الدول النامية تكسر هيمنة الدولار بقروض ذات تكلفة أرخص
(البيان)-04/09/2025
تتجه الدول النامية إلى التخلي عن الديون المقوّمة بالدولار واللجوء إلى عملات منخفضة الفائدة مثل اليوان الصيني والفرنك السويسري. ويعكس هذا التحول، الذي شرعت فيه دول مثقلة بالديون مثل كينيا وسريلانكا وبنما، أثر الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة التي أقرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي أثارت غضب الرئيس دونالد ترامب وأسهمت في زيادة أعباء خدمة الديون على دول أخرى.
ويُعدّ التحوّل نحو الاقتراض باليوان – والذي يأتي بالتزامن مع وصول العملة الصينية إلى أعلى مستوياتها أمام الدولار خلال هذا العام – نتيجة مباشرة لمبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها بكين بقيمة 1.3 تريليون دولار، والتي قدّمت من خلالها مئات المليارات من الدولارات كقروض تمويلية لمشروعات بنى تحتية في مختلف أنحاء العالم.
ورغم عدم توافر بيانات شاملة عن حجم القروض الجديدة المقوّمة باليوان، نظراً لطبيعة المفاوضات الثنائية التي تجريها بكين مع الحكومات المختلفة، إلا أن كينيا وسريلانكا تسعيان بشكل حثيث إلى تحويل قروض دولارية كبيرة إلى اليوان. وقد كشفت وزارة الخزانة الكينية بالفعل الشهر الماضي عن مباحثات مع بنك التصدير والاستيراد الصيني – أكبر دائنيها – للتحول إلى سداد قروض دولارية باليوان لمشروع سكة حديدية بقيمة 5 مليارات دولار، وذلك لتخفيف الضغط على ميزانيتها. وفي سياق مماثل، أعلن رئيس سريلانكا أمام البرلمان مؤخراً عن مساعي حكومته للحصول على تمويل باليوان لاستكمال مشروع طريق سريع استراتيجي توقف إثر تخلف البلاد عن سداد ديونها في 2022.
ومع وصول سعر الفائدة المرجعي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى نطاق يتراوح بين 4.25 % و4.5 % – وهو معدل يفوق بكثير نظيره لدى البنوك المركزية الكبرى الأخرى – تعد التكلفة المباشرة للاقتراض الجديد بالدولار مرتفعة نسبياً للعديد من الدول النامية، حتى وإن كانت هوامش العائد على هذه الديون تُعد الأدنى منذ عقود مقارنة بعوائد سندات الخزانة الأمريكية.
وفي المقابل، خفض البنك الوطني السويسري أسعار الفائدة إلى صفر في يونيو، بينما يبلغ سعر إعادة الشراء العكسي المرجعي لأجل سبعة أيام في الصين نحو 1.4 %، ما يفسر – وفقاً لثيلينا باندوواوالا، الاقتصادي في مؤسسة «فرونتير» للأبحاث في كولومبو – أن «تكلفة التمويل قد تكون السبب الرئيس وراء التحول إلى اليوان».
يُذكر أن غالبية قروض «الحزام والطريق» خلال العقد الماضي كانت مقومة بالدولار، في وقت كانت فيه أسعار الفائدة الأمريكية متدنية، لكن ارتفاع تكلفة هذه الديون بشكل حاد لكل من كينيا وسريلانكا منذ ذلك الحين، دفعهما للابتعاد عن التمويل الدولاري والبحث عن بدائل أقل تكلفة. ومن خلال الاقتراض بعملات مثل اليوان والفرنك السويسري، تتمكن الدول من الحصول على تمويل بفوائد أدنى بكثير مقارنة بتلك المترتبة على السندات المقوّمة بالدولار.
وتواجه الحكومات المقترضة تحدياً إضافياً يتمثل في افتقارها للعائدات التصديرية بعملات مثل اليوان والفرنك السويسري، ما قد يضطرها إلى تبني استراتيجيات تحوط من مخاطر تقلب أسعار الصرف باستخدام المشتقات المالية. وتبرز بنما كمثال حي على هذا التوجه، إذ اقترضت ما يعادل نحو 2.4 مليار دولار بالفرنك السويسري من البنوك في يوليو الماضي وحده، وذلك في إطار جهود حكومة هذه الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى للسيطرة على عجزها المالي المتفاقم وتفادي انزلاق تصنيفها الائتماني إلى فئة «الخردة».
وتبدو كولومبيا بدورها في طريقها إلى تبني قروض بالفرنك السويسري لإعادة تمويل سنداتها الدولارية. وكشف أندريس باردو، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي لأمريكا اللاتينية في «إكس بي إنفستمنتس»، عن المنطق الاقتصادي وراء هذا التحول، موضحاً أن كولومبيا تستطيع الاقتراض بمعدلات منخفضة تبلغ نحو 1.5 % على أساس الفائدة السويسرية، لإعادة شراء ديون مقوّمة بالدولار ذات عوائد تتراوح بين 7 % و8 %، أو حتى سندات محلية بالبيزو تصل عوائدها إلى 12 %.
ويرى المستثمرون أن إصدار سندات بالفرنك السويسري من قِبل الحكومات قد يُسهم في كبح جماح فواتير الفوائد المتصاعدة، إلا أن مثل هذا الاقتراض لا يمكن أن يُشكّل بديلاً دائماً للوصول إلى السوق العامة الأكبر للسندات الدولارية.
كما بدأت الشركات في الأسواق الناشئة إصدار المزيد من السندات المقومة باليورو هذا العام، إذ بلغ إجمالي هذه الإصدارات مستوى قياسياً قدره 239 مليار دولار حتى نهاية يوليو، وفقاً لتقديرات «جيه بي مورغان». أما إجمالي حجم السندات المقوّمة بالدولار التي أصدرتها شركات من الأسواق الناشئة فيُقدّر بنحو 2.5 تريليون دولار.