التمويل الضخم للذكاء الاصطناعي يؤدي للضجيج والخداع
(البيان)-04/02/2024
يرى ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك في «ديب مايند»، أن زيادة فيضان الأموال المتدفق على الذكاء الاصطناعي نتج عنه ترويج صاخب، يشبه الضجيج المحيط بالعملات المشفرة، ما يخفي التقدم العلمي الخارق الذي تحقق في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقال الرئيس التنفيذي لوحدة أبحاث الذكاء الاصطناعي في «جوجل» إن ضخ مليارات الدولارات في الشركات الناشئة بمجال الذكاء الاصطناعي التوليدي ومنتجات الذكاء الاصطناعي، إنما يأتي مصحوباً بقدر كبير من المبالغة الإعلامية وربما بعض الممارسات الاحتيالية أيضاً، إلى جانب أمور مشابهة لما نراه في مجالات أخرى تثير ضجة كبيرة، مثل العملات المُشفرة وما إلى ذلك.
وتابع: تسرب بعض من ذلك إلى الذكاء الاصطناعي، وهو ما أعتقد أنه أمر مؤسف بعض الشيء، ويحجب العلم والأبحاث المدهشة. وأضاف أنه بطريقة ما فإن الذكاء الاصطناعي لا يتم الترويج له بما يكفي، لكن إذا نظرت إلى الأمر بطريقة ما، ثمّة إفراط في الجلبة المثارة حوله في بعض النواحي، نحن نتحدث هنا عن كافة الأشياء التي ليست حقيقية.
أثار إطلاق «أوبن إيه آي» لروبوت الدردشة «تشات جي بي تي» في نوفمبر 2022 هوساً بين المستثمرين، مع تباري الشركات الناشئة على تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي التوليدي واجتذاب تمويل رؤوس الأموال المغامرة.
واستثمرت مجموعات رأس المال المغامر 42.5 مليار دولار في 2500 جولة تمويل من خلال شراء أسهم في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، بحسب محللي السوق لدى «سي بي إنسايتس». وهرع المستثمرون في السوق العامة إلى الاستثمار في شركات التكنولوجيا التي يطلق عليها «الرائعون السبعة»، وتشمل «ميكروسوفت» و«ألفابيت» و«إنفيديا» التي تقود دفة ثورة الذكاء الاصطناعي. وحفز بروز هذه الشركات أسواق الأسهم العالمية على تحقيق أفضل أداء بالربع الأول منذ خمسة أعوام.
لكن الجهات التنظيمية تدقق بالفعل في هذه الشركات بسبب ادعاءات خاطئة ذات صلة بالذكاء الاصطناعي. وقال جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في ديسمبر الفائت: لا يجب على المرء أن يكذب فيما يتعلق بالبيئة، ولا فيما يخص الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن بعض الترويج المضلل عن الذكاء الاصطناعي، إلا أن هاسابيس، الذي حصل على لقب فارس الأسبوع الماضي لخدماته في مجال العلوم، أفاد بأنه يظل على قناعة بأن هذه التكنولوجيا واحدة من الاختراعات التحويلية في التاريخ البشري.
وقال: أعتقد أننا ما زلنا نسبر أغوار القشرة الخارجية لما أؤمن بأنه سيكون ممكنا على مدار العقد المقبل أو أكثر، مضيفاً: ربما نكون في بداية حقبة ذهبية من الاكتشافات العلمية، أو عصر نهضة جديد.
ويعتبر هاسابيس نموذج «ألفا فولد» الذي بنته «ديب مايند» وأصدرته في 2021 أفضل إثبات لمفهوم كيفية تسريع سحابة الذكاء الاصطناعي للبحوث العلمية.
