(البيان)-18/09/2024
القلق لا يرتبط بكيفية بدء الفيدرالي خفض الفائدة وإنما بالمرحلة التي سيتوقف عندها عن فعل ذلك
يُبدي الناس نفوراً شديداً من التضخم، كما أشار ألان إس بلايندر في مقاله الأخير في «فاينانشال تايمز» الأسبوع الماضي. وهذا النفور يجعلهم في حالة قلق دائم تجاه أي ارتفاع محتمل في الأسعار. ولذلك، لم تحظَ المقالة التي تحمل عنوان «التضخم ما زال ميتاً» بترحيب واسع من القراء.
وتنوعت أسباب معارضتهم لهذا الرأي، فمنهم من يرى أن تضخم الخدمات لا يزال مرتفعاً بشكل مقلق، وآخرون يعتقدون أن تضخم الإسكان وفقاً لمؤشر أسعار المستهلكين لن ينخفض قريباً، في حين يخشى البعض أن تؤدي الظروف المالية الميسرة بشكل مفرط، إضافة إلى أي خفض كبير في أسعار الفائدة، إلى عودة التضخم للواجهة من جديد.
هنا، لن أتوقف عند أول اعتراضين، لكن من الصعوبة بمكان غض الطرف عن الاعتراض الثالث. لكن قبل الاسترسال في التفسير، يُرجى ملاحظة تغير نظرة السوق بشأن التضخم على نحو لافت بنهاية الأسبوع الماضي. فيوم الأربعاء الماضي، كانت السوق تعطي احتمالات واحد إلى خمسة لخفض الفائدة بقدر مضاعف بواقع 50 نقطة أساس اليوم.
لكن بحلول مساء الجمعة، تساوت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 و50 نقطة أساس. ويعود الفرق بين النظرتين إلى تقريرين، صدر أولهما عن كولبي سميث على صفحات «فاينانشال تايمز»، ونشرت «وول ستريت جورنال» الثاني وكان صادراً عن نيك تيميراوس.
وقد صوّر كلا التقريرين الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة قرار صعب، ما بين خفض مفرد أو مزدوج. وبالنسبة لتفسير الأسواق، فكان يتمثّل في حصول كلا المحررين على معلومة غير رسمية من شخص داخل أروقة الفيدرالي. ولست على دراية بما إن كان ذلك صحيحاً أم لا. وتمنعني اللباقة المهنية من سؤال كولبي سميث، الذي كان تقريره أفضل بكثير، حسبما أرى، من ذلك الذي كتبه نيك تيميراوس.
وعلى أية حال، تتمثل وجهة نظر السوق في اقتراب الفيدرالي من وجهة نظري التي تنطوي على أن خفضاً قدره 50 نقطة أساس للفائدة سيكون جيداً. لكن من غير الواضح بعد ما إن كان الفيدرالي يتفق مع اعتقادي هذا، وهو أن الخفض الأكبر للفائدة معقول لأن التضخم انتهى فعلياً، أو لأنه قلق بشأن تراجع النمو، أو أنه يعتقد في كلا الأمرين.
عموماً، دعونا نتذكر أن المهم لن يكون الفارق البالغ 25 نقطة أساس الذي ستسجله الفائدة قصيرة الأجل مساء الأربعاء بعد حديث باول، وإنما سيكون تسليطه الضوء على وجهات نظر مسؤولي المركزي بشأن التضخم والنمو. ولذلك، سيكون ما يعتزمه على المدى الأطول هو الأهم.
ويعيدنا ذلك من جديد إلى مسألة استمرار القلق حيال التضخم. وتستند الحُجة القائلة بأن تضخم الخدمات مفرط الارتفاع، بشكل أو بآخر، إلى عدم تضمين الإسكان في مكوّن الخدمات بمؤشر أسعار المستهلكين.
صحيح أن أسعار الخدمات باستثناء الإسكان على مدى الشهرين الماضيين عادت لتتجاوز المُستهدف البالغ 2%. لكنه مؤشر متقلب، ويبدو كل من الاتجاه طويل المدى والمتوسطات المتحركة عند مستويات جيدة.
وفي الوقت ذاته، تسجل الخدمات باستثناء الإسكان والطاقة، وفق قياسات تقرير أسعار نفقات أسعار الاستهلاك الشخصي، مستويات دون المُستهدف في ثلاثة من الأشهر الستة الماضية. أما الأجور، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأسعار الخدمات، فتواصل تراجعها.
وبالنسبة لمؤشر الأسعار غير المرنة باستثناء كل من الغذاء والطاقة والمأوى، مزيج من السلع والخدمات، الصادر عن فيدرالي أتلانتا، فقد سجل قراءات سلبية على أساس شهري في أربعة من الأشهر الستة الماضية. إذن، ما زال تضخم الخدمات مرتفعاً قليلاً، لكن اتجاهه الهابط يظل واضحاً.
أشار جيم بيانكو، رئيس مؤسسة «بيانكو ريسيرش»، في تغريدة، إلى حُجة مُفادها أنني على خطأ في توقع تراجع تضخم المسكن بمؤشر أسعار المستهلكين قريباً. واستندت وجهة نظره إلى فحص الزيادة التراكمية لمؤشرات إيجار القطاع الخاص منذ عام 2021، خاصة مؤشر «زيلو»، والتي تظهر زيادة أكبر كثيراً من التي طرأت على مكون المسكن في مؤشر أسعار المستهلكين.
لذلك، يجب أن يلحق مؤشر أسعار المستهلكين بركب الإيجارات، ومن المُرجح أن يستغرق ذلك وقتاً أطول قبل عودته إلى المُستهدف. وأفاد خبراء الاقتصاد لدى فيدرالي سان فرانسيسكو بوجهة نظر مماثلة العام الماضي.
