العالم يعاني من “صدمة الصين”.. فهل تستمر في غزو الأسواق العالمية؟
(سي ان بي سي)-05/04/2024
تعزز الصين مكانتها الاقتصادية من خلال عجلة إنتاج هائلة تجعلها المورد الأكبر لكل السلع المطلوبة في العالم وبأسعار تنافسية لا تضاهى في أي دولة صناعية. لكن تفوق العملاق الصيني بات مصدر قلق للدول الصناعية التي توقفت مصانعها ما خلق ما يسمى “صدمة الصين” في حين أن بكين تسعى لموجة أخرى من غزو الأسواق العالمية عبر تصنيع البطاريات والمواد الأولية للتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والرقائق الإلكترونية وغيرها، مما يمهد لإحداث “صدمة الصين 2”.
في الوقت الحالي، يمر الاقتصاد الصيني بمرحلة انتقالية مؤلمة حيث تحاول بكين إخراجه من الركود الذي أعقب فيروس كورونا وأزمة الديون العقارية.
وتدعم إدارة الزعيم الصيني شي جين بينغ ما تسميه الصناعات “الثلاث الجديدة” للخلايا الشمسية، والسيارات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم لدفع اقتصادها نحو النمو.
يصدر المصنعون في الصين كميات كبيرة من الألواح الشمسية، حتى أن التخمة العالمية الناجمة عن ذلك وانهيار الأسعار دفعت الناس إلى تغطية أسوار حدائقهم بالمنتج الذي كان ثميناً ذات يوم.
وهذه مجرد واحدة من الصناعات التي يستعد لها العالم في المرحلة التالية من “صدمة الصين”.
ملامح صدمة الصين الأولى
“صدمة الصين” هو مصطلح صاغه ديفيد إتش. أوتور، وديفيد دورن، وجوردون هانسون في ورقة بحثية عام 2016 حول النهضة الاقتصادية للبلاد وتأثيرها على أسواق التجارة والعمل العالمية.
بعد أن كانت غارقة في الفقر، بدأت الصين الشيوعية باعتماد سياسية اقتصادية إصلاحية في عام 1978 عندما فتحت أبواب التنويع أمام اقتصادها وسمحت بزيادة المشاريع الخاصة.
في ذلك الحين، تسارع النمو في البلاد، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 80 مرة.
وكان هذا النمو مدفوعاً بالتصنيع السريع، الذي رفع الصين إلى موقع “مصنع العالم”. وأنتج قطاع التصنيع الضخم ملايين المنتجات التي صدرتها بتكلفة منخفضة.
رحب العالم بالصين، في عصر العولمة الذي استفادت منه الشركات في الولايات المتحدة والعالم كلّه. وفي ذلك الوقت، رأى صناع السياسات أن عملاق شرق آسيا سيصبح أكثر انفتاحاً اقتصادياً وسياسياً نتيجة لهذا التكامل.
واستفاد المستهلكون أيضاً من انخفاض التضخم، لكن هذا التحوّل كبّد الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد على التصنيع وغيرها من الدول، تكلفة باهظة. وفقد عدد كبير من العمال وظائفهم لصالح الصين التي توفر المنتجات بسرعة فائقة وأسعار أقل. هذه هي “صدمة الصين”.
صدمة الصين الثانية
في الوقت الحالي، تستهدف الصين ثلاث صناعات استراتيجية جديدة تتطلع إليها بقية دول العالم أيضاً.
لكن هذه المرة السخط يكبر، والدول الغربية لن تسمح لبكين بشق طريقها بهذه السهولة، خاصة وأن الصين تهدف إلى تطوير النظام البيئي لسلسلة التوريد الخاصة بها في هذه المجالات.
في السياق، قال الخبير الاقتصادي الدولي ومؤلف كتاب “الاتجاهات الآسيوية الكبرى”، راجيف بيسواس، لموقع Business Insider: “تواجه الاقتصادات المتقدمة التأثير المشترك لنمو الناتج المحلي الإجمالي المعتدل في الصين على المدى المتوسط على الطلب العالمي، فضلاً عن المنافسة من موجة التصنيع الجديدة في الصين”.
ولا ينبع هذا التطور فقط من توجه الصين نحو تصنيع المنتجات النهائية في مجالات السيارات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم أيون، والخلايا الشمسية. لم تكتف الصين بذلك، بل تعمل على تطوير سلاسل التوريد العالمية للمواد الخام المهمة التي ستزود الصناعات الحيوية الكبيرة.
هنا يرى بيسواس “أن الاقتصادات الصناعية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تواجه تحديات اقتصادية جديدة من المنافسة الاستراتيجية للصين في صناعات النمو الرئيسية هذه”.
