الذهب يتفوق على سندات الخزانة الأميركية: تحوّل استراتيجي في احتياطات المصارف المركزية
(النهار)-20/10/2025
للمرة الأولى منذ عام 1996، تجاوزت احتياطات المصارف المركزية العالمية من الذهب حجم حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية (4 تريليون دولار أميركي مقابل 3.8 تريليونات دولار )، في تحوّل يعكس إعادة تشكيل جوهرية في سياسات إدارة الاحتياطات الدولية. هذا التغير ليس مجرد تطوّر مالي، بل يحمل دلالات استراتيجية تشير إلى تصاعد القلق من استقرار الاقتصاد الأميركي والدولار كعملة احتياط عالمية.
عقب انهيار نظام “بريتون وودز” في أوائل السبعينات من القرن الماضي، تَحوّلت الأنظار إلى الدولار الأميركي وسندات الخزانة كأدوات احتياط رئيسية. ساهمت عوامل عدّة في ترسيخ هذا الوضع، منها ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية في الثمانينات، وصعود نظام البترودولار الذي ربط تجارة النفط بالدولار، بالإضافة إلى عمق السوق الأميركية وسهولة تداول أدواتها المالية خلال العقد الأول من الألفية.
لكن هذه الهيمنة بدأت تتآكل تدريجياً مع تصاعد الأخطار الجيوسياسية والمالية، لا سيما منذ عام 2022، إذ بدأت المصارف المركزية في مختلف أنحاء العالم اتباع سياسة شراء الذهب بكثافة، كمصدر بديل وأكثر أماناً للاحتياط.
في عام 2022، سجلت المصارف المركزية مستوى قياسياً في مشترياتها من الذهب بلغ 1,136 طناً، في إشارة واضحة إلى فقدان الثقة المتزايد في سندات الخزانة الأميركية والأوراق المالية المقوّمة بالدولار. واستمر هذا التوجه في الأعوام اللاحقة (2023، 2024، و2025)، ما أدى إلى تجاوز احتياطات الذهب لدى المصارف المركزية حيازاتها من أدوات الدين الأميركية للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن.
تشير البيانات الحديثة إلى تحوّل لافت في خريطة الاحتياطات العالمية، إذ تعمد العديد من الدول إلى تعزيز حيازاتها من الذهب على حساب السندات والأصول الدولارية. فوفقاً لأرقام حديثة، تتصدّر الولايات المتحدة قائمة الدول المالكة للذهب باحتياطي يبلغ 8,133.50 طناً، تُقدّر قيمته بنحو 1.11 تريليون دولار، باستخدام سعر 4200 دولار للأونصة. وتليها ألمانيا بـ 3,351.50 طناً (454.25 مليار دولار)، ثم إيطاليا وفرنسا باحتياطيات تتجاوز 2400 طن لكل منهما. اللافت أيضاً دخول قوى اقتصادية صاعدة مثل روسيا والصين بقوة إلى هذا السباق، حيث باتت كلٌّ منهما تمتلك أكثر من 2,200 طن من الذهب، في خطوة تعكس توجّهاً استراتيجياً لفك الارتباط التدريجي بالدولار. كما تظهر دول مثل الهند، تركيا و السعودية في القائمة، ما يؤكد اتساع هذا التوجه عالمياً. هذا التحول يعكس تنامي القلق من الأخطار المرتبطة بالاقتصاد الأميركي وديونه المتفاقمة، ويدفع المصارف المركزية إلى إعادة هيكلة احتياطاتها نحو الأصول المادية الصلبة، وعلى رأسها الذهب، كملاذ آمن أكثر استقراراً في ظل نظام مالي دولي يشهد اضطرابات متزايدة.