ومن المهم مراجعة الزيادة التراكمية في مكونات المسكن في مؤشرات أسعار المستهلكين و«زيلو» و«أبارتمنت ليست». وكذلك المؤشر الجديد للإيجارات الذي يصدر ربع سنوياً عن مكتب إحصاءات العمل ويستند إلى البيانات ذاتها التي يعتمد عليها مكون المسكن في مؤشر أسعار المستهلكين، لكنه مع ذلك يشتمل على بيانات من عقود الإيجار الجديدة. وهنا تجدر الإشارة إلى عدم ذهاب هذه الحُجة إلى أن التضخم أعلى مما نعتقد حالياً.
فعلى النقيض، تعكس هذه الحُجة أن مؤشر أسعار المستهلكين قلل من تقدير تضخم الإيجار بين عامي 2021 و222، ولذلك، يتعين عليه اللحاق بركب هذه الأسعار، ما يدركه بيانكو، الأمر الذي يُبقي على مقاييس التضخم الرسمية عند مستويات مرتفعة لمدة أطول. لكن إن صح ذلك، فسيكون الفيدرالي بحاجة إلى ألا يقلق بشأن مكون المسكن في مؤشر أسعار المستهلكين، بما أن المشكلة تكمن في التوقيت.
ثانياً، من المهم ملاحظة أن مؤشر «أبارتمنت ليست» لا يؤكد الإشارة التي يبعث بها مؤشر «زيلو». وكما ذكرنا في الأسبوع الماضي، أرجعت «أبارتمنت ليست» هذا جزئياً إلى مبالغة مؤشرها في تمثيل مجمعات الشقق الكبيرة في الحزام الشمسي، حيث شهد منافسة شرسة. وقال عمير شريف، مؤسس «إنفليشن إنسايتس»، إن قراءات مؤشر «أبارتمنت ليست» تقاربت بشكل أو بآخر مع قراءات مؤشر الإيجارات الجديد لمكتب إحصاءات العمل.
ويعني هذا أن التباعد التاريخي بين مكون المسكن بمؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر «أبارتمنت ليست» كان ناجماً عن تضمين عقود إيجار قديمة في الأول، لأنه دون ذلك، يعتمد مكون المسكن بمؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر مكتب الإحصاءات على القراءات ذاتها. وتكمن الاختلافات بين مكون المسكن بمؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر «زيلو» في أمر مختلف. لذا فهما لا يشيان بالكثير بشأن ما سيحل بمكون المسكن بمؤشر أسعار المستهلكين.
وخلال الأسبوع الماضي، أشرت إلى أن أسعار الفائدة مقيدة، وتمثل اعتراض العديد من القراء في أن الظروف المالية مفرطة التيسير وليست متشددة في واقع الأمر، وهي وجهة نظر ذات وجاهة.
يستند مؤشر الظروف المالية لفيدرالي شيكاغو، مثلاً، إلى مجموعة واسعة من فروق الائتمان والتقلبات وأحجام التداول واستطلاعات وبيانات أخرى، ويسجل مستويات تشي بظروف مالية مفرطة التيسير مقارنة بالمتوسط.
لكن تجدر الإشارة إلى تباعد كبير بين الأسواق المالية، التي تظل تيسيرية في غالبها، وأسواق «العالم الواقعي» التي تؤثّر على الأخرى المالية. ويُعد الإسكان أبرز الأسواق في العالم الواقعي. وبصفة عامة، يشي تراخي سوق العمل والتباطؤ الطفيف للاقتصاد بأن الفائدة مقيدة طفيفاً على الأقل.
لذلك، لست قلقاً، على المدى القصير، من أن الفائدة منخفضة للغاية أو أنها منخفضة بما يكفي بالفعل. لكن التضخم انتهى بالفعل في عالم اليوم، والنمو آخذ في التباطؤ، والفائدة الحقيقية تسجل مستويات موجبة للغاية، لذا، فسيكون خفض الفائدة 50 نقطة أساس جيداً.
لكن يساورني، من ناحية أخرى، قلق على المدى الطويل بشأن إفراط الفيدرالي في خفض الفائدة. ويعود ذلك إلى احتمالية، كثيراً ما ناقشناها سابقاً، مُفادها أن معدل الفائدة المحايد، الذي يتماشى والتوظيف الكامل واستقرار التضخم، قد يكون أعلى في الوقت الراهن مما كان سابقاً، وربما أعلى مما يعتقد الفيدرالي.
وتكمن الحُجة في أن معدل الفائدة المحايد أعلى حالياً بسبب واحد أو أكثر من العوامل الديمغرافية، أو انحسار العولمة، أو ازدياد القوى العاملة، أو انعدام المسؤولية المالية، أو ارتفاع الإنتاجية، أو مجموعة أخرى من العوامل. وإن صح ذلك، فسيكون من الأسهل على الفيدرالي، الذي يخفض الفائدة في مواجهة تباطؤ كل من النمو والتضخم، المبالغة في تحركاته والمخاطرة بعودة التضخم إلى الارتفاع.
بعبارة أخرى، لا يتمثل القلق في كيفية بدء الفيدرالي خفض الفائدة، وإنما في المرحلة التي سيتوقف عندها عن فعل ذلك. ولسوء الحظ، لست متأكداً من مدى صحة الحُجج التي تذهب إلى ارتفاع معدل الفائدة المحايد، وأستبعد أن يكون أحد على دراية بذلك بصورة يقينية، على حين مبالغة الفيدرالي في قراراته. لكن لندع أوجه القلق هذه لوقت آخر.