العملات المستقرة.. بنوك مقنّعة أم صناديق مالية؟
(البيان)-30/05/2025
بعد أن كتبنا أن مصدّري العملات المستقرة يؤدون دور البنوك، وأن هذه العملات تعادل في جوهرها الودائع المصرفية، اتهمنا عدد فوق المتوسط من مستخدمي الإنترنت بالغباء (لم يكن الرقم هو الأعلى، فهذا المستوى يحدث عندما نكتب عن الذهب أو وارن بافيت).
والحجة الأكثر شيوعاً ضدنا، كانت أن ما وصفناه عند شرحنا لآلية عمل مصدّري العملات المستقرة لا يشبه البنوك، بل يشبه صناديق سوق المال. فهذه الصناديق، تتلقى السيولة من المستثمرين.
وتستثمرها في أصول قصيرة الأجل نسبياً، ثم تصدر التزامات للمستثمرين، تعد بالاسترداد عند الطلب، وبسعر التعادل. والفرق الجوهري يتمثل في أن البنوك، بحكم قدرتها على الاحتفاظ باحتياطيات جزئية، توفر النقود حين تقرض.
وبالنسبة لكثيرين، فإن هذه القدرة هي السمة المميزة للبنك، وهو أمر لا تقوم به الجهات المصدرة للعملات المستقرة (على الأقل بموجب قانون جينيوس).
وإذا افترضنا صحة هذه الحجة، فهناك حقيقة مزعجة، وهي أنه إذا اعتبر مصدرو العملات المستقرة صناديق للأسواق المالية، فإن العملات المستقرة ستعد حينها أوراقاً مالية، وينبغي تنظيمها، والإشراف عليها على هذا النحو.
وهناك مشكلة أخرى بالنسبة لمستخدمي العملات المستقرة، إذ أشار البعض إلى أن العملات المستقرة لا تشبه صناديق سوق المال تماماً، بل تشبه (صناديق استثمار متداولة في البورصة).
وفي هذا السياق، قال جون ليفين: «العملات المستقرة ليست ودائع مصرفية، بل هي صناديق أسواق مال متداولة في البورصة. فإذا اشتريت بعض وحدات «تيثر»، لا يمكنني ببساطة أن أسترد قيمتها نقداً.
الحد الأدنى للمعاملة هو 100 ألف دولار، ولا يبيعون أو يشترون إلا مع أطراف مقابلة معتمدة، مقابل رسم قدره 0.1 %، ولا يختلف هذا كثيراً عن آلية «المشاركين المعتمدين» في صناديق التداول في المؤشرات.
أما بالنسبة للمبالغ الأصغر، فيجري تداولها عبر البورصات، ومرة أخرى، هذا يشبه صناديق المؤشرات المتداولة. ولا أعتقد أن هذا يغير كثيراً في طبيعة التنظيم الذي ينبغي أن تخضع له، لكن مرة أخرى.
مثل صناديق المؤشرات، هناك مجموعة محدودة من المستخدمين الكبار، الذين يعرفهم المُصدر، ويتعامل معهم مباشرة، مقابل عدد كبير من المستخدمين المجهولين، وهذا لا يشبه البنوك إطلاقاً».
وهناك من يشير إلى تداعيات أكثر قتامة، فعلى عكس صناديق سوق النقد، لا تمتلك العملات المستقرة الحالية آليات استرداد دقيقة وموثوقة. ومن دون قدرة مباشرة على الوصول إلى نافذة الاسترداد، فإن المستثمر العادي في العملات المستقرة «يمتلك صندوق مؤشرات يمثل وديعة مصرفية».
إننا سبق أن وصفنا صناديق سوق المال والأدوات المماثلة بـ «بنوك ظل»، لسبب وجيه: فهي تتحمل التزامات قابلة للسحب الفوري، وهذه السمة، وليس قدرتها على توفير النقود أو كيفية قيامها بذلك، هي جوهر أي بنك.
ويشير دان ديفيز، والذي عمل سابقاً كخبير اقتصادي في بنك إنجلترا، إلى أن أحد الجوانب المهمة لصناديق سوق المال، هو أنها تتعرض لمشاكل شبيهة بالتي تواجهها البنوك.
وقد احتاجت دورياً إلى دعم البنوك المركزية. بعبارة أخرى، عندما تشتد الأزمة، تحصل صناديق سوق المال على معاملة البنوك. وقال ديفيز: صناديق سوق النقد هي (بنوك ظل)!
الناس لا يرغبون بالاعتراف بذلك، لأن لهذا الاعتراف تبِعات كثيرة، لا تروق لكثيرين. ويمكنك أن تسمي الشيء ما تشاء، لكن إذا كانت جهة ما تتلقى أموالاً على أساس وعد بإمكانية تحويلها فوراً وبالقيمة الاسمية، فهي بنك.
أما قول مُصدري العملات المستقرة بأنهم يشترون فقط أذون خزانة واتفاقيات إعادة الشراء، فليس سوى محاولة لصرف الانتباه. لا يهمني ما تدّعي أنك تشتريه.
لن أصدقك إلى أن تقوم المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع بفحص دفاترك والتحقق من ذلك». وفي نهاية المطاف، وبغض النظر أن «وعود» البنوك بأنها ستحتفظ بأصول جيدة، فإنها ملزمة بالاحتفاظ باحتياطي.
ويبدو أننا نعيد تعلم هذه الحقيقة في كل مرة تقع فيها أزمة مصرفية. وبالإمكان المراهنة من الآن، على أنه خلال عام واحد من اليوم، سيقوم أحد مُصدري العملات المستقرة بتقديم قروض بالهامش على رهانات عملات الميم، أو خطوط ائتمان سحب على المكشوف.