العام 2024 منعطف جوهري في مسار الاقتصاد العالمي.. وهذه أبرز الرؤى لـ 2025
(سي ان بي سي)-30/12/2024
شكل العام 2024 منعطفاً جوهرياً في مسار الاقتصاد العالمي، في وقت واصلت فيه دول العالم مواجهة تحديات عميقة ومتعددة الأبعاد، بينما برزت فرص جديدة لتعزيز التعافي من جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية التي سبقتها.
في خضم مشهد يتسم بتصاعد المخاطر الجيوسياسية، وتزايد الكوارث الطبيعية، واستمرار الصراعات في مناطق عديدة من العالم، تبرز محركات كبرى مثل السياسات النقدية وأفق التجارة الدولية، والتحول نحو اقتصادات خضراء ومستدامة، لترسم ملامح مستقبل اقتصادي يزداد تعقيداً.
شهد الاقتصاد العالمي في 2024 تأثيرات متزايدة بسبب الصراعات الممتدة مثل الحرب في أوكرانيا والأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، يعاني عدد من الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية من أزمات سياسية متنامية، تزامناً مع صعود تيارات يمينية وشعبوية عقب الانتخابات الأوروبية.
كما أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسياساته القائمة على مبدأ “أميركا أولاً”، تنذر بجولة جديدة من الحروب التجارية التي قد تهدد استقرار الاقتصاد الدولي.
وفي خضم هذا المشهد، باتت معالم تفكك السوق العالمية أكثر وضوحاً مع توسع مجموعة البريكس، وفرض عقوبات أميركية جديدة، وتراجع كفاءة سلاسل التوريد.. وجيمعها تحولات لا تقف عند إضعاف التعاون الدولي فحسب، بل تضع عقبات إضافية أمام الاستقرار والنمو الاقتصادي.
وفي الوقت الذي عانت فيه الاقتصادات المتقدمة كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من معدلات تضخم مرتفعة وارتفاع تكاليف المعيشة، واجهت الاقتصادات النامية في آسيا وأفريقيا تحديات كبرى مثل اضطرابات سلاسل التوريد وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن آثار التغير المناخي، وسط تحديات معقدة.
من بين أبرز المحطات البارز في مسار الاقتصاد العالمي خلال العام، هو ما يتعلق بالسياسات النقدية الصارمة التي اتبعتها البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، للسيطرة على التضخم، مع اقترابه من المستوى المتسهدف عند 2 بالمئة، وبدء دورة التيسير النقدي، رغم حالة عدم اليقين بشأنها في العام المقبل.
كما واصلت الحرب في أوكرانيا إلقاء ظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي. فالاقتصادات الأوروبية تعيد هيكلة استراتيجياتها الطاقوية، مستثمرة بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على روسيا. وفي الوقت ذاته، تتصاعد الاحتكاكات بين القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، لا سيما في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وأشباه الموصلات، مما يهدد استقرار التجارة العالمية ويدفع الدول إلى إعادة تشكيل استراتيجياتها التنموية.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن يظل النمو العالمي مستقرا، لكنه دون المأمول. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو من 3.3% في عام 2023 إلى 3.2% في 2024/2025.
بينما تُظهر توقعات منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن النمو الاقتصادي العالمي سوف يتباطأ إلى 2.6% في العام 2024، وهو ما يزيد قليلا على عتبة 2.5% المرتبطة عادة بالركود.
ويمثل هذا العام الثالث على التوالي من النمو دون معدل ما قبل الجائحة، والذي بلغ في المتوسط 3.2% بين عامي 2015 و2019.
وفي أحدث تقاريره، كان صندوق النقد قد رفع التنبؤات في الولايات المتحدة وخفضها في الاقتصادات المتقدمة الأخرى في المقابل، لا سيما البلدان الأوروبية الكبرى.
في الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتباطأ النمو، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 2.8% في العام 2024، انخفاضاً من 2.9% في عام 2023،وأن يتباطأ أكثر إلى 2.2% في عام 2025.
بينما في منطقة اليورو، يتوقع الصندوق نمو الاقتصاد من 0.4% في عام 2023 إلى 0.8% في عام 2024 و1.2% في عام 2025. وفي المملكة المتحدة، من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 1.1% في عام 2024، ارتفاعًا من 0.3% في عام 2023.