أصبحت هذه المنافسة أكثر حدة الآن بسبب الانكماش في الصين وهي الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي يتعامل مع أسعار المستهلكين السلبية.
وفي الوقت نفسه، فإن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين يعني أيضًا أنها لا تشتري الكثير من الدول الأخرى، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية.
وأظهرت بيانات رسمية أن واردات الصين من السلع من بقية العالم انخفضت في العام الماضي بنسبة 5.5% مقارنة بالعام الماضي.
ماذا تفعل الولايات المتحدة وبقية العالم بشأن الصدمة الصينية الثانية؟
لن يجد العالم نفسه عاجزاً أمام هيمنة الصين الناشئة على الصناعات الجديدة الساخنة هذه المرة. وبحسب بيسواس: “من المرجح أن تستمر المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين على المدى الطويل في مجالات تكنولوجيات التصنيع المتقدمة”.
وتقوم العديد من الشركات بالفعل بتنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين لمجموعة من المنتجات.
في المقابل، تتخذ الولايات المتحدة خطوات لتعزيز تصنيع الرقائق على أراضيها. يوفر قانون CHIPS 52 مليار دولار من الإعانات للإنتاج والبحث وتنمية القوى العاملة. ويعمل قانون خفض التضخم الأميركي أيضاً على تعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة.
في 2 أبريل/ نيسان، أعلنت وزارة الطاقة عن استثمار بقيمة 75 مليون دولار لتطوير منشأة بحثية لتعزيز سلاسل التوريد المحلية للمعادن الحيوية.
وفي الوقت نفسه، تزور وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الصين لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الصينيين. وقالت وزارة الخزانة في بيان صحفي أعلنت فيه زيارتها إنها “ستضغط على نظرائها الصينيين بشأن الممارسات التجارية غير العادلة وتسلط الضوء على العواقب الاقتصادية العالمية للطاقة الصناعية الصينية الفائضة”.
وفي مصنع سونيفا للخلايا الشمسية في جورجيا يوم 27 مارس/ آذار، قالت يلين إنها “قلقة بشأن التداعيات العالمية الناجمة عن الطاقة الفائضة التي نشهدها في الصين” والتي تضرب الآن صناعات الطاقة الجديدة مثل الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية وبطاريات الليثيوم أيون.
ويتخذ الاتحاد الأوروبي أيضاً خطوات لحماية صناعاته المحلية في الصناعات الرئيسية الناشئة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقاً حول ما إذا كانت واردات السيارات الكهربائية من الصين استفادت من الدعم غير القانوني الذي يهدد بدوره بإلحاق الضرر بمصنعي السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي. كما أنشأ الاتحاد الأوروبي قانون الرقائق الأوروبي لتعزيز إنتاج الرقائق المحلي.
رد الصين على تحركات الغرب
ترى الصين الرد الأميركي باعتباره خطوة لتقويض نموها. وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، في مؤتمر صحفي دوري يوم الأربعاء، إن “الجانب الأميركي تبنى سلسلة من الإجراءات لقمع تطور التجارة والتكنولوجيا في الصين”.
وأضاف وانغ: “هذا ليس تقليصاً للمخاطر، بل خلق مخاطر. هذه ممارسات نموذجية غير سوقية”.
وأكد أن صادرات الصين من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم أيون والخلايا الشمسية ارتفعت بسبب “التقسيم الدولي للعمل والطلب في السوق” بفضل تحول الطاقة العالمية إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.
وقال الخبير الاقتصادي بيسواس، إن الصين تعمل على التخلص من المخاطر من خلال التجارة المتزايدة مع جنوب شرق آسيا، حيث توجد طبقة متوسطة مزدهرة. وأضاف أن الأسواق النامية الكبيرة الأخرى التي تستهدفها الصين تشمل أفريقيا وأميركا اللاتينية.
في العام الماضي، صدرت الصين سلعاً إلى جنوب شرق آسيا تفوق ما تصدره الولايات المتحدة لأول مرة، وفقاً لتحليل بلومبرغ لبيانات الجمارك الصينية المنشورة في يناير/ كانون الثاني، مما يشير إلى تغير كبير في تدفقات التجارة العالمية وسط المشهد الجيوسياسي المتغير.
من المرجح أن يؤدي موسم الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية هذا العام إلى إثارة بعض القضايا التجارية، حسبما كتب اقتصاديون من بنك نومورا في مذكرة بتاريخ 15 مارس/ آذار.
وأضاف الاقتصاديون في بنك نومورا: “نعتقد أن انكماش أسعار الصادرات الصينية والقدرة الفائضة في عدد من القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية قد يتسببان في تصاعد التوترات التجارية في وقت لاحق من هذا العام، وربما بعد ذلك”.