وأسهم نموذج «ألفا فولد» في التنبؤ بتركيبة 200 مليون عنصر بروتيني ويستخدمه حالياً أكثر من مليون عالم أحياء حول العالم. وتستخدم «ديب مايند» الذكاء الاصطناعي أيضاً في استكشاف مناطق أخرى في علم الأحياء وتسريع الأبحاث في اكتشاف أدوية جديدة وتوصيلها، فضلاً عن علوم المواد والرياضيات والتنبؤ بالطقس وتكنولوجيا الاندماج النووي. وأفصح هاسابيس أن هدفه لطالما كان يتمثل في استخدام الذكاء الاصطناعي باعتباره «الأداة الأفضل للعلوم».
وسلط هاسابيس الضوء على الحاجة للتوصل إلى إنجاز حاسم أو اثنين قبل إمكانية التوصل إلى الذكاء الاصطناعي العام، وأضاف: لن أفاجأ إذا حدث هذا خلال العقد المقبل. ولا أقول هنا أننا سنصل إليه حتماً، لكني لن أكون متفاجئاً. ثمة احتمالية تبلغ نحو 50 % بحدوث ذلك، كما أن الجدول الزمني لم يتغير كثيراً منذ انطلاق «ديب مايند».
ولفت إلى أنه بالنظر إلى قوة الذكاء الاصطناعي العام فمن الأفضل التقدم في هذه المهمة بمنهجية علمية وليس عن طريق التجربة والخطأ، النهج الذي يفضله وادي السيليكون. وقال: أعتقد أننا يجب أن نتبع نهجاً علمياً بشكل أكثر في بناء الذكاء الاصطناعي العام لأهميته.
وقدم مؤسس «ديب مايند» مشورة للحكومة البريطانية في القمة العالمية الأولى عن سلامة الذكاء الاصطناعي التي عقدت العام الماضي في حديقة بليتشلي. ورحب هاسابيس باستمرار الحوار الدولي بشأن المسألة، ومن المقرر عقد قمم لاحقة في كوريا الجنوبية وفرنسا، فضلاً عن تأسيس معاهد لسلامة الذكاء الاصطناعي بكل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقال: أعتقد في أن هذه خطوات أولى مهمة، لكن ما زال أمامنا الكثير لنفعله، ونحن بحاجة للإسراع، في ضوء التحسن الهائل الذي يطرأ على التكنولوجيا.
وأصدر باحثو «ديب مايند» الأسبوع الماضي ورقة بحثية تحدثوا فيها عن منهجية جديدة يطلق عليها «سيف»، تهدف إلى تقليل الأخطاء، فيما يعرف بالهلاوس، التي تولدها النماذج اللغوية الكبيرة، مثل «تشات جي بي تي» لشركة «أوبن إيه آي» و«جيميني» الخاص بجوجل. وأدى عدم موثوقية هذه النماذج إلى تقديم محامين وثائق للقضاء تحوي مراجع وهمية، ما تسبب في تراجع شركات عن استخدامها تجارياً.
وسلط هاسابيس الضوء على كيفية تعامل «ديب مايند» بطرق مختلفة مع فحص الحقائق وإصلاح نماذجها اللغوية، عن طريق المراجعة المزدوجة مع «جوجل سيرش» و«جوجل سكولار» على سبيل المثال.
وقارن هاسابيس بين هذا النهج والطريقة التي تمكن بها نموذج «ألفا جو» من إتقان لعبة «جو» القديمة، وذلك عن طريق الفحص المزدوج للنتيجة. يمكن أيضاً للنماذج اللغوية الكبيرة تأكيد ما إن كانت النتيجة معقولة وكذلك إجراء تعديلات عليها. وقال هاسابيس: الأمر شأنه شأن ألفا جو إلى حد ما عند اتخاذه خطوة ما. لا تتخذ الشبكة الخطوة الأولى التي تفكر فيها ببساطة، بل تستغرق بعض الوقت للتفكير وتخطط لخطواتها التالية.
وحين إخضاعه لاختبار يتألف من توثيق 16000 حقيقة فردية، اتفق «سيف» مع مراقبين بشريين اختيروا بشكل عشوائي في 72% من الوقت، لكنه كان أقل تكلفة 20 مرة.