الارتفاع الكبير بأسعار الذهب لغز يربك المحللين
(البيان)-15/03/2024
ارتفع سعر الذهب بنسبة 7% في غضون أسبوع، ليصل إلى مستويات قياسية، ما جعل المداومين على مراقبة السوق يواجهون صعوبة في تفسير أحد أغرب موجات الصعود للمعدن الأصفر، وقد أسفرت حركة الأسعار المفاجئة عن رفع أسعار الملاذ الآمن بين الأصول إلى مستوى أعلى من الذروة السابقة، التي سجلتها في ديسمبر، لتصل إلى ما يقرب من 2,195 دولاراً للأوقية، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».
ويُرجع بعض المعلقين هذا التحرك إلى تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية. ومع ذلك يقول عدة محللين إن أياً من العوامل التي دفعت موجة صعود أسعار الذهب خلال الـ 16 شهراً الماضية ليست المحفز المحتمل لهذه الموجة الأخيرة.
وتشمل هذه العوامل المستويات القياسية من مشتريات البنوك المركزية، والأسر الصينية، التي تبحث عن ملاذ آمن لأموالها، أو الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. وقالت نيكي شيلز، محللة المعادن الثمينة في شركة «إم كيه إس بامب» السويسرية لتكرير الذهب والتجارة: «لقد كانت هذه الموجة هي الأهدأ والأكثر غموضاً، لكن ما جعلها ترتفع من 2000 دولار خلال الشهر الماضي إلى أكثر من 2150 دولاراً هو الجزء الذي يدعو لكثير من التفكير».
لقد انطلقت موجة الارتفاع الحالية عندما أظهرت بيانات التصنيع الأمريكية في بداية الشهر تراجعاً أكبر من المتوقع، مما عزز قناعة المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه لخفض الفائدة في شهر يونيو، لكن لم يبد أن حجم التغييرات في عائدات سندات الخزانة والدولار يبرر تماماً موجة الصعود في سعر الذهب، حسبما يقول المحللون.
وانخفض عائد السندات لأجل عامين، والذي يتأثر بالفائدة بنسبة 0.12 نقطة مئوية منذ بداية مارس إلى 4.5%، لكنه لا يزال أعلى بكثير من أدنى مستوى سجله في يناير عند 4.12%، في حين أن الدولار لا يزال مرتفعاً مقابل سلة من 6 عملات مقارنة ببداية العام.
وفي هذا السياق قالت سوكي كوبر، المحللة في ستاندرد تشارترد: «سابقاً، عندما شهدنا موجة ارتفاع تتراوح بين 70 و80 دولاراً، كان ذلك عادة مصحوباً بمحفز جديد أو نوع من المخاطرة، لكن هذه المرة لم يكن هناك تحول كبير في الأحداث الجارية».
وأظهرت بيانات نمو الوظائف في الولايات المتحدة لشهري ديسمبر ويناير انخفاضاً حاداً يوم الجمعة الماضي، مما زاد من ثقة المستثمرين بتوقعات خفض الفائدة في النصف الأول من العام. وعلى النقيض من ذلك فقد ارتفعت عملة البيتكوين، التي وصلت إلى مستويات قياسية جديدة، بفضل تدفق مليارات الدولارات إلى صناديق الاستثمار المتداولة، منذ إطلاقها في الولايات المتحدة قبل شهرين.
في حين ترى رونا أوكونيل، المحللة لدى «ستون إكس» لوساطة السلع، أن ثمة الكثير من العوامل التي يمكن أن تسوغ أسباب ارتفاع سعر الذهب، مثل: تشديد الصين أخيراً مواقفها تجاه تايوان، وتصاعد حدة التوترات المصرفية في الولايات المتحدة، والانتخابات المقبلة في عدد من الدول هذا العام، لكنها قالت إن أياً من هذه العوامل لم تكن وراء تحركات الأسبوع الماضي، وأشارت بدلاً من ذلك إلى تداولات الزخم- الصناديق الآلية، التي تتشبث بارتفاع الأسعار– والتي تتكالب على الدخول بعدما قفز الذهب لمستوى سعري جوهري. وأضافت أوكونيل: «لم يكن هناك شيء محدد أو ملموس يمكننا الإشارة إليه بخلاف الاهتمام المتكرر بمراقبة الاحتياطي الفيدرالي».
