الاقتصاد العالمي بدأ مرحلة التصدّع والتفكك الخطر
(البيان)-27/11/2025
ما الذي ينتظر الاقتصاد العالمي؟ الإجابة هي أن الاقتصاد العالمي بدأ بالتفكك. هذه هي مقولة نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في مجموعة «كابيتال إيكونوميكس» في كتابه الجديد ذي الفكر المتعمق «العصر المتصدع».
يُشير شيرينغ إلى أن التصدع ليس كـ«التراجع عن العولمة». قد لا تتقلص التجارة وأشكال العولمة الأخرى كثيراً. لا ينبغي أن يكون هذا مشابهاً لانهيار ثلاثينيات القرن الماضي. لكن التجارة مع المنافسين ستتقلص، فيما سترتفع مع الأصدقاء.
ويشير خاصة إلى أن العالم سينقسم بين كتلة متمركزة حول الولايات المتحدة وأخرى متمركزة حول الصين، مع وجود عدد من الدول غير المنحازة عالقة بينهما، تحاول بذل قصارى جهدها.
وترى قطاعات كبيرة من النخبة السياسية الأمريكية بالفعل أن صعود الصين هو تحدي العصر. وفي الواقع، يبدو أن هذه هي النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الطرفان في الغالب.
كما قارن شي جين بينغ بين «هيمنة» الولايات المتحدة في العصر الحديث و«القوى الفاشية المتغطرسة» قبل 80 عاماً، وذلك قبل قمة مع فلاديمير بوتين في مايو الماضي. وهو كلامٌ عدائي بوضوح.
ووجهة نظر شيرينغ أن الولايات المتحدة ستُصبح متفوقةً على الصين في ظل هذا التشرذم الاقتصادي العالمي. ويُبرر ذلك أساساً بأن حلفاء أمريكا أقوى اقتصادياً من حلفاء الصين لأنهم يشملون جميع الدول المتقدمة تقريباً.
أما على الجانب الآخر، تُعدّ روسيا الحليف المهم الوحيد للصين. وبأسعار السوق، تبلغ حصة الكتلة الأمريكية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 68 %، مقابل 26 % للكتلة الصينية. وحتى عند تعادل القوة الشرائية، تبلغ حصة الكتلة الأمريكية 50 %، مقابل 32 % للكتلة الصينية.
ومن النقاط المثيرة للجدل التي يُثيرها شيرينغ أنه في حين أن العديد من الدول سترغب في البقاء منفتحة على كلا الجانبين، فإن معظمها سيُجبر على الاختيار.
وفي النهاية، ستبقى الدول الأكثر قوة اقتصادياً في العالم أقرب إلى الولايات المتحدة، إما لاعتمادها على مظلتها الأمنية وأسواقها وعملتها، أو لأنها، في نهاية المطاف، أكثر ارتياباً من الصين.
كما أن الكتلة الأمريكية أكثر تنوعاً اقتصادياً، وتسيطر على تقنيات أكثر جوهرية، ولا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات. وقد أثبتت الصين، كما اتضح مؤخراً، مكانتها القوية في المعادن الأساسية والمعادن النادرة، لكن يمكن استبدال هذه المعادن على المديين المتوسط والطويل.
علاوة على ذلك، فإن عملات وأسواق الولايات المتحدة وحلفائها المالية لا يمكن تعويضها عالمياً. ولا ترغب الصين حتى في استبدالها. علاوة على ذلك، يرى شيرينغ أن الصين ستخسر أكثر من الولايات المتحدة من اقتصاد عالمي متفكك.
وأحد الأسباب هو امتلاكها فائضاً هيكلياً في الحساب الجاري. الدول الوحيدة التي يمكن استثمار هذه الأموال فيها بأمان هي الولايات المتحدة وحلفاؤها. والبديل هو إقراض الدول النامية بشكل كبير، لكنها قد لا تتمكن من سداد ديونها.
