الصناديق السيادية.. من محافظ مالية إلى محركات لبناء الأمم
(القبس)-24/09/2025
في عالم تتشابك فيه سلاسل الإمداد، وتعيد فيه التكنولوجيا والعمالة منخفضة التكلفة رسم خريطة التصنيع منذ عقود، تواجه الاقتصادات الصاعدة معضلة كبرى: كيف تجد لنفسها موطئ قدم في نظام عالمي تهيمن عليه مراكز اقتصادية ومالية قائمة وراسخة؟
الإجابة تكمن في رأس المال الصبور حين يقترن بسياسات تنظيمية مرنة ومناخ استثماري جاذب. وهنا يبرز الدور المحوري لصناديق الثروة السيادية (SWFs)، التي تتحمل المخاطر التي ينأى عنها رأس المال الخاص، وتفتح مسارات جديدة للنمو والتنافسية، وفق بيانات fDi Markets التابعة لصحيفة فايننشال تايمز.
ففي عصر يتسم بتصاعد النزعة الحمائية وتراجع التجارة المتعددة الأطراف، تغدو المنافسة أشد قسوة. وفي هذا السياق، لا تقتصر الصناديق السيادية على كونها محافظ مالية ضخمة، بل تتحول إلى محركات لبناء الأمم وتعزيز قدرتها على الصمود. فكل دولار من رأس المال الصبور، إذا أُدير بحوكمة رشيدة ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى، يصبح استثمارًا في مستقبل الدولة، لا مجرد ربح قصير الأجل.
تجارب رائدة
سنغافورة
اعتمدت تيماسيك، الشركة الاستثمارية المملوكة بالكامل لحكومة سنغافورة، على بناء شركات وطنية تحولت إلى أعمدة الاقتصاد المحلي، مثل الخطوط الجوية السنغافورية، و«سينغتل»، و«دي بي إس بنك». وتشكل هذه الشركات اليوم %52 من محفظة الصندوق، هذا الاستثمار الطويل الأمد، المدعوم بسياسات حكومية مرنة، مكّنها من منافسة كبرى الشركات عالميًا.
السعودية
يدير الصندوق أصولًا تفوق 913 مليار دولار، ويُسهم عبر شركات مثل «معادن»، «STC»، «علم»، و«أكوا باور»، بنسبة %10 من الناتج المحلي غير النفطي، فضلًا عن توفير أكثر من نصف مليون وظيفة. كما أُوكلت إليه قيادة مشاريع «الجيغا» ضمن رؤية 2030 مثل «نيوم»، لتشكيل أرضية خصبة للقطاع الخاص وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني.
الإمارات
بمحفظة استثمارية تفوق 327 مليار دولار، نجحت مبادلة في تحقيق عوائد سنوية مركبة بلغت %10 خلال خمس سنوات، وبناء قدرات استراتيجية في مجالات المستقبل كأشباه الموصلات، الطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي، من خلال استثمارات في شركات مثل «GlobalFoundries» و«مصدر».
دروس تحذيرية
ورغم النجاحات البارزة، تُظهر تجارب أخرى الوجه المعاكس. فبحسب بيانات fDi Markets، أغلقت البرازيل صندوقها عام 2018 بعد نمو محدود، بينما أُنهي صندوق بابوا غينيا الجديدة بسبب سوء استغلال الأصول، وألغت تشاد صناديقها نتيجة ضعف الحوكمة. هذه النماذج تؤكد أن غياب الرقابة والأهداف الواضحة يحول «رأس المال الصبور» من رافعة للنمو إلى عبء يثقل كاهل الاقتصاد.
التوازن مع القطاع الخاص
على الرغم من الدور الحيوي للصناديق السيادية، فإن توسعها المفرط قد يحولها إلى منافس يقصي القطاع الخاص. ففي بعض الدول، تُثار مخاوف من أن هيمنة الصندوق على المشاريع العملاقة قد تقلص فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة. ففي ماليزيا مثلا، أثار دور صندوق «خزانة» جدلًا مشابهًا في قطاعي الطيران والاتصالات. لذلك، يجب أن تظل هذه الصناديق أداة لتقليل المخاطر وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، لا وسيلة لاحتكار مفاصل الاقتصاد الوطني.
ثلاث قواعد لبناء أمم تنافسية
1 – ترسيخ أبطال وطنيين وتحفيزهم على المنافسة عالميًا، بدلًا من الاكتفاء بحمايتهم داخل الحدود المحلية.
2 – بناء منظومات استثمارية قادرة على استقطاب رأس المال الخاص وتعزيز الشراكة معه.
3 – التراجع في الوقت المناسب لإفساح المجال أمام آليات السوق الحر كي تعمل بكفاءة.