بالإضافة إلى ذلك أدى عدم توفر البيانات المتاحة الفورية حول تدفقات السوق إلى تكهنات بأن المشتريات خارج البورصة من قبل مشترين سريين للذهب، والتي يصعب تتبعها، قد أدت إلى ارتفاع الأسعار.
وقال برنارد دحداح، كبير محللي السلع في بنك «ناتيكسيس» الفرنسي، إن التغييرات الطفيفة الأخيرة في الدولار وعوائد السندات، بالإضافة إلى استمرار تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، جعلت من الصعب ربط ارتفاع أسعار الذهب بتغير التوقعات حيال خفض معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
كما أنه لا يمكن أن ينسب ذلك إلى تجدد الطلب القوي من مستثمري التجزئة الصينيين، لأن علاوة الذهب في الصين مقارنة بلندن قد تراجعت، كما لا يمكن أن يعزى ذلك إلى تجدد الشراء من قبل البنوك المركزية، لأن المؤسسات الرسمية عادة ما تشتري ببطء ودون لفت الانتباه.
واستطرد موضحاً: «هذه هي المرة الأولى التي أقوم فيها باستبعاد الأسباب الكامنة وراء حركة الأسعار بدلاً من ذكر العوامل التي تحركها»، وأضاف: «أولئك الذين سيفعلون ذلك سيكونون إما صندوق تحوط كبير، أو مدير أصول» باستخدام المشتقات المالية.
وفي إشارة إلى نشاط المستثمرين المتزايد ارتفع عدد عقود الذهب الآجلة القائمة في كومكس بنسبة 30% منذ 28 فبراير، في حين ارتفع صافي مراكز الشراء بنحو 64 ألف عقد إلى 208 آلاف عقد الثلاثاء، وفقاً لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة. وبخصوص ذلك قالت رونا أوكونيل، المحللة لدى «ستون إكس» لوساطة السلع: «هذا يطلق جرس إنذار للحاجة إلى تصحيح جوهري بمجرد أن يتوقف الزخم، سيكون هناك فرصة لجني الأرباح».
أما كارستن مينكي، رئيس قسم أبحاث الجيل القادم لدى يوليوس باير، فأشار إلى اعتقاد البعض أن ارتفاع سوق الذهب يعد علامة على أن المستثمرين يستبقون الرهانات على خفض أسعار الفائدة، مضيفاً: «إن قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة ليس أمراً محسوماً». ومع ذلك لا يعتقد الجميع أن أسعار الذهب تتجه نحو الانخفاض.
وتبقى الأسعار أدنى قليلاً من الرقم القياسي المعدل حسب التضخم الذي يزيد على 3000 دولار للأوقية في عام 1980، ويقول بعض المحللين إن الارتفاع الحالي يظهر وجود دعم قوي وأرضية ثابتة للارتفاع.
وأشارت سوكي كوبر، المحللة في ستاندرد تشارترد، إلى الطلب القوي من مستثمري التجزئة والبنوك المركزية خارج الدول الغربية، بالإضافة إلى تفاعل سعر الذهب الإيجابي مع أخبار هامشية تدعم خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وقدرته على الصمود عندما تشير البيانات إلى استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول. وقالت: «هناك الكثير من الأحداث المبهمة، التي يريد المستثمرون التحوط منها»، مشيرة إلى الانتخابات، ومخاطر تصعيد الصراعات، أو عودة حدوث أزمة مصرفية، وأضافت: «يبدو أن لدينا شهية متجددة بسوق الذهب».