إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية .. اقتصاد مشفر ينتعش في القارة
(الاقتصادية)-08/04/2024
سرَّع انغماس إفريقيا في عصر الهاتف المحمول، من وثيرة انخراطها في العروض والخيارات التي توفرها العوالم الرقمية، أملا في أن يكون اعتماد الرقمنة مدخلا لتغيير أوضاع الأفراد وتطوير المجتمعات في القارة.
يفسر هذا الإقبال المتزايد للأفارقة، أفرادا وحكومات، على سوق العملات الرقمية، حيث شهدت أسواق عدة مناطق في القارة، في الغرب والشرق وحتى الجنوب، تزايدا مثيرا في اعتمادها، واتساعا في نطاق تداولها بين المواطنين.
تتحدث بيانات مؤشر اعتماد العملات العالمي (Chain Analysis)، برسم سنة 2023، عن طفرة ملحوظة في انتشار العملات المشفرة في إفريقيا، وباتت دول القارة تنافس على صدارة قائمة البلدان التي تستخدم هذه العملات.
وجاءت نيجيريا في المركز الثاني عالميا، بعد الهند، بنحو 66 %، محققة قفزة بتسع درجات، عن عام 2022، في تصنيف يضم 156 دولة.
هكذا أضحت صاحبة أكبر اقتصاد إفريقي للعملات المشفرة، فهي ضمن الدول الست الأولى من بين 50 دولة، من حيث حجم هذه العملات، الذي نما بمعدل سنوي بنحو 9 %.
فيما بلغ معامل هذه العملات نحو 12 % من الناتج المحلي الإجمالي في البلد، أما نسبة امتلاك الأفراد لهذه العملات فبلغت 10 %، ما يعادل نحو 22 مليون شخص.
مؤشرات دفعت الحكومة النيجيرية إلى الموافقة على سياسية بلوك تشين وطنية، رغبة في إضفاء الصفة القانونية على هذه العملات، وإطلاق البنك المركزي النيجيري عملة رقمية “eNaira” خاصة بالدولة.
حاولت كينيا مسايرة اهتمام المواطنين بهذه العملات، بعدما باءت تحذيرات البنك المركزي، عام 2015، من التعاطي معها بالفشل، خصوصا أنها تتمتع بواحد من أعلى المعدلات العالمية لامتلاك تلك العملات (8.5 %)، ما حدا بالحكومة إلى صياغة مشروع قانون يعترف بهذه العملات، ويسعى لإطلاق عملة رقمية محلية (وورلد كوين)، قبل صدور قرار يقضي بتعليق المسألة، حتى وقت لاحق، شهر أغسطس الماضي.
غانا بدورها تفوقت في الترتيب على دول مثل: هونج كونغ وسنغافورة والبرازيل.. بعد احتلال المركز التاسع عالميا من حيث اعتماد العملات المشفرة، رغم غياب التنظيم القانوني للمجال. فنسبة امتلاك الغانيين لها بلغت 17.3 %، أي 3.1 مليون مواطن، ما يعني تجاوز نسبة 15 % التي تمثل المتوسط العالمي. مؤشرات حولتها الحكومة إلى مورد ضريبي، بإقرارها ضريبة إلكترونية بنسبة 1.5 % على الخدمات المالية الرقمية، منذ عام 2022.
كانت حكومة موريشيوس سباقة إلى طرح أول قانون لخدمات الأصول الافتراضية والرموز الأولية، أما جمهورية إفريقيا الوسطى فهي ثاني دولة في العالم، بعد السلفادور (2021)، تقوم بتقنين البيتكوين لتصبح عملة رسمية، في ربيع عام 2022.
سوق نشيطة لا تغيب عن أعين المؤسسات المالية في جنوب إفريقيا، فقد صرح الرئيس التنفيذي لمصرف “ستاندر بنك”، أكبر بنك في إفريقيا، أنه يراقب التطورات في العملات المشفرة، لكن لا يستعجل الدخول إلى السوق، “نواكب العالم، لكننا لا نريد أن نكون من الرواد.. نريد أن نكون من اللاحقين بالركب”.
يبدو أن الأفارقة قد وجدوا ضالتهم في الأموال الرقمية، لما توفره من مزايا، فهي سريعة التداول عبر الحدود، مع قلة رسوم الصرف مقارنة مع الأنظمة المالية التقليدية، ناهيك عن فاعليتها الدائمة في ظل محدودية الوصول إلى الخدمات المصرفية، فضلا عن نجاعتها بالنسبة للأفارقة المغتربين، حتى في حالة الطوارئ، بعيدا عن بيروقراطية الوسطاء (الأبناك، وكالات التحويل).
حل براق يعِد بثورة في الأنظمة المالية وتحفيز للنمو الاقتصادي في ربوع القارة، متى تم تذليل الصعوبات التي تواجهه، من محدودية الربط بشبكة الإنترنت، فمثلا 10 % فقط من سكان إفريقيا الوسطى يستطيعون الوصول إلى الإنترنت.
وتوضيح لمواقف أغلب الحكومات حيال التعامل بهذه العملات، بإقرار نصوص قانونية لتنظيم المجال لقطع الطريق أمام توظيفات غير مشروعة (تمويل الإرهاب، غسيل الأموال…) بدل نهج أسلوب تخويف الأفراد، وتحذيرهم باستمرار من مخاطر الركون إلى المال الرقمي.