على الجانب الآخر، ففي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أدى التعطل في إنتاج وشحن السلع الأولية (خاصة النفط) والصراعات والقلاقل الأهلية، والظواهر المناخية الحادة إلى تخفيضات في توقعات منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا جنوب الصحراء.
يقدر الصندوق أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية ستشهد تباطؤاً طفيفاً في النمو من 4.4% في عام 2023 إلى 4.2% في عامي 2024 و2025.
وفي المقابل، تم رفع التنبؤات لآسيا الصاعدة، حيث أدت طفرة الطلب على أشباه الموصلات والإلكترونيات، المدفوعة بالاستثمارات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى تعزيز النمو، وهو اتجاه عام تدعمه الاستثمارات العامة الضخمة في كل من الصين والهند. وبعد خمس سنوات من الآن، يُتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3,1% – وهو أداء ضعيف مقارنة بمتوسط ما قبل جائحة كورونا.
بحسب الصندوق، فإن معدل النمو في الصين انخفض من 5.2% في عام 2023 إلى 4.8% في عام 2024، مع توقعات بوصوله إلى 4.5% في عام 2025.
بينما ظل معدل النمو في روسيا ثابتًا عند 3.6% في كل من عامي 2023 و2024، بينما ارتفع النمو الاقتصادي في البرازيل من 2.9% في عام 2023 إلى 3.0% في عام 2024.
وبالنسبة لليابان، من المتوقع أن يتباطأ النمو في عام 2024 إلى 0.3%، انخفاضًا من 1.7% في عام 2023. وفي كندا، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد من 1.2% في عام 2023 إلى 1.3% في عام 2024، ليصل إلى 2.4% في عام 2025.
وفي الأسواق الناشئة الرئيسية، من المتوقع أن تكون الهند محركاً رئيسياً للنمو العالمي، مع توقعات بنموها بنسبة 7% أو أقل في السنوات المقبلة. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد البرازيل والمكسيك بنحو 2% في عام 2025، في حين من المتوقع أن ينمو اقتصاد جنوب أفريقيا بنحو 1.5%.
ورغم استمرار تراجع معدل التضخم العالمي في العام 2024، لا يزال تضخم أسعار الخدمات مرتفعا في كثير من المناطق، مما يشير إلى أهمية فهم الديناميكيات القطاعية ومعايرة السياسات النقدية وفقا لذلك، بحسب أحدث تقارير صندوق النقد، الذي يشير إلى أنه في ظل انحسار الاختلالات الدورية في الاقتصاد العالمي، ينبغي معايرة أولويات السياسات على المدى القريب بدقة لضمان سلاسة الهبوط الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، يتعين تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط، مع ضرورة الاستمرار في دعم الفئات الأكثر ضعفا. ويناقش الفصل الثالث استراتيجيات تعزيز القبول الاجتماعي لهذه الإصلاحات – وهو من المتطلبات الأساسية لنجاح التنفيذ.
ومن المتوقع أن ينخفض التضخم العالمي من 6.7% في عام 2023 إلى 5.8% في عام 2024 و4.3% في عام 2025 على أساس سنوي.
يعكس هذا الانخفاض في التضخم العالمي انخفاضًا واسع النطاق في عامي 2024 و2025، على عكس الوضع في عام 2023، حيث انخفض التضخم بشكل رئيسي بسبب انخفاض أسعار الوقود. ومن المتوقع أيضًا أن ينخفض التضخم الأساسي بمقدار 1.3 نقطة مئوية في عام 2024، يليه انخفاض بمقدار 0.1 نقطة مئوية في عام 2025.
ويشار كذلك إلى أن أغلب الاقتصادات قد تستغرق حتى عام 2025 للوصول إلى معدلات التضخم المستهدفة. ورغم انخفاض معدلات التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فمن المتوقع أن يصبح التفاوت بين أداء الاقتصادات المختلفة أكثر وضوحا في المستقبل القريب.
ما الذي ينتظر الاقتصاد العالمي في 2025؟
وفيما يتعلق بتوقعات الاقتصاد العالمي للعام 2025، فقد حدد تقرير لـ S&P Global Market Intelligence أهم عشرة رؤى رئيسية.
