إيران تدرس إزالة أربعة أصفار من عملتها الوطنية… خطوة شكلية أم إصلاح اقتصادي؟
(النهار)-06/08/2025
في محاولة جديدة لمواجهة التدهور المتواصل في قيمة العملة الوطنية، وافقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون يقضي بإزالة أربعة أصفار من الريال الإيراني، وسط أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها البلد منذ سنوات، تفاقمت بفعل العقوبات الدولية وتدهور العلاقات الخارجية.
وبحسب التصريحات الرسمية، فإن مشروع القانون يبقي على إسم الريال كعملة وطنية، ويقضي بأن يعادل الريال الجديد عشرة آلاف ريال حالي، مع تقسيمه إلى 100 “قيران”، وهي وحدة نقدية جديدة تشبه “السنت” الأميركي.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية شمس الدين حسيني إن هذه الخطوة تهدف إلى تبسيط المعاملات النقدية وتقليل العبء المحاسبي داخل مؤسسات الدولة.
لكن خلف هذا القرار تقف تحديات ضخمة وتساؤلات أكثر عمقاً، حيال جدوى هذه الخطوة في ظل غياب إصلاحات اقتصادية شاملة.
تدهور مستمر رغم المحاولات
وواصل الريال الإيراني انهياره خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات على طهران، ما أدى إلى شلل شبه تام في تدفق العملة الصعبة، وتقييد صادرات النفط، المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في إيران. وسجلت السوق السوداء، بحسب صحيفة “دنيا الاقتصاد”، سعر صرف بلغ 925 ألف ريال للدولار الواحد، ما يعكس التراجع الحاد للعملة في مقابل الدولار.
هذا الواقع دفع الإيرانيين منذ سنوات إلى استخدام مصطلح “التومان” في حياتهم اليومية بدلاً من الريال، بطرح صفر من القيمة، ما أدى إلى ارتباك كبير، بخاصة للزوار الأجانب.
رأي الخبراء: القرار شكلي لا أكثر
الباحث الاقتصادي الدكتور محمد موسى اعتبر في حديث إلى “النهار” أن القرار لا يحمل في جوهره حلولاً لمشكلة التضخم أو ضعف القوة الشرائية. وأوضح أن “إزالة الأصفار لا تُغيّر شيئاً في القيمة الفعلية للعملة أو في مؤشرات الاقتصاد الكلي”، بل المطلوب هو تغيير السياسات الاقتصادية والنقدية والخارجية.
ويرى أن قوة العملة مرتبطة بعوامل مثل رفع قيمة الصادرات، تدفق العملات الأجنبية، تحسين العلاقات الدولية، والانفتاح على تسويات سياسية حقيقية، بخاصة في ما يتعلق بالبرنامج النووي والعلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي غياب هذه العوامل، فإن إزالة الأصفار لن تكون سوى خطوة نفسية أو محاسبية لا تغير من الواقع شيئاً.
تحديات تطبيقية ولوجستية ضخمة
ويواجه تنفيذ القرار العديد من العقبات، أبرزها التكلفة العالية لإعادة طباعة العملة، تحديث الأنظمة المصرفية، إعداد حملات توعوية لإفهام المواطنين بالعملة الجديدة، وتأقلم الإدارات المالية مع التغييرات، فضلًا عن التحدي الأكبر: كيفية تفاعل السوق والجمهور مع هذا القرار في ظل فقدان الثقة بالعملة المحلية.
كما أن القطاع المصرفي الإيراني الذي يعاني أصلًا من ضعف البنية التحتية والعقوبات، سيواجه صعوبات في إعادة هيكلة الأنظمة المحاسبية وإدارة الودائع.
في الختام: لا إصلاح بلا انفتاح
وليست إيران الدولة الأولى التي تلجأ إلى حذف الأصفار من عملتها، فهذه الخطوة اتبعتها دول مثل تركيا وزيمبابوي، ولكن ما يحدد نجاحها هو ما إذا كانت مصحوبة بإصلاحات اقتصادية شاملة وتغييرات في السياسة العامة. في حالة إيران، تبقى العقوبات، والعزلة الدولية، والصراعات الإقليمية، كلها عوامل تُقيد أي محاولة لإصلاح حقيقي.
وبالتالي، فإن مشروع إزالة الأصفار – مهما بدا جذّاباً إعلامياً أو محاسبياً – لن يشكل حلاً جذرياً، ما لم تتبعه خطوات إصلاح سياسي واقتصادي حقيقية تُعيد الثقة بالاقتصاد الإيراني من الداخل والخارج.