أمريكا المنيعة .. مكانة بلاد العم سام في الاقتصاد العالمي سلاح ذو حدين
(الإقتصادية)-14/06/2024
بدأت البنوك المركزية في كندا والسويد ومنطقة اليورو أخيرا في خفض أسعار الفائدة، بينما أجل الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء خططه للتخفيف النقدي مرة أخرى.
ورغم أن أسعار الفائدة في أمريكا ارتفعت أكثر من نظيراتها في الدول الغنية الكبرى الأخرى بينما التضخم آخذ في الانخفاض، فمن المتوقع أن تتراجع أسعار الفائدة الأمريكية ربع نقطة مئوية فقط هذا العام، بحسب “ذا إيكونومست”.
بعض هذا التباين في السياسة النقدية يعد نتيجة طبيعية للنمو القوى في أمريكا، لكن اللافت للنظر على نحو متزايد بشأن القوة النسبية للولايات المتحدة هو مدى حصانتها أمام تهديد الاختلال السياسي والضعف المالي، وهما العاملان اللذان يؤثران تأثيرا كبيرا في بقية العالم.
ورغم أن أمريكا هي الحصن الوحيد للاقتصاد العالمي، فإن الغريب أن هذا يشكل نقطة ضعف.
وفقا لأحدث توقعات البنك المركزي الأوروبي، سينمو اقتصاد منطقة اليورو 0.9 % في 2024، بينما تشير تقديرات الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الاقتصاد الأمريكي ينمو حاليا بوتيرة تعادل ثلاثة أضعاف النمو في منطقة اليورو.
وتواجه الصين أزمة عقارية وتهديدا بالانكماش، واليابان تدافع عن عملتها الضعيفة. أما بريطانيا، فأصبحت مرادفا للإنتاجية المروعة. إن مزيجا من النمو القوي والدولار القوي يعني أن حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار صرف السوق، التي ينبغي أن تنخفض مع لحاق الاقتصادات الأخرى بأكبر اقتصاد في العالم، آخذة في النمو.
في أماكن أخرى، يشعر المستثمرون بالخوف إزاء نتائج الانتخابات، خاصة عندما تكون الحكومات ضعيفة ماليا. فبعد أن أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون في التاسع من يونيو إجراء انتخابات برلمانية مفاجئة، شهدت السندات الفرنسية عمليات بيع كثيفة، ما أدى إلى اتساع الفارق بين عائداتها وعائدات السندات الألمانية الآمنة. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن فرنسا بحاجة إلى تشديد مالي يبلغ 3 % من الناتج المحلي الإجمالي كي تستقر ديونها بحلول 2029.
في المكسيك انخفض البيزو نحو 10 % مقابل الدولار منذ الفوز الساحق الذي حققته كلوديا شينباوم، المرشحة الرئاسية اليسارية، في الانتخابات. وهوت أسواق الهند بعد أن بدت قدرة ناريندرا مودي على تنفيذ الإصلاحات ضعيفة، رغم أن الأسواق تعافت إلى حد كبير منذ ذلك الحين. والانتخابات البريطانية لا تحرك المستثمرين كثيرا، لأن النتيجة معروفة تقريبا والسياسيون خائفون من أزمة سوق السندات التي اندلعت في 2022.
أمريكا وحدها تبدو قادرة على تجنب عدم اليقين السياسي والهشاشة المالية. عجزها الأساسي الذي يبلغ 7.4 % من الناتج المحلي الإجمالي يعني أن التشديد المالي اللازم لاستقرار ديونها أكبر مما في فرنسا، حتى بعد احتساب النمو الأسرع.
والعودة المحتملة لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض توجد خطر اتساع نطاق العجز، والتدهور المؤسسي، وربما حتى تسييس السياسة النقدية. ومع ذلك، لا توجد علاوة مخاطرة على ديون الحكومة الأمريكية، وكأن التضخم قد هُزِم إلى الأبد، وأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي ستسير وفقا للتوقعات تماما (رغم حقيقة أنها لم تكن كذلك في الماضي).
وفي معظم البلدان يشكل العجز الكبير تهديدا. في أمريكا يتم التعامل معه ببساطة على أنه يدعم النمو وأسعار الفائدة، وبالتالي ارتفاع قيمة الدولار. وتزدهر سوق الأسهم مرة أخرى، مدفوعة بالتفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي.
الرهان ضد أمريكا يمكن أن يبدو وسيلة مؤكدة لخسارة المال. مع ذلك، المكانة الفريدة لبلاد العم سام ذات حدين. كلما زاد اعتماد العالم على الديناميكية الأمريكية والثقة بالدولار، تعاظمت الأضرار التي قد يلحقها الاختلال السياسي والسياسة المالية المتهورة في واشنطن في نهاية المطاف.
وإذا استسلمت أمريكا للشعبوية، وأزمة الميزانية، والتضخم، فسيجد العالم أنه لا يوجد اقتصاد آخر قادر على توفير أصول آمنة يدعمها اقتصاد ضخم، وأسواق رأسمالية نشطة، وحساب رأسمالي مفتوح، وسيادة القانون.