بحسب الخبير الاقتصادي العالمي في S&P Global كين واتريت، فغنه مع حلول العام 2025، ينصب التركيز بشكل مباشر على التحولات السياسية التي ستشهدها الولايات المتحدة بعد الانتخابات وتداعياتها الاقتصادية الأوسع نطاقًا.
“ومع توقع توقف دورة تخفيف السياسة النقدية التي يتبناها بنك الاحتياطي الفدرالي بسبب تجدد الضغوط التضخمية، فإن الظروف المالية العالمية ستكون أقل تيسيراً مما كان متوقعاً في السابق. وهذا يعني مشاكل للنمو الاقتصادي؛ ونحن نخفض توقعاتنا بشكل كبير على كافة الأصعدة”، على حد قوله.
التوقعات الاقتصادية الأميركية: على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي لا يزال من المتوقع أن يشهد هبوطاً ناعماً، فقد زادت المخاطر السلبية، المتعلقة بنقص العمالة والتعريفات الجمركية المحتملة. ومن المتوقع أن يتوقف بنك الاحتياطي الفدرالي عن دورة التيسير النقدي في منتصف عام 2025.
النمو في الصين: من المتوقع أن يتباطأ النمو في الصين، متأثرًا بزيادة محتملة في الرسوم الجمركية على الصادرات إلى الولايات المتحدة وتحديات قطاع العقارات. وعلى الرغم من تدابير التحفيز الإضافية، فمن المرجح أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي أقل من هدف الحكومة.
الأوضاع أوروبا الغربية: تواجه الاقتصادات الأوروبية الغربية الحساسة للتصدير مخاطر متزايدة من الركود الفني بسبب الاضطرابات المحتملة في أنماط التجارة التقليدية وعدم الاستقرار السياسي. ومن المتوقع أن تستمر البنوك المركزية في المنطقة في خفض أسعار الفائدة.
النمو في الاقتصادات الناشئة: سوف تواجه الاقتصادات الناشئة ظروفاً مالية أقل ملاءمة. وسوف تختلف محركات النمو الرئيسية في بعض المناطق عن المعتاد.
تباين ديناميكيات التضخم الوطنية: من المتوقع أن تتجدد الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة في ظل التحولات المتوقعة في السياسة، في حين من المتوقع أن تستمر القوى الانكماشية في أوروبا الغربية والصين القارية .
اتجاهات التضخم الأساسي: من المتوقع أن يظل التضخم في أسعار السلع منخفضا في الأمد القريب جدا، ولكن في حالة زيادة التعريفات الجمركية، فإنها ستمارس ضغوطا تصاعدية في عام 2025. وبالتالي فإن المزيد من الاعتدال في التضخم في الخدمات سيكون مفتاحا للحفاظ على معدلات التضخم الأساسي منخفضة.
اتجاهات أسعار السلع الأساسية: من المتوقع أن تعمل أسعار النفط الخام والسلع غير المرتبطة بالطاقة على تخفيف بعض الزخم التضخمي في حالة زيادة التعريفات الجمركية.
الظروف المالية العالمية: إن التوقف المتوقع في تخفيف السياسة النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعني ظروفًا مالية عالمية أقل تيسيرًا، مما يؤدي إلى تثبيط النمو إلى جانب الرياح المعاكسة الهيكلية.
قوة الدولار الأميركي: سيستمر ارتفاع قيمة الدولار الأميركي. ومن المتوقع أن يستمر ضعف أداء البيزو المكسيكي، في حين ستؤثر فروق أسعار الفائدة المتزايدة والظروف الاقتصادية الضعيفة على اليورو والجنيه الإسترليني. ومن المتوقع أن يتفوق الين على الدولار الأمريكي في الأداء، نظرًا لاستمرار التباعد بين السياسات النقدية.
العجز المالي ومخاوف الديون: من المتوقع أن يؤدي العجز المالي المرتفع المستمر إلى تفاقم أعباء الديون المرتفعة بالفعل، مع فرض ديناميكيات أقل ملاءمة للنمو النسبي وأسعار الفائدة خطراً متزايداً على استدامة الدين.