(القبس)-12/09/2024
تواجه الصين موجة من التعريفات الجمركية في الاقتصادات النامية بهدف مواجهة طفرة صادراتها، وهو ما يُعقِّد مساعي بكين لتنمية أسواقٍ خارج الدول الغربية بشكل متزايد.
وكشف تقرير حديث على صحيفة فايننشال تايمز أن خطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض رسوم جمركية أعلى على مجموعة من المنتجات أثارت غضب بكين. وفي الشهر الماضي، رد دبلوماسيوها بحدة عندما تعهدت كندا بفرض رسوم جمركية على واردات السيارات الكهربائية والصلب، في وقت بدأت العديد من البلدان النامية في اتباع هذا النهج بهدوء.
ومع ذلك، فإن العديد من الدول تستخدم الرسوم الجمركية لإجبار الصين على الاستثمار داخل حدودهم، ومنح قواعد التصنيع الخاصة بهم مكاناً خاصاً في السباق العالمي للسيارات الكهربائية.
وفرضت البرازيل وتركيا رسوماً على واردات السيارات الكهربائية هذا العام لضمان تقدم شركة BYD، أكبر شركة لصناعة السيارات الكهربائية في الصين، في بناء المصانع محليا مع توسع الشركة عالمياً.
وارتفع الاستثمار الصيني المباشر في مشاريع جديدة في الخارج إلى أكثر من 160 مليار دولار العام الماضي، وهو رقم قياسي، وفقا لتقرير fDi Markets، وهي خدمة تابعة لفايننشال تايمز.
سوق صاعدة
وقال كولين ماكيراتشر، رئيس قسم النقل النظيف في بلومبيرغ إن إي إف: «يحاول الجميع الحصول على قطعة من الكعكة. وهناك تنافس على الاستفادة من هذه السوق العالمية الصاعدة لمبيعات السيارات الكهربائية، وإحدى الطرق التي يمكنك من خلالها القيام بذلك هي أن تقول، عليك أن تنشئ محلياً أو تتعرض للرسوم الجمركية».
وفيما يتصل بالتعريفات الجمركية، تعكس التحركات الأخيرة للأسواق الناشئة التأثيرات العالمية الناجمة عن الركود الاقتصادي في الصين الذي دفعها نحو الصادرات.
ولقد رفعت البرازيل الرسوم الجمركية على الصلب، إلى جانب تشيلي، في حين فرضت جنوب أفريقيا ضريبة بنسبة %10 على الألواح الشمسية في يوليو، ومددت أندونيسيا الرسوم الجمركية على المنسوجات الرخيصة هذا الشهر، وزادت تايلاند ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة المنخفضة القيمة. وكل هذه الصناعات تكافح المنافسة الصينية.
من جانبه، قال كايل تشان، الباحث في السياسة الصناعية الصينية في جامعة برينستون: «من وجهة نظر صانع السياسات الصيني، فإن السيناريو الأسوأ هو أن يكون هناك موجة كاملة من الدول التي تفرض التعريفات الجمركية».
ومع ذلك، أضاف تشان أنه كوسيلة لكسب التأييد، فإن استثمار الصين في مصانع أجنبية يمكن أن يحل محل مبادرة الحزام والطريق المتراجعة.
ارتفاع الصادرات
وارتفعت صادرات الصين من السيارات هذا العام بشكل رئيسي على خلفية تراجع شعبية المركبات ذات الاحتراق الداخلي في الداخل على نحو متزايد، في حين تسعى الدول النامية التي تحاول الترويج لقواعدها الصناعية إلى الاستفادة من تقدمها في تصنيع المركبات الكهربائية الرخيصة.
وفي البرازيل، وافقت شركة بي واي دي على إنشاء مصنع للسيارات الكهربائية بعد أشهر من فرض رسوم على الواردات تعتمد على الحصص. ومن المقرر أن ترتفع هذه الرسوم من %18 هذا العام إلى %35 بحلول عام 2026.
ولم تستهدف التعريفات الجمركية التي فرضتها البرازيل أي دولة على وجه التحديد، ولكنها جاءت مع ارتفاع الواردات من الصين لتصبح غالبية مبيعات السيارات الكهربائية في البرازيل.
وفي الوقت نفسه، أعلنت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن فرض ضريبة إضافية بنسبة %40 على السيارات الكهربائية هذا العام، لكنها تراجعت عن قرارها عندما أكدت شركة BYD في يوليو أنها ستبني مصنعاً بسعة 150 ألف سيارة في الغرب الصناعي.
طفرة التصدير
وأفاد تقرير فايننشال تايمز بأن المشكلة الأعمق التي تواجه العديد من البلدان النامية، التي تتجاوز سوق السيارات الكهربائية، هي أن بكين تواصل تشجيع طفرة التصدير التي تضع المنافسين الأجانب تحت الضغط.
وارتفع ميزان التجارة الصيني منذ عام 2019، ويرجع ذلك جزئياً إلى سياسات دعم التصنيع المحلي. وأظهرت أرقام منشورة أن الصادرات ارتفعت بنحو %9 على أساس سنوي في أغسطس. وشمل ذلك نمواً مزدوج الرقم في الصادرات إلى البرازيل ودول الآسيان من حيث الرنمينبي.
وتشير التقديرات إلى أن الصين كانت لتخلق طلباً بقيمة 360 مليار دولار على الواردات من الأسواق الناشئة ــ أكثر من عُشر إجمالي صادرات تلك الأسواق ــ لو ارتفعت وارداتها من التصنيع بقدر صادراتها من عام 2019 إلى عام 2022.
وقال تشانغ يان شينغ، الباحث الرئيسي في مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية، إن «العلاقات التنافسية للصين ليست فقط مع الدول المتقدمة ولكن أيضا مع الدول النامية والأسواق الناشئة سوف تشتد».
في حين أن بناء المصانع في البلدان الناشئة قد يساعد الشركات الصينية على تجنب الرسوم الجمركية في الدول المضيفة، إلا أنها أقل احتمالاً لمساعدة بكين على الاستمرار في الوصول إلى الأسواق الغربية مثل الولايات المتحدة.
الحمائية وتزايد الحواجز التجارية
قال عميد معهد الصين لدراسات منظمة التجارة العالمية، التابع لجامعة الأعمال والاقتصاد الدولي في بكين، تو شين تشوان: «الاستثمار الأجنبي المباشر أمر بالغ الأهمية للتصنيع في البلدان النامية. لذا فإن الاستثمارات الصينية ــ الاستثمارات المباشرة وكذلك تطوير البنية الأساسية ــ موضع ترحيب».
وفي حين انتقدت الصين بشدة «الحمائية» التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإنها كانت أكثر دبلوماسية مع شركائها التجاريين في العالم النامي.
وعندما سُئل في يونيو عن تزايد الحواجز التجارية في دول مثل البرازيل وكولومبيا وتشيلي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: «إن العلاقات الاقتصادية والتجارية المستقرة والسليمة تخدم المصالح الأساسية وتلبي التطلعات المشتركة للصين وهذه البلدان».
الإبقاء على التصنيع منخفض التكلفة
تقول المديرة المساعدة في شركة روديوم غروب للأبحاث، كاميل بولينويس: «إن الإبقاء على التصنيع منخفض التكلفة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لصناع السياسات الصينيين لأنه يوظف الكثير من الناس. والحكومات المحلية، على وجه الخصوص، لديها الحافز للحفاظ على الشركات طافية حتى لو لم تكن قادرة على المنافسة أو إذا كانت لديها طاقة فائضة، وذلك ببساطة لأنها تخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي».