التدفقات المالية الروسية تتراجع بعد استهداف واشنطن آلة بوتين الحربية
(الشرق الاوسط)-07/05/2024
جعلت الحملة الأميركية على المصارف، التي تمول تجارة السلع لغزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، نقل الأموال من وإلى روسيا في غاية الصعوبة، وفقاً لمسؤولين غربيين كبار وممولين روس.
وتراجعت أحجام تجارة موسكو مع الشركاء الرئيسيين مثل تركيا والصين في الربع الأول من هذا العام بعد أن استهدفت الولايات المتحدة المصارف الدولية التي تساعد روسيا في الحصول على منتجات مهمة لدعم جهودها الحربية، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».
وقال مسؤولون غربيون و3 من كبار الممولين الروس إن الأمر التنفيذي الأميركي، الذي جرى تنفيذه أواخر العام الماضي، دفع المقرضين إلى التخلي عن نظرائهم الروس وتجنب المعاملات بمجموعة من العملات.
وقالت نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون العالمية في وزارة الخزانة الأميركية، آنا موريس: «لقد أصبح من الصعب على روسيا الوصول إلى الخدمات المالية التي تحتاجها للحصول على هذه السلع». وأضافت: «إن جعل تدفق تلك الأموال أكثر صعوبة بكثير، وزيادة التكلفة على الروس [و] الاحتكاك في النظام، يعد بالتأكيد هدفاً. إن التعطيل نتيجة مهمة».
وقال مسؤولون وممولون إنه لتجاوز القيود الآن، تَتطلب العمليات شبكة وسطاء متنامية لتجنب التدقيق التنظيمي حتى لو لم تكن المعاملات مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالآلة الحربية الروسية، وذلك مع زيادة تكاليف تحويل العملة والعمولات.
وصرح مستثمر روسي كبير مشيراً إلى العقوبات المالية الصارمة المفروضة على طهران: «يصبح الأمر أكثر صعوبة كل شهر. شهرٌ ما يكون بالدولار، والشهر التالي باليورو؛ وفي غضون 6 أشهر لن تتمكن عملياً من فعل أي شيء. النتيجة المنطقية لهذا هي تحويل روسيا إلى إيران».
ولا تزال حاملات الصواريخ الاستراتيجية الروسية قيد الإنتاج. وشهدت الواردات الروسية المرتبطة بالحرب انخفاضاً حاداً بسبب ابتعاد المصارف عن تمويل مثل هذه المعاملات، وذلك بعد تراجع دول مثل تركيا عن التعاملات التجارية المرتبطة بالحرب.
وقد صُمم الأمر التنفيذي الأميركي لاستهداف المصارف في البلدان التي سجلت ارتفاعاً حاداً في التجارة مع روسيا بعد أن فرض الغرب عقوبات عقب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا منذ أكثر من عامين.
وشهدت صادرات تركيا من السلع «ذات الأولوية العالية» – وهي عناصر تستخدم أساساً للأغراض المدنية، ولكن جرى تحديدها بوصفها ضرورية للمجهود الحربي، مثل الرقائق الدقيقة – إلى روسيا و5 دول سوفيتية سابقة ارتفاعاً كبيراً بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. ووفقاً لشركة «ترايد داتا مونيتور»، وصلت القيمة إلى 586 مليون دولار في عام 2023، بزيادة 5 أضعاف عن حجم التجارة قبل الحرب.
ولكن في الربع الأول من هذا العام، انخفضت صادرات تركيا إلى روسيا بمقدار الثلث على أساس سنوي لتصل إلى 2.1 مليار دولار. وانخفضت قيمة صادراتها المعلنة من السلع ذات الأولوية العالية إلى روسيا ودول الجوار بنسبة 40 في المائة إلى 93 مليون دولار في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع السابق، ما يظهر تأثير الأمر التنفيذي الأميركي.
ويعزو مسؤولون وخبراء أميركيون الانخفاض الحاد في الصادرات المرتبطة بالحرب إلى مخاوف المصارف من تداعيات الولايات المتحدة، التي يمكنها تتبع أي معاملة بالدولار، وشل المُقرضين عن طريق إقصائهم من النظام المالي القائم على الدولار.
وبإمكان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات ثانوية على المُقرضين إذا اشتبهت في تعاملهم مع شركات محظورة بسبب روابطها بالمجمع الصناعي العسكري الروسي.
وقالت إلينا ريباكوفا، وهي زميلة بارزة غير مقيمة في معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي: «للولايات المتحدة نفوذ حقيقي على القطاع المالي. يمكنها اكتشاف ما إذا كنت تفعل شيئاً خاطئاً، حتى لو كنت أصغر مصرف، إذا كنت مرتبطاً بالدولار بأي شكل من الأشكال؛ لذا فإن هذا يخيف الناس».
وكان للقيود المفروضة على المدفوعات تأثير مخيف يتجاوز بكثير تجارة الظل في مكونات آلة الحرب الروسية، حيث قطعت المصارف فئات كاملة من المعاملات مع موسكو بدلاً من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
ولجأ التجار الروس إلى المصارف الصغيرة والعملات البديلة مع ابتعاد المصارف الكبرى في دول مثل تركيا والصين.
وصرح فلاديمير بوتانين، رجل الأعمال الذي يسيطر على مجموعة «نوريلسك نيكل» للمعادن، مؤخراً أن العقوبات خفضت إيرادات الشركة بنسبة 15 في المائة على الأقل منذ عام 2022، ويرجع ذلك جزئياً إلى عمولات 5 إلى 7 في المائة للوسطاء في معاملات التصدير.
وقالت الشريكة وخبيرة العقوبات في شركة المحاماة «ديبيفواز وبليمبتون» الأميركية، جاين شفيتس، إن التجار الذين يبيعون البضائع إلى روسيا، بما في ذلك البضائع المقيدة، هم أقل عرضة للردع من المصارف.
وأوضحت: «لقد أثر تراجع المؤسسات المالية الأكبر على التجارة، ولكن السؤال هو ما إذا كانت ستتعافى مع انتشار هذه البدائل المشبوهة لتحويل الأموال».
ومن جانبه، قال رئيس وحدة الاستخبارات المالية في إستونيا، ماتيس ميكر، إن التعاملات المعقدة بشكل كبير تخاطر بإرباك الجهات التنظيمية الغربية التي تلاحق تجارة البضائع المقيدة، حيث تضيف الكيانات الروسية ونظيراتها مزيداً من المعاملات التي تفصل بين المشتري والبائع.
وتابع: «إذا كان لديك أربعة مصارف في السلسلة، فهذا يعني أن هناك عدة مدفوعات أو قفزات مرتبطة بمعاملة واحدة كانت تنتقل سابقاً من «أ» إلى «ب» حيث تنتقل الأموال بين المستخدمين».
وأضاف أن هذا يؤدي إلى زيادة تكلفة المعاملات، ولكنه أيضاً يجعل من الصعب على سلطات التنفيذ رؤيتها في الوقت المناسب. وقال: «هناك كثير من المصارف في العالم – سيجدون طريقة جديدة للالتفاف على العقوبات».
كما يلجأ المستوردون والمصدرون الروس إلى تسوية مزيد من المعاملات بالروبل بسبب صعوبة تحويل العملة إلى الدولار واليورو، وفقاً للممولين المعنيين.
ويعتقد أن الروبل سيصبح العملة الرئيسية في روسيا؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتأكد من أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية لا يراها».
وفي أوائل أبريل (نيسان)، أبلغ مصرف جورجيا، ثاني أكبر مُقرض في دولة القوقاز والمدرج في بورصة لندن، عملاءه بأن التحويلات إلى روسيا في مجالات «التكنولوجيا والبناء والصناعة والطيران» ستجري فقط بالروبل.
وجاء التغيير «امتثالاً لمتطلبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية»، وفقاً للرسالة التي اطلعت عليها صحيفة «فاينانشيال تايمز».
ووفق المصرف المركزي الروسي، يجري تنفيذ المدفوعات عبر الحدود بشكل كبير بالروبل، بينما يتراجع استخدام العملات الصينية والتركية والإماراتية. وقبل حرب 2022، كان يجري دفع أقل من 15 في المائة من الصادرات الروسية بالروبل، لكن حصة العملة ارتفعت إلى 40 في المائة في فبراير (شباط) من هذا العام، مع تسجيل أعلى قفزة بعد الأمر التنفيذي.
وبالنسبة للواردات، ارتفعت المدفوعات بالروبل إلى نحو 40 في المائة من مستوى ما قبل الحرب البالغ 30 في المائة.
ومع ذلك، فإن قابلية تحويل الروبل المحدودة تجعل من الصعب على المصارف الروسية والشركات المقابلة تعويض حجم التجارة المفقود بالدولار والعملات الغربية الأخرى، وفقاً للمستثمر الروسي الكبير.
وقال: «حتى أكثر المناطق الودية مثل قيرغيزستان معرضة للخطر. وعلى أية حال لا يمكنك سحب الكثير من الأموال هناك؛ لأن رأسمال هذه المصارف صغير جداً».