية إيقاف الحافلات الكهربائية التي تصنعها شركة يوتونغ الصينية، من خلال الوصول عن بُعد إلى برمجيات المركبة، إلى مسارعة دول أوروبية أخرى لتقييم مدى ضعفها أمام التدخل التكنولوجي الصيني.
وهذا ليس هو «الاستقلال الاستراتيجي المفتوح»، الذي وعدت به أورسولا فون دير لاين الاتحاد الأوروبي في عام 2021، عندما قدمت نفسها كرئيسة لما وصفته بالمفوضية الأوروبية الجيوسياسية الجديدة.
كما أن الاتحاد الأوروبي يتعرض لمضايقات من القوة الجيواقتصادية العظمى الأخرى، وهو مضطر لتخفيف حدة قانون تنظيم الذكاء الاصطناعي الخاص به، تحت ضغط كبير من صناعة التكنولوجيا الأمريكية.
في وقت سابق من هذا العام، أُجبرت أوروبا على الانضمام إلى «صفقة تيرنبيري» التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورضيت بتخفيضات جمركية غير متبادلة، لتوافق بذلك على ما يبدو أنه إضعاف دورها كجهةٍ عالميةٍ تُحدد قواعدها من خلال قبولها بالاعتراف بالمعايير الأمريكية.
ومن السهل السقوط في فخ المبالغة في المخاوف من تفكك العالم إلى تكتلات تجارية جيوسياسية، وأن العولمة تنهار. لكن الأدلة على ذلك لا تزال شحيحة، كما ينجح العديد من الدول في اتباع مساراتٍ وسطية بين الولايات المتحدة والصين، والتجارة مع كلا الجانبين.
ويوفر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعض الحماية على الأقل. فالدول الأصغر، مثل آيسلندا وسويسرا، والتي تضررت بشدةٍ من رسوم ترامب الجمركية، تتحالف الآن بشكلٍ أوثق مع الكتلة.
ويطمح الاتحاد الأوروبي إلى أن يكون أكثر من مجرد ملاذٍ إقليمي.. إنه يسعى لأن يكون قوةً عالميةً مؤثرةً، تُلقي بثقلها الجيواقتصادي، لا مجرد مُنفذ للقواعد، وفي وضع تهرب متكرر. وبذلك يفشل في تحقيق طموحه.
ولكي نكون منصفين، بذلت الدول الأوروبية جهوداً كبيرة بالفعل لدعم أوكرانيا، على الأقل مالياً، وعبر فرض العقوبات، ما بدا مرجحاً عندما اندلعت الحرب بين روسيا وجارتها في عام 2022. وهي الجارة التي تطمح للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
وفي أماكن أخرى، أثبتت آليات الاتحاد الأوروبي التقليدية، القائمة على الطلب لنشر النفوذ، وإغراء الوصول إلى سوقها الاستهلاكية الضخمة، التي تسمح لها بوضع معايير تنظيمية دولية، أنها غير كافية في عالم غالباً ما يكون فيه توفير التقنيات والمدخلات الأساسية أكثر أهمية.
وتضع بروكسل حالياً نسختها الخامسة من قائمة المواد الخام الحيوية ذات الأولوية العالية، لكنها تفتقر إلى النفوذ اللازم لتأمين الإمدادات. وبشكل عام، فإنها لا تبذل ما يكفي من الجهود لبناء القدرة على الصمود في مواجهة التعرض للصين، وذلك وفقاً لتقييم دوري أجراه معهد ميركاتور للدراسات الصينية، وهو مركز أبحاث مقره برلين.
على الرغم من أن مشكلة الصين الرئيسة هي مع الولايات المتحدة، إلا أن الصينيين وجهوا ضربة قاسية للمنتجين الأوروبيين أيضاً، بفرض قيود على صادرات المعادن النادرة.
وقد استحوذت هولندا مؤخراً على شركة نيكسبيريا الهولندية لتصنيع الرقائق المملوكة للصين، بسبب مخاوف أمنية، ولكن يبدو أن ذلك كان بسبب ضغوط من الولايات المتحدة.
وقد ردت الصين بمنع تصدير أشباه موصلات نيكسبيريا. ويبدو أن الأمر لم يُحل من خلال لاهاي أو بروكسل، بل من خلال التقارب الأخير بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ودونالد ترامب.
ولحسن الحظ، نظراً لأن التجارة ليست غارقة في المشاكل في الاتحاد الأوروبي، مثلما هي الآن الولايات المتحدة، لا تزال بروكسل تميل إلى توقيع اتفاقيات تجارية تفضيلية تقليدية. وهي بدأت في هذا السياق تنفيذ اتفاقية أخيراً مع تكتل أمريكا الجنوبية «ميركوسور»، بعد ربع قرن من المفاوضات.
وقد وصفت سيسيليا مالمستروم المفوضة التجارية السابقة للاتحاد الأوروبي، والتي تعمل الآن في مركز أبحاث معهد بيترسون، الاتفاقية بأنها «تحالف استراتيجي جديد» مع أمريكا اللاتينية. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي قد تنازل عن مبادئه البيئية لإتمام الاتفاقية.
علاوة على ذلك، بينما كان يُنظر إلى الاتفاقية تقليدياً على أنها صفقة «سيارات مقابل لحوم»، تُركز البرازيل الآن على السيارات الكهربائية أكثر بكثير من السيارات التقليدية، حيث تتفوق الصين بشكل كبير على أوروبا.
وتستحوذ السيارات الكهربائية الصينية على السوق البرازيلية، كما أن الصين تستثمر في التصنيع المحلي، بعد ضغوط من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
وتجسد ردود أفعال صناعة السيارات الأوروبية تجاه تحدي السيارات الكهربائية، نهج الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات الجيوسياسية، فهو قادر على بناء نظام مُعقّد للغاية، ومصمم بإتقان، ويُجري تحسينات هامشية مُستمرة.
لكن في مواجهة التغيير النظامي السريع، يواجه صعوبة بالغة في القفز بذكاء من حقبة قديمة إلى حقبة جديدة. كما أنه فاشل في العمل الجماعي:
وعلى سبيل المثال، فإن تركيز ألمانيا المُفرط على صناعة السيارات الوطنية الخاصة بها، يُشير إلى إحجام الدول الأعضاء عن التنازل عن السلطة والمال للاتحاد ككل.
وانتقاد ادعاءات الاتحاد الأوروبي بالعمل الجماعي، هو لعبة دموية تقليدية، تبدو أحياناً سهلة للغاية وغير عادلة، خاصةً في المفوضية. يواجه الاتحاد تحديات جوهرية، تتمثل في توزيع غير مُريح للصلاحيات الأمنية والعسكرية، بل وحتى المالية.
وعلى الأقل، يبذل الاتحاد جهداً أكبر من الولايات المتحدة، التي تُبدد بسرعة مزاياها الجيواقتصادية الهائلة، عبر إدمانها المُستميت على الحمائية المُدمرة، ورفضها الغريب للتكنولوجيا الخضراء، وإنكار تغير المناخ.
لكن مما لا شك فيه، أن الفجوة الكبيرة بين طموح الاتحاد الأوروبي وواقعه المؤسسي، لم تتقلص كثيراً منذ أن أعلنت فون دير لاين عن هدفها المتمثل في الاستقلال الاستراتيجي.
ورغم أن توقيع اتفاقيات تجارية ناضجة، يفوق قدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك، فهو لن يقترب من تحويل الاتحاد الأوروبي إلى قوة جيوسياسية بمفرده.
