هل يمكن الاختباء من الفقاعة في الأسواق المالية؟
(البيان)-18/11/2025
يعد أسواث داموداران من الشخصيات الاستثنائية بين خبراء الأسواق المالية، فهو تحليلي ومتشكك، وفي الوقت نفسه متحمس حقيقي.. يُحب الاستثمار، ويؤمن بالأسواق، ولديه رغبة قوية في المخاطرة، ولهذا السبب لفتت مقابلته الأخيرة على منصة «بروفيسور جي ماركتس بود» انتباه الكثيرين.
يعتقد داموداران أن «أزمة سوقية واقتصادية كارثية محتملة لا تضعها الأسواق في حساباتها حالياً، مع أنه ربما تكون فرصة حدوثها أكبر مما كانت عليه في أي وقت خلال العشرين عاماً الماضية».
وتتركز مخاوفه على أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، ويقول: «إذا انخفضت أسهم «الشركات السبع الكبرى» بنسبة 40%، فلن تحافظ الشركات الصناعية على قيمتها.
كما أن الذعر سينتشر بقوة في الأسواق». لذلك يقوم داموداران بتقليص استثماراته في الأسهم ويزيد من حيازة سندات الخزانة، كما يدرس للمرة الأولى جدوى استثمار بعض ثروته في أصول غير مالية كالذهب أو المقتنيات.
ويبدو أن لمخاوفه جذوراً مزدوجة، فهو يعتقد أن قطاع الذكاء الاصطناعي مفرط تماماً في عمليات الشراء، كما أن الإيرادات التي تشير إليها تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي غير واقعية.
وتقييم شركة إنفيديا على وجه الخصوص مُبالغ فيه، وهو يُشير في هذا السياق إلى إيرادات بقيمة تريليون دولار وهوامش ربح إجمالية تبلغ 8%.
وفي الوقت نفسه لا شيء في السوق رخيص، «لأننا نعيش في عالم يبدو فيه كل شيء مترابطاً وقد ارتفع هذا الارتباط إلى حد لا تنطبق فيه القاعدة الكلاسيكية الخاصة بالتنويع عبر القطاعات والمناطق الجغرافية، وهو ما يجعل الاستثمار إجمالاً أكثر خطورة بكثير».
بالنسبة لي فقد كنت أقل تشاؤماً بشأن فقاعة الذكاء الاصطناعي مؤخراً من داموداران، لأسبابٍ تشمل: تقييمات معقولة وتدفقات نقدية حرة قوية للعديد من أسهم «الشركات السبع الكبرى»؛ اقتصاد أمريكي متنامٍ قد ينمو بوتيرة أسرع العام المقبل؛ وعالم غارق في المدخرات التي يجب أن تُصرف في مكان ما.
وفي حين أن نصف مدخراتي الشخصية هي مرتبطة بمؤشرات أسهم أمريكية، إلا أنه تم تخصيص جزء لمؤشرات عالمية أرخص، وبعض صناديق السندات، كما أحتفظ بسيولة نقدية وفيرة.
وهذا النهج الحذر الذي أدى إلى تفويت فرص كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، يساعدني في الحفاظ على فلسفتي تجاه الفقاعات، كما أنه إذا واجهتنا أزمة فسيكون لديّ بعض رأس المال الذي يمكنني استثماره في أسهم انخفضت أسعارها فجأة.
إن أداة داموداران الأساسية لتقييم السوق هي علاوة مخاطر الأسهم المتوقعة. ولتبسيط الأمر فهو يأخذ مخطط العائد المؤقت للأسعار الحالية وتقديرات الأرباح المستقبلية، ويحسب معدل العائد الذي يطابق الاثنين، ثم يطرح منه معدل العائد الخالي من المخاطر.
اعتباراً من الأول من نوفمبر، بلغ تقديره لمؤشر سعر الفائدة 3.7%، وبينما يُطلَق على أي نسبة أقل من 4 «منطقته الحمراء»، فإن مؤشر سعر الفائدة يبقى بعيداً كل البعد عن أدنى مستوياته في عام 2000 أو أدنى مستوياته في الستينيات.
ومع ذلك فإن مخاطر الاستثمار في مؤشر سعر فائدة أقل من 4 تستحق التأمل. وكمثال جيد، لا سيما في السياق الحالي، لنفترض أنك استثمرت أموالك في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الأول من يناير 1970، عندما كان مؤشر سعر الفائدة قريباً من مستواه الحالي.
وعلى مدار العقد التالي، تحرك السوق بشكل جانبي، منتهياً بعائد، مع إعادة استثمار الأرباح بنسبة 77%. فهل يبدو الأمر مقبولاً؟ لم يكن كذلك.
فقد ارتفعت الأسعار وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 120% خلال ذلك العقد. أي أنك بالقيمة الحقيقية خسرت ما يقرب من نصف أموالك.
وبالنسبة لداموداران فهو يقول إنه «لا مكان للاختباء». وهنا من المفيد النظر إلى صدمة «يوم التحرير» لهذا العام. فقد كانت هذه صدمة سياسية، وليست صدمة انفجار فقاعة، لكنها لا تزال تقدم بعض الدروس.
فقد انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 20% خلال الفترة بين 19 فبراير و8 أبريل، كما كان أداء أسهم الشركات متوسطة القيمة، على الرغم من انخفاض تقييماتها، سيئاً بالقدر نفسه.
أما مؤشر ستاندرد آند بورز ذو الوزن المتساوي، وهو أيضاً أرخص لأنه يعطي وزناً أقل لشركات التكنولوجيا الكبيرة باهظة الثمن، فقد كان أداؤه أفضل قليلاً.
لكن بموازاة ذلك فقد وفرت الأسهم العالمية الأرخص حماية أكبر، إذ لم تنخفض أسهم المملكة المتحدة سوى بنسبة 9% فقط، والمؤشرات الأوروبية واليابانية بنسبة 12%.
وبالعودة إلى الأزمة المالية الكبرى، لم يكن التنويع الدولي أو الحفاظ على مؤشر الوزن المتساوي مفيداً على الإطلاق، إذا تمسكت به حتى قاع السوق.وقد كان هناك بعض التمايز في البداية، لكن موجة البيع الساحقة في أواخر عام 2008 قضت عليه تماماً.
بالعودة إلى الوراء أكثر، فقد كان انهيار فقاعة الإنترنت، والذي قد يجادل البعض بأنه أقرب إلى انهيار افتراضي في مجال الذكاء الاصطناعي، قصة مختلفة، حيث كان من المفيد تجنب الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة باهظة الثمن.
وتفوقت الأسهم من الذروة إلى القاع، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 ذو الوزن المماثل، ومؤشر ستاندرد آند بورز ذو القيمة السوقية المتوسطة، بفارق 16 و18 نقطة على التوالي.
ويجب أن نضع هذا «الأداء المتفوق» في منظورنا؛ فانخفاض بمقدار 30 نقطة أمر مروع، حتى لو كان أقل فظاعة من انخفاض بمقدار 45 نقطة. وكان النقد حينها هو الخيار الأمثل.
لكن ما وفر الحماية في عام 2000 كان اختيار القطاعات، ولننظر إلى الأداء المتفوق للسلع الاستهلاكية الأساسية في مقابل الأزمة الكبيرة بقطاع التكنولوجيا.
بالنسبة لي لا يسعني إلا أن أشير إلى بعض الاختلاف الطفيف مع تعليق داموداران الخاص بـ«لا مكان للاختباء في الأسهم». فهو يُشير، كما يفعل آخرون، إلى أن طفرة الذكاء الاصطناعي ليست مجرد ظاهرة مالية؛ فجزء كبير من نمو الاقتصاد الحقيقي يُعزى إلى بناء مراكز البيانات. وتستفيد شركات متنوعة من طفرة البنية التحتية هذه.
على سبيل المثال: في الربع الثالث، جاء كل النمو في أرباح التشغيل لشركة كاتربيلر للآلات الثقيلة من قطاع الطاقة والنقل.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة: في قطاع الطاقة والنقل، نتوقع نمواً قوياً في مبيعات العام بأكمله لتوليد الطاقة مقارنة بالعام الماضي. ولا يزال الطلب قوياً، مدفوعاً بنمو مراكز البيانات المرتبطة بالحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التوليدي.
وهكذا لا يأتي كل النمو في الاقتصاد من طفرة بناء الذكاء الاصطناعي، كما يزعم البعض، لكن أي تباطؤ كبير سيسبب ضرراً يتجاوز قطاع التكنولوجيا.
وإن وُجد فإن التنويع بعيداً عن مؤشر ستاندرد آند بورز المرجح بالقيمة السوقية، بالانتقال إلى مؤشرات متساوية أو قائمة على العوامل الأساسية، أو إلى الأسهم الدولية، سيُساعد، لكن ربما بشكل طفيف فقط.
ومن المرجح أن تتفوق أسهم السلع الأساسية، وهي فئة غير مفضلة بالمرة مؤخراً، بشكل ملحوظ، ولكن ما سيساعد حقاً هو تخصيص مبالغ معقولة من النقد والسندات، مع التحلي بكثير من الهدوء.