أخيراً، فإن النمو الاقتصادي الصيني قد تباطأ بالفعل، ومن المرجح أن يزداد تباطؤاً. حتى إن شيرينغ يتوقع أن معدل نموها قد يتباطأ إلى 2 %، وهو معدل مماثل تقريباً لنمو الولايات المتحدة، ويعزى ذلك جزئياً إلى هذا التفكك المستمر.
كما أن أياً من أسواق العالم الكبرى لن يتسامح مع تدفق الصادرات الصينية الذي تهدد سياساتها الصناعية. وإذا صح ذلك، فقد لا يتفوق اقتصاد الصين أبداً على اقتصاد الولايات المتحدة بشكل حاسم، ناهيك عن اقتصاد الكتلة الأمريكية ككل.
إن القول إن العالم (وبالتالي الاقتصاد العالمي) يمر بمرحلة تفكك صحيح. وشيرينج محق أيضاً في أن التعددية القديمة في طريقها إلى الزوال. لكن من المرجح تماماً أن يكون متفائلاً للغاية بشأن مستقبل «الكتلة الأمريكية» ومتشائماً جداً بشأن آفاق الصين الاقتصادية.
وأحد أسباب الرأي الأول هو أن الولايات المتحدة تشن ما يمكن وصفه بأنه «هجوم انتحاري» على أصولها الرئيسة.
ومن بين هذه الأصول، موثوقيتها كحليف، بل كأي شريك. فقد دمر ما يفعله دونالد ترامب تجاه البرازيل وكندا والهند وأوكرانيا، على سبيل المثال لا الحصر، سمعة بلاده كمكان جدير بالثقة.
ومن بين الأصول الأخرى المعرضة للهجوم سيادة القانون، ودعم العلوم والجامعات العريقة، والمهاجرون. صحيح أن العديد من الدول ستواصل الاعتماد على الولايات المتحدة.
ولكن إذا لم يتوقف نهج ترامب المتقلب تجاه العالم، فقد تتلاشى «الكتلة الأمريكية». ولذلك، نقلت «كابيتال إيكونوميكس» على سبيل المثال الهند من «الدول ذات الميل نحو الولايات المتحدة» إلى معسكر «غير المنحازين».
سبب آخر هو أن شطب الصين من الحسابات خطأ. فمن غير المرجح أن يحقق اقتصادٌ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بتعادل القوة الشرائية) حوالي 30 % من مستويات الولايات المتحدة نمواً بحدود 2 % فقط.
وينطبق هذا بشكل خاص على الصين، بالنظر إلى مواردها البشرية الهائلة. إنني أوافق على أن الصين قد تبنت سياسات خاطئة، لكن، كما أظهر دينغ شياو بينغ، فإن السياسات المدمرة قابلة للتغيير.
وأراهن على أنها ستتغير، إذ لن تقبل الصين بالأداء الاقتصادي الضعيف إلى أجل غير مسمى. والسؤال الكبير إذن هو أي من القوتين المهيمنتين المحتملتين سيتخلى عن تصرفاته الحالية في وقت أقرب؟
إن هذه الحجج المضادة لا تغير توقعات شيرينغ بالتشرذم والتفكك. إنها تغير فقط الخاسر المحتمل. كما أنها لا تغير الحقيقة الواضحة وهي أن عالماً متشرذماً من المرجح أن يكون عالماً خطراً.
وقد كتب غراهام أليسون وجيمس وينفيلد في مجلة «فورين أفيرز» أن «العقود الثمانية الماضية كانت أطول فترة بدون حرب بين القوى العظمى منذ الإمبراطورية الرومانية». فهل سيستمر هذا الوضع إذا اعتقدت القوى المهيمنة عالمياً بأنها تلعب لعبة محصلتها صفرية أو حتى محصلتها سلبية؟
حتى بدون الكوارث، سيكون من الصعب على الجميع إدارة عالم ممزق. وغياب الولايات المتحدة عن المحادثات الأخيرة بشأن المناخ مثالٌ بارز على ذلك.
ويمكننا أن نناقش ما إذا كانت الصين أم الولايات المتحدة ستحقق أداءً أفضل نسبياً في عالم كهذا. لكن المرجح أن يكون أداء الجميع أسوأ من حيث القيمة المطلقة.
