خطر الاعتماد المفرط على النفط… السياسة تعوّق نمو الإقتصاد
(النهار)-05/12/2025
في وقت يتجه العالم فيه إلى اقتصاد متنوع ومستدام، يجد العراق نفسه محاصراً بين وفرة نفطية هائلة وهشاشة اقتصادية تتعمق عاماً بعد عام.
ومع استمرار الاعتماد شبه الكامل على النفط، تتزايد التحذيرات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، من مستقبل اقتصاد أصبح أكثر عرضة لصدمات الأسواق العالمية، في ظل غياب إصلاحات شاملة قادرة على تغيير مساره.
وتكشف المؤشرات الاقتصادية الأخيرة عمق المأزق الذي يواجهه العراق، إذ يحذر صندوق النقد من اقتراب البلاد من مرحلة شديدة الحساسية ما لم تُباشر الحكومة خطوات جدية نحو تنويع حقيقي للنشاطات الاقتصادية، بخاصة مع استمرار اعتماد الموازنة على النفط بما يقارب 90% من إجمال الإيرادات، ما يجعل الاقتصاد العراقي بين الأكثر تعرضاً لتقلبات الأسعار العالمية.
وخلال عام 2025، سجل العراق إيرادات نفطية بلغت 84 مليار دولار، في مقابل نفقات عامة ارتفعت إلى 97 مليار دولار، منها 33 مليار دولار مخصصة لرواتب القطاع العام، فيما تجاوز الدين الداخلي حاجز الـ66 مليار دولار، في ظل تعطل شبه كامل للقطاعات غير النفطية.
ولا تتوقف مؤشرات القلق عند هذا الحد، إذ يتوقع صندوق النقد أن تتراجع عائدات النفط من 99.2 مليار دولار في 2024 إلى 84.2 مليار دولار في 2025، ثم إلى 79.2 مليار دولار في 2026، نتيجة هبوط أسعار الخام من متوسط 80.6 دولاراً للبرميل في العام الماضي إلى 65.9 دولاراً هذا العام، مع توقعات بمستوى 62 دولاراً للبرميل في العام المقبل.
إيرادات غير نفطية ضعيفة
وتعكس البيانات الرسمية العراقية عمق المشكلة، إذ بلغت إيرادات البلاد النفطية في النصف الأول من العام الجاري 92% من إجمال الإيرادات البالغة 47.33 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الإيرادات غير النفطية 3.5 مليارات دولار، أي نحو 8% فقط من إيرادات الموازنة العامة.
ويرى صندوق النقد أن استمرار هذه المعادلة يُحتم تنفيذ إصلاحات هيكلية عاجلة تشمل تحسين كفاءة الإنفاق، والسيطرة على فاتورة الأجور، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ووضع أجندة إصلاح واسعة للقطاعات الإنتاجية.
خطط طموحة وواقع سياسي
وعلى رغم إعلان العراق عن خطة استثمار ضخمة بقيمة 184 مليار دولار في قطاعات استراتيجية تشمل النفط والصناعات التحويلية بهدف تحقيق نمو اقتصادي يبلغ 4%، تواجه هذه الخطة مأزقاً سياسياً حقيقياً، نتيجة تأخر تشكيل الحكومة الجديدة ، ما يعطل إطلاق مشاريع استراتيجية تحتاج إلى استقرار سياسي.
خطر كبير
وتعقيباً على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور جعفر الحسيناوي لـ”النهار” أنه “إذا ما استمر العراق معتمداً كلياً على واردات النفط، فإن الاقتصاد العراقي في خطر كبير، في الوقت الذي عجزت فيه الحكومات المتعاقبة خلال الـ22 عاماً الماضية عن وضع رؤى واضحة للنهوض بالاقتصاد”.
سيناريوهات محتملة للنهوض
ويرى الحسيناوي أن مسار الخروج من الأزمة يبدأ عبر خطوات جوهرية أبرزها القضاء التام على بؤر الفساد، وتعظيم الإيرادات الحكومية بالسيطرة على المنافذ الحدودية وواردات الضرائب، وتقديم دعم شامل للفلاحين من خلال توفير الأسمدة والمبيدات والمكننة الزراعية الحديثة.
كما يشدد على ضرورة تحسين أقنية الري وتقليل ملوحة الأراضي، وبناء السدود وخزانات المياه لمواجهة تراجع الموارد المائية، إلى جانب الاهتمام بتنمية الثروة السمكية.
وهكذا، يقف العراق اليوم بين طريقين، إما استمرار الاعتماد على النفط وما يحمله من مخاطر تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي، وإما التحرك نحو إصلاحات عميقة تعيد صوغ اقتصاد قادر على مواجهة التحديات.
وما بين التحذيرات الدولية والرؤى الإصلاحية المحلية، يبقى القرار بيد صُناع السياسة الاقتصادية، لفتح مسار تنمية مستدامة ينسجم مع ما يمتلكه العراق من موارد وإمكانات غير مستغلة.
