«بنك التسويات» يُحذّر: الدين العالمي يخرج عن السيطرة
(الشرق الاوسط)-28/05/2025
في تحذير صارم يحمل أصداء الأزمة المالية العالمية، دعا بنك التسويات الدولية الحكومات حول العالم إلى «كبح الارتفاع المستمر في الديون»، مشيراً إلى أن الأوضاع المالية للكثير من الدول باتت على حافة «عدم الاستدامة»، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وتضخم العجز في الميزانيات.
وقال المدير العام للبنك، أغوستين كارستنز، في خطاب ألقاه بطوكيو، إن حالات العجز الكبير في الميزانيات والديون المرتفعة بدت مستدامة عندما أبقيت أسعار الفائدة منخفضة بعد الأزمة المالية العالمية، مما سمح للسلطات المالية بتجنّب اتخاذ خيارات صعبة مثل خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب.
لكن كارستنز أكد أن عصر الفائدة المنخفضة قد انتهى، ما يعني أن الحكومات لم تعد تملك رفاهية التأجيل، وأنه آن الأوان لاتخاذ خطوات حاسمة مثل خفض الإنفاق أو رفع الضرائب، مشدداً على أن «النوافذ تضيق… وإذا فقدت الأسواق ثقتها فالاضطراب قد يكون مفاجئاً وعنيفاً».
قفزة قياسية في الديون العالمية
التحذيرات جاءت في أعقاب الارتفاعات الأخيرة المطردة في عوائد السندات في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، مدفوعة بأسباب؛ منها توقعات السوق بأن حكومات هذه الدول ستزيد من الإنفاق الممول من خلال زيادة الديون.
وقال كارستنز إن التخلف عن سداد الدين العام يمكن أن يزعزع استقرار النظام المالي العالمي، ويهدّد الاستقرار النقدي حيث قد تضطر البنوك المركزية إلى تمويل الدين الحكومي، مما يؤدي إلى التركيز على ضبط المالية العامة أكثر من السياسة النقدية. وأضاف: «ستكون النتيجة ارتفاع التضخم وانخفاضاً حاداً في أسعار الصرف. وفي ضوء هذه الاعتبارات، من الضروري أن تعمل السلطات المالية على كبح جماح الارتفاع المستمر في الدين العام».
ووفقاً لتقرير حديث لمعهد التمويل الدولي، بلغت الديون العالمية أكثر من 324 تريليون دولار في الربع الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 7.5 تريليون دولار خلال ثلاثة أشهر فقط. وتصدّرت الصين وفرنسا وألمانيا قائمة الدول الأكثر إسهاماً في هذه الزيادة، في حين واجهت الأسواق الناشئة عبئاً غير مسبوق بلغ 7 تريليونات دولار من السندات والقروض المستحقة قبل نهاية العام.
وتُشير هذه الأرقام إلى اتساع فجوة الاستدامة المالية في ظل ضغوط التغير المناخي، وشيخوخة السكان، والإنفاق العسكري المتزايد.
الصين من «ممول» إلى «محصّل»
التقرير تزامن مع دراسة من معهد لوي الأسترالي تظهر أن الدول النامية ستدفع 19 مليار يورو إلى الصين هذا العام فقط، نتيجة لقروض حصلت عليها ضمن مبادرة الحزام والطريق. وتتحول الصين من «بنك للبلدان النامية» إلى مُحصّل قروض صارم، حسب الدراسة.
وفي وقت تعاني فيه هذه الدول من محدودية الموارد، تبدو مهددة بفقدان سيادتها الاقتصادية، خصوصاً في ظل تراجع الإقراض الصيني وزيادة استحقاقات السداد، وسط مخاوف حقيقية من الوقوع في فخ الديون طويلة الأجل.
اليابان وألمانيا… مفارقة في التوازن المالي
في المقابل، أفادت تقارير أخرى بأن اليابان فقدت مكانتها بوصفها أكبر دائن عالمي لصالح ألمانيا، رغم بلوغ صافي أصولها الخارجية رقماً قياسياً. وبلغ صافي أصول ألمانيا 569.7 تريليون ين في نهاية 2024، متجاوزة اليابان التي سجّلت 533.1 تريليون ين.
ويرتبط هذا التحول بالفائض الكبير في الحساب الجاري الألماني، بالإضافة إلى قوة اليورو مقارنة بالين. ومن جهة أخرى، أسهم ضعف الين في تضخيم الأصول اليابانية، لكنه لم يكن كافياً للحفاظ على الصدارة.
قبل أن تقع الأزمة
وشدد بنك التسويات على أن الاستجابة يجب ألا تعتمد فقط على السياسة النقدية. فالبنوك المركزية، حسب كارستنز، لا يمكنها السيطرة على التضخم وحدها، خصوصاً في ظل الضغوط الخارجية والمطالب الاجتماعية المتزايدة.
ويُوصي البنك بضرورة تبني الدول مسارات مالية شفافة ومستدامة، مع التزام سياسي واضح بالملاءة والاستقرار. كما ينبغي تنويع مصادر التمويل بعيداً عن الاعتماد المفرط على الديون، خصوصاً في الدول النامية.
وتكشف التحذيرات الدولية والمعلومات الاقتصادية الحديثة أن العالم يواجه لحظة مفصلية، حيث لم يعد التوسع في الاقتراض خياراً سهلاً، بل أصبح عبئاً وجودياً يهدّد استقرار الدول والأسواق على حد سواء. وبينما تتحوّل الصين إلى مُحصّل ديون، وتفقد اليابان مكانتها لصالح ألمانيا، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية إعادة ضبط المالية العامة قبل أن تضيق النوافذ